Al-Watan (Saudi)

مدينة أفلاطون

-

منذ أن كان طالبا في مراحل التعليم العام تميز خالد بتفوقه الدراسي وبشغفه وحبه للأنشطة اللاصفية، حاز على ثقة الجميع، قادة المدارس والمعلمون وزملاؤه، كان متميزاً في تنظيم المعارض، حتى صار أيقونة الإبداع في العرض والإخراج والإدارة، مع نهاية كل عام دراسي وكالعادة تقيم المدارس احتفالاتها الختامية لتكريم المتفوقين والموهوبين والمشاركين برعاية المسؤولين والأعيان، لا جديد في المشهد نفس الوجوه تتكرر كل عام دراسي، عملية استقبالهم وما يصاحبها من مواقف ومشاهد تراجيدية وأصوات أحيانا خارجة عن المألوف أثناء دخولهم وخروجهم وتسابقهم على المقاعد، حتى هز الرؤوس خلال عملية الشرح والتجوال في أركان المعارض هي ذاتها، اثنتان للأسفل والثالثة ثابتة للأعلى، وخلف الكواليس مشاهد لا تخلو من الطرافة، فقادة المدارس والمعلمون ممسكون بزمام الأمور وانضباط الطلاب وتأدبهم، خاصة ممن لديهم فرط في الحركة على حد زعمهم، ولا غرابة أن تجد العقل والأشمغة تتراقص هنا وهناك وفي فناء المدرسة، وهذا قدرهم، تلك المشاهد والمواقف والذكريات الجميلة منها والقاسية رسخت في العقل الباطن للطالب خالد، الذي تخرج من المرحلة الثانوية قبل عقد من الزمن بتفوق كعادته، والتحق بجامعة الملك خالد ونال البكالوريو­س من كلية العلوم الإدارية بمعدل تراكمي عال، فما كان من الجامعة إلا أن ابتعثته لإحدى الجامعات المتقدمة في الولايات المتحدة الأميركية، عاد لأرض الوطن وأحلام اليقظة تدفعه ليطلق مخزونه العلمي ومواهبه المتعددة، للمشاركة في تنمية أغلى وطن، وما زاده يقينا وإيمانا بتحقيق ذلك هو تسارع أحداث التغيير والتنمية على جميع مساحات وأنحاء وطنه الحبيب، همه الوحيد العودة إلى مسقط رأسه، ليساعد من خلال شهاداته العليا في علم الإدارة والمحاسبة، في تسارع عجلتها التنموية تزامنا مع رؤية الحكومة الرشيدة 2030، والتي جعلته وأقرانه هم الوقود لتحقيقها،عاد »والعود أحمد« إلى إحدى الكليات في محافظته الطرفية معيدا، شاءت الأقدار أن تنظم تلك الكلية حفلا ومعرضا لطلابها برعاية كبار القوم من مسؤولين وأعيان، لا يزال شغوفا بحب تلك الأنشطة ليقينه في أثرها البالغ في اكتشاف المواهب وصقلها، فضّل الانزواء في أحد الأركان خاصة مع وصول موكب المسؤولين تباعاً واصطفاف المرافقين هنا وهناك، وارتفاع الأصوات لزوم الانضباط، ما إن شاهد رعاة الحفل قادمين ومتحفزين حتى عاد به شريط الذكريات عشرة أعوام وأكثر، الوجوه ذاتها، حركة هز الرؤوس تغيرت قليلا وبوتيرة بطيئة مع إبداء شيء من الاستحسان، خاصة لحظة شرح أحد الطلاب برامج حاسوبية وتطبيقات عن الحكومة الإلكتروني­ة، وما إن استخدم مصطلحاتها الأجنبية حتى هرع الجمع من حوله، صدم الماستر خالد واكتفى بتحريك نظارته الطبية بعد أن ضعف بصره بسبب البحث ومواكبة الجديد في تخصصه، حدثته نفسه كيف له أن يحقق طموحه وأن يقود في يوم من الأيام دفة القيادة متسلحا بالعلم وبشهاداته العليا من أرقى الجامعات العالمية وكراسي هؤلاء المسؤولين ثابتة ، عادت نفسه لتحدثه عن قصص بقائهم وغيرهم كثر، وفي جميع مفاصل الإدارات، صغار وكبار، وهم الذين قد أعطوا ما لديهم وتفانوا وأخلصوا ولكن دون جدوى، الماستر خالد فضل الصمت وعدم الرد على نفسه الإمارة بالسوء، لكنها عادت مرات ومرات لتستنهضه على ضرورة مشاركته في »التغيير الإداري« وقالت له: اسمع نتائج الدراسات والأبحاث الخاصة بالقيادات الإدارية في الدول الصناعية المتقدمة، تشير إلى أن قدرات تلك القيادات على الإنجاز والتطوير وإحداث التغيير تتم خلال الثماني سنوات الأولى، بعدها يبدأ العد التنازلي لتراجعها وعدم قدرتها على الإنتاج، وإزاء ذلك عهدت تلك الدول إلى هيئات متخصصة تتمتع باستقلالية تامة يقوم عليها كبار علماء الإدارة مهمتهم اختيار القادة الإداريين بشكل دوري، عن طريق إجراء الاختبارات والمقابلات الشخصية للمرشحين للمواقع القيادية بكل شفافية لفترة محددة غير قابلة للتمديد. رد الماستر خالد وبغضب على نفسه يا »مدينة أفلاطون.«

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia