Al-Watan (Saudi)

بمناسبة العودة للمدرسة طلابنا اليوم غير

- محمد فايع

الزمن الذي عشناه يختلف كثيرا عن الزمن الذي تعيشه أجيال اليوم، مثلما أن الزمن الذي عشناه كان يختلف عن زمن من سبقونا، وهكذا الأجيال التي تتعاقب مع أزمانها، فلكل جيل أحواله وظروفه وحياته وهمومه وآماله، إلا أن قدر هذا الجيل أن أمامه من التحديات ما لا يمكن إنكارها، تحديات مع الانفجار المعلوماتي، مع التحولات التي تحدث اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وأخلاقيا في العالم، المتغيرات المتسارعة التي تحدث في محيطه، ومخرجات اليوم هم الذين يعول عليهم الوطن بناء مستقبله ودفع نهضته.

ولذلك حينما أتحدث عن تطوير التعليم أو إصلاحه، فلا بد أن يكون حديثنا عن آمالنا في الإصلاح والتطوير حقيقيا، وأن يترجم على أرض الواقع، من أجل العمل على الرقي بكل مكوناته المادية والبشرية، وعلى رأسها »المعلم«، فطلابنا بحاجة إلى عينة من المعلمين يدركون حاجتهم إلى تعلم نوعي، وبحاجة إلى مدارس تحوي بيئات جاذبة لا طاردة، يجدون فيها فرص التعلم محققة وهم يفكرون، يجربّون، يخترعون، يكتشفون، يؤلفون، يرسمون، يلهون ويلعبون بكل راحة وأريحية، دون أن يشعروا بقيود داخل المدرسة قد تحد من إحساسهم بمتعة التعلم.

ولهذا فمن الأهمية بمكان أن يتم »تحديث المناهج الدراسية« بما يتفق مع ما يرونه في واقعهم اليوم في محيطهم القريب والبعيد من مستجدات ومخترعات ومكتشفات وأحداث سياسية واجتماعية معايشة، لا بد من مناهج تتسم وظروف زمنهم وأحوالهم التي يعيشونها كل يوم في واقعهم المحلي والعالمي.

كذلك لا بد من الأهمية بمكان أن تتغير »أساليب المعلمين« في تدريسهم، فالأساليب التقليدية التي تقوم على الحفظ والتذكر لوحدها، لم تعد مجدية، وأنا أقول لوحدها، لأننا كتربويين نؤمن بأنه لا يمكن إلغاؤها أو الاستغناء عنها كلية، فهناك مواد تحتاج إلى الحفظ والتذكر، لكن القصد، ألا يبقيا الأسلوبين اللذين نعتمد عليهما في طرائق التدريس فقط لكل المواد والموضوعات، بينما يتم إهمال طرق ستعمل على الارتقاء بعقل التلميذ ليتلقى تعليما أجود يمكّنه من الاكتشاف والتحليل والتفكير، وتكون لديه قدرة على المشاركة بفاعلية، ويشعر بقدرته على إعطاء الرأي، وهي مهارات سيملكها التلميذ إذا ما وجد طرائق تدريس متنوعة، وأشركه معلمه في مواقف تعليمية تطبيقية تحاكي واقعه الحياتي، فالحكمة الصينية تقول »قل لي وسوف أنسى، أرني وقد أتذكر، اشركني وسوف أفهم .«

ولأن البيئة التعليمية يجب أن تكون جاذبة ماتعة، فمن الأهمية بمكان أن تختفي »أساليب العقاب« التي ألفناها تلاميذ، فلم تعد مناسبة لأجيال اليوم، وبدلا منها يأخذ المعلم بأساليب تربوية بديلة، يمكنه استعمالها في الثواب والعقاب، كي يمارس أدواره الجديدة كمعلم متجدد، فنريده مساعدا لا ناقلا، نريده مشجعا، محفزا مرشدا، موجها، خبيرا، مشاركا مع تلاميذه المتفوقين، وكذلك التلاميذ الذين يعانون قصورا دراسيا، وقد قلنا مرارا، إن أساليب العقاب التقليدية لم تعد صالحة لأولادنا هذا الزمن، كي يعدّلوا من أفهامهم، أو يقوّوا ذاكرتهم، فلكل تلميذ قدراته الخاصة من الحفظ والتذكر والاسترجاع والتفكير والتعبير وهكذا.

طلابنا اليوم بحاجة إلى من يعينهم في كيفية أن يرسموا أحلامهم، يخططوا لأهدافهم، ينظموا أوقاتهم، يوظفوا قدراتهم، يمارسوا مواهبهم ليشبعوها، ولتلبية هذه الاحتياجات لا بد أن يتفهمها كل من المعلم في المدرسة، والوالدين في البيت.

طلابنا وطالباتنا الذين يبلغ تعدادهم 5 ملايين ونصف المليون، ويقوم على تدريسهم ما يزيد على نصف مليون من المعلمين والمعلمات، ويدرسون في 35 ألف مدرسة، هم أحوج ما يكونون إليه من أي وقت مضى، إلى تعليم نوعي كيفي متميز، يرعى قيمهم، في زمن تكاثرت فيه الصراعات الفكرية، والصراعات على الموضة والتقليد الأعمى، وداهمتهم حروب الهويات، وتيارات ذات أيديولوجيا­ت تستهدف تدمير دينهم، عقولهم، أخلاقياتهم، وصدقوني أن مهمة التعليم الأهم، أن تسخر كل مكوناته وأساليبه وأدواته إلى »حماية« أخلاقيات الطلاب وصيانة قيمهم الدينية والوطنية والاجتماعي­ة، لأن أي تعليم لا يرعى هذه القيم ستكون النتيجة خروج جيل فاقد لهويته، لا يعرف أهدافه، خاوي الفكر، فارغ من كل شيء، وستعاني العقول من الفراغ الروحي والخواء الفكري، نتيجة لتخلخل قيمهم التي تحميهم من الوقوع في الفساد، سواء فساد في العقيدة وفهم الدين فهما خاطئا، والانجراف خلف دعاوى الإرهاب والتشدد، أو فساد الانجرار خلف دعوات الانحلال الأخلاقي، لإغراقهم في أوحال الرذيلة، وكلا الأمرين ضار للتلميذ، ضار لدينه ووطنه وأخلاقياته ومستقبله، فلا تعليم بدون تربية.

لذلك أعيد القول إن أولادنا اليوم غير، وهم بحاجة إلى أن تتغير كل الأساليب والمناهج والبيئات التعليمية، كي تكون متناسبة مع واقعهم، وتحقق لهم التعليم الذي نبحث عنه، فهم أبناء التقنية، وقدرهم أن يسبحوا في فضاءات الإنترنت، وهو فضاء واسع ومخيف، مليء بما ينفع ويضر، ولا يمكن تركهم يسبحون في بحر النت، ويتعلقون بشبكاته، دون أن يكون هناك من يوجه ويراقب ويحذّر وينبّه ويرشد وفق الأساليب التربوية، وإلا سيكون حالنا قول القائل »ألقاه في اليم مكتوفا وقال له... إياك إياك أن تبتل بالماء«، ونحن نعرف المخاطر التي تترصد أولادنا في عالم الإعلام الجديد، فالأعداء كثر، والحسابات المعادية للدين والوطن بمئات الآلاف، ولا يمكن لنا خداع أنفسنا ونصغي لحزب »المهّونين« حتى إذا »ما وقع الفأس في الرأس« قمنا نتنادى على وضع أولادنا، ومعنا من كان يهوّن ويرفض المؤامرة على الدين والوطن والأخلاقيا­ت، ونحن نرى المثلية تشرعن في دول، ولها مؤتمرات ومنظمات تدعمها، ونرى مواقع الإباحيات تغزو فضاء وسائل التواصل الاجتماعي، وأفكار التطرف والانحلال تنشر وتبث، وداعمي الإرهاب لا يتوقفون، أولادنا هم مستقبل الوطن، فكيفما نريد مستقبلنا جميلا ناهضا متقدما، علينا صناعة جيل مسلح بقيمه، يؤمن بوسطية الدين، ويحب وطنه وولاة أمره.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia