Al-Watan (Saudi)

فاتنا قطار تطوير التعليم

- البراء طيبة

لدينا فرصة جوهرية في البدء مع الآخرين في بناء نظام تعليمي مختلف، فلنبدأ بتوجيه البنية التحتية للنظام المستقبلي بصورة أكبر، من محاولة إصلاح أخطاء نظام اليوم لمعالجة نظام تعليمي سابق

فلسفة التعليم الحالية والمنهجية المتبعة، تقليدية، وبدأت منذ بداية فكرة التعليم، بحيث يقوم شخص بنقل المعلومة إلى مجموعة من الأشخاص.

بدأت في الكتاتيب، واستمرت إلى اليوم في فصول يقف المعلم أمام مجموعة من الطلاب لإلقاء المحتوى العلمي »المنهج الدراسي«. تغير العالم، وما زال التعليم يتبع المنهجية نفسها.

أريد رسم صورة للتطور المقصود في العنوان، تخيل صورة من 3 عناصر يتغير حجمها مع الزمن: المعلم، والمحتوى، والطالب.

في قديم الزمان، كان المعلم هو المحتوى، لم توجد طريقة لعرض المحتوى من كتابة وطباعة وغيرها. المحتوى كان في ذاكرة المعلم، في خبراته وتجاربه، ولا يستطيع الطالب الحصول عليه إلا بأن يسعى طالبا للعلم.

فكان الطالب -اسما وفعلا- طالبا للعلم، ومع اكتشاف الورق والكتابة، ظهر المحتوى المقروء بصوره المختلفة تدريجا، فأصبحت الكتب مصدرا جديدا للمعلومة، ليس المعلم فقط. وأصبح الطالب يبحث عن المعلومة عند معلمه وبين كتبه.

ومع مرور الوقت، زادت نسبة المحتوى الموجود وتنوعت أشكاله. ونسبيا، لم يزدد علم المعلمين. وطبعا، مع اكتشاف الكهرباء، زادت الطباعة بأشكالها وانتشرت الكتب أكثر، وأصبح المحتوى متوافرا بصوره المختلفة: التلفزيون، والراديو، والصحف، والمجلات، وغيرها.

ومع الثورة الصناعية، احتاجت الدول إلى متعلمين أكثر، فظهرت المدارس وركزت على الانتشار عن الجودة، وتم تحديد مناهج دراسية، وتحديد معلمين لتدريس المناهج، وفُتحت لمن يريد، إلى أن أصبحت إجبارية في غالب دول العالم. فمع وجود طلاب يطلبون العلم، إلا أنه يوجد أفراد يحملون اللقب اسما لا فعلا. ثم جاء الإنترنت، وفتح كل أنواع المحتوى التي نراها اليوم، فأصبح المحتوى في جيب كل منا.

فإن رأينا أحداث الماضي للمعلم والمحتوى والطالب، وعكسناها على المستقبل، فسنرى اختلافا جذريا في دور المعلم، واختلافا في المحتوى، وأخيرا اختلافا في دور الطالب. المحتوى سيستمر في النمو، وسيصبح كل ما حولنا محتوى، وسيسهل الوصول إلى المعلومة بطريقة سهلة وسريعة، يكفي أن تنظر إلى المبنى أو إلى صديقك لتظهر كل بياناته المتوافرة للعامة.

وكما هو الحال في »تويتر« و»سناب«، فسيمل الطالب من المعلومات الطويلة وسيتجه نحو »الزبدة«. ولن يصبح المعلم حاملا للمعلومة، إنما هو منسق وميسر للحصول عليها، وسط ازدحام شديد في المحتوى.

وسيتغير المنهج عما نراه اليوم، فأصبح المستقبل يحتاج إلى علوم أخرى، مثل الاهتمام باللغات ولغة البرمجة، وتنمية المهارات الشخصية، والتكثيف في تدريس الفنون والتصوير والإخراج، وتعليم القيم، والثقافة والفلسفة، والصحة والإدارة المالية، وغير ذلك.

وأخيرا، الطالب لن يتعلم باعتماده على الذاكرة والحفظ والاختبارا­ت، إنما سيتعلم من الممارسة والاحتكاك والإلقاء والتجربة.

ما أقصده في العنوان ليس تشاؤما في تطوير التعليم، إنما أعرض هنا سياقين مختلفين في تطوير التعليم: الفلسفة الأولى، تعتمد على تطوير ما كان التعليم عليه، والأخرى: تعتمد على ما سيتجه المستقبل إليه.

ولأن النظامين مختلفان تماما في الفلسفة والأنظمة التعليمية، فهل نريد تطوير النظام الحالي؟ أم البدء بالعمل على بناء البنية التحتية للنظام الجديد، لتحقيق التحول التعليمي؟

رأيي أننا تأخرنا في تطوير التعليم بصورته المتعارف عليها، ولكن لدينا فرصة جوهرية في البدء مع الآخرين في بناء نظام تعليمي مختلف.

فلنبدأ بتوجيه البنية التحتية للنظام المستقبلي بصورة أكبر، من محاولة إصلاح أخطاء نظام اليوم، لمعالجة نظام تعليمي سابق.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia