تغريد الغراب

ومن يكن له الغراب دليلا.. يقوده أبدا إلى مستنقع الحفر.

بادئ ذي بدء بهذه الحكمة تتجلى شخصية صاحبنا المستهدف بالطرح. ويحلو الحديث ويصبح ذا شجون.. فصاحبنا الغراب من رواد برامج التواصل. ما إن يضع ساقا على ساق، ويوازي النظارة على رواق.. حتى يشرع مجتهدا في نشر أخبار ملونة وشعبية، لها من الهزل والسخف وافر الحظ والنصيب، يستعرض خفة الدم في مداخلات وعبارات غنية بالظرافة والغرابة..

يحكى أن طائر الغراب يضع منقاره في سنام الإبل وأجسادها، مخلصا لها من حشرة القراد. ليستغلها فيما بعد ويمتص شيئا من الدم! وهكذا غراب البشر يظهر من محاسن الخلق والمثالية الزائفة التي ليس لها في الواقع وجود، ثم يستغل متابعيه لمصالحه وهواه. الغراب لا يهم أن يناقش موضوعا جادا أو خبرا مهما، بل التسطيح والقشور ضرورة قصوى كونها الأخبار الخفيفة والمشوقة لأجواء السمر والنجوى الإلكترونيين!. لغة الضاد الفصيحة..غير فصيحة ومبينة في التخاطب اليومي في منارة صاحبنا الإعلامية. مناقرات الصحاب والأعداء والأحباب سلوك يومي في تغاريده.. بل هي منوعات لا تختلف عن طبيعة المواد الإعلامية الصفراء. يتسلح كثيرا بالإشاعات والتفريق والمفارقات، فهو غراب البين بامتياز.

الغراب طائر ذكي وماكر، وصاحبنا متلون وماهر في كسب متابعيه بأي وسيلة، ومتابعوه في ازدياد. فمن سينقذ أبناءنا، شبابا وشابات، من أمراض برامج التواصل والأجهزة الذكية؟ مع ما تحمله من غزو فكري وسموم ذباب واصطياد ذئاب قد تضر أخلاقهم ووطنيتهم، ناهيكم عما أسهمت فيه من إضعاف لملكة التحليل والتفكير وتراجع الذكاء بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى ما تسببت فيه من إهمال وضعف للمستوى الدراسي بسبب عشعشة الأوهام وإدمانها، يغذيها واقع افتراضي يضرب بسلبياته ظاهره وباطنه.

هل توعية الآباء والأبناء ببرامج ثقافية وغير رسمية مجدية؟ منهاجنا الدراسية لا تريد زيادة الضغوط وكثافة المنهاج بمستجدات يفترض أن تعرف أضرارها بداهة. فهل يأتي الوقت الذي يعرف أبناؤنا إيجابيات برامج التواصل ويتجنبون سلبياتها من تلقاء أنفسهم.