Al-Watan (Saudi)

هذه أحكام شرعية وليست نظريات جاهلية

- أحمد الرضيمان

أرجو من الأخ الكريم خالد العضاض أن يعيد النظر فيما كتب، لأن مآلات ما كتبه خطيرة، ذكرت بعضها، وأعرضت عن بعض، فما كتبه -في نظري- قد يؤدي إلى أمور لا تحمد عقباها

كتب جاري في هذه الصحيفة الموقرة »الوطن« الأخ/ خالد العضاض مقالا بعنوان (الفقه الغادر: تجريم شرعنة بيعة المتغلب)، وفي نظري أن مقاله -هداه الله- متضمن بعض الأخطاء العلمية، وكُتب أيضا بعبارات غير مناسبة كقوله: (الفقهاء اللئام- نظرية همجية جاهلية فوضوية- لا يسعد فقيه غادر بأي دليل...الخ)، وما هكذا تكون المناقشات العلمية، وأنا شخصيا ليس لي معرفة بالأخ خالد العضاض، لكنه ذكر عن نفسه أنه كان مع الإخوان والسروريين، ففي لقاء معه في إحدى الفضائيات ذكر عن نفسه: (أنه كان منضويا تحت لوائهم)، بل ذكر أنه يستقبل قياداتهم في الخارج في مطار القصيم، كما في مقاله المنشور في الوطن (الإخوان في السعودية)، وقد ذكر أنه تركهم، وهذا خير، ولكن أحيانا تكون بعض الأفكار لا تزال باقية، وقد تكون هذه المسألة، من تلك البقايا التي نرجو أن يتخلص منها أخونا الكريم، وقد ذكر الإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- استنباطا من حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه: (إن المنتقل من الباطل الذي اعتاده قلبه لا يؤمن أن يكون في قلبه بقية من تلك العادة).

ورغبة في بيان الحق ودفع الباطل، كتبتُ هذا المقال للرد على أغلاط مقاله، هداه الله، ولكن قبل هذا أؤكد على حرمة الخروج على أئمة المسلمين وإن ظلموا وجاروا، فهذا أصل من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، والأدلة على ذلك كثيرة ومعلومة، وتحذير علماء السلف من الخروج، ومنازعة الأمر أهله، كثيرة جدا، وليس هذا موضع بسطها.

فموضوع البحث والنقاش هنا ليس هذا، وإنما موضوع البحث هو: إذا تغلب حاكم مسلم، واستتب له الأمر، وانقاد الناس له، وحصل بذلك الأمن والاجتماع، فهل تصح بيعته والسمع والطاعة له بالمعروف؟

وجوابي عن ذلك: نعم، ذلك أن علماء أهل السنة مجمعون على بيعته، وبيان ذلك كما يلي:

أولا: جاء في صحيح البخاري، عن عبدالله بن دينار قال: شهدت ابن عمر حيث اجتمع الناس على عبدالملك بن مروان قال: »وكتب: إني أقُِرُّ بالسمع والطاعة لعبدالله، عبدالملك أمير المؤمنين، على سنة الله وسنة رسوله ما استطعتُ، وإنَّ بنيَّ قد أقرُّوا بمثل ذلك،« وكان ابن عمر امتنع أن يبايع لعبدالملك، فلما استقام الأمر له بالتغلب، وحصل الاجتماع والأمن، بايعَهُ رضي الله عنه، وما كان ينبغي لأخينا العضاض أن يتهم القائلين بصحة بيعة المتغلب وولايته بالغش والزور والخور والجبن، ولا أن يصف أهل العلم ب: (الفقهاء اللئام)، لا حاجة لذلك، فالحجة بالدليل، لا بالسب والانتقاص.

ثانيا: قال الإمام أحمد بن حنبل: (ومن غلبَ عليهم، يعني: الولاة بالسيف حتى صار خليفة وَسُمِّي أمير المؤمنين، فلا يحل لأحدٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً برَّاً كان أو فاجراً).

ثالثا: حكى الإجماع على ذلك الحافظ بن حجر في الفتح فقال: (وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء).

رابعا: قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب: (الأمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد -أو بلدان- له حكم الإمام في جميع الأشياء...).

سادسا: قال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ في [مجموعة الرسائل والمسائل النجدية]: (وأهل العلم متفقون على طاعة من تغلب عليهم في المعروف، يرون نفوذ أحكامه، وصحة إمامته، لا يختلف في ذلك اثنان، ويرون المنع من الخروج عليهم بالسيف، وتفريق الأمة، وإن كان الأئمة فَسَقَة ما لم يروا كفرا بواحا، ونصوصهم في ذلك موجودة عن الأئمة الأربعة وغيرهم وأمثالهم ونظرائهم).

سابعا: نحن نعلم أن هناك دولا آمنة مستقرة، وقد اجتمعت كلمة أهلها، على إمامهم المتغلب، وحصل لهم الأمن، وأخشى أن يُفهَم من كلام أخينا العضاض، إبطال بيعتهم والسمع والطاعة لحكامهم، وبالتالي التمرد عليهم، فيحصل بسبب ذلك سفك الدماء، وحصول الشر -وأكاد أجزم أن أخانا لا يقصد هذا- ولهذا لا حاجة لإطلاق الكلام دون معرفة بفقه المآلات، فضلا عن نصوص الشريعة، فإذا اجتمعت الكلمة في أي دولة، وتآلفت القلوب، تحت إمام استتب له الأمر، فهذا هو المطلوب.

وما كان ينبغي لأخينا العضاض ولا غيره، أن يدخل نفسه في أمور لا يحسنها، وليست من شأنه؟

ثامنا: هاجم الأخ العضاض كتاب »تفكيك الاستبداد« رغم أن مؤلفه لا يرى شرعية المتغلب، تماما كرأي الأخ العضاض، وهذا من التناقض، كيف ينتقد رأيا ويتبناه، وأما زعمه أن صاحب الكتاب يفعل ذلك من زاوية أخرى تمهيدا لتمرير وضع فاسد آخر كما يقول، فلا ينفي توافقهما الفكري في هذه المسألة.

تاسعا: ختم الأخ العضاض مقاله بنقل عن شيخنا صالح الفوزان لا علاقة له ببيعة الإمام المتغلب، فشيخنا -حفظه الله- يتحدث في النص الذي نقله أخونا العضاض عن عدم جواز الخروج على الإمام، لا عن صحة بيعة الإمام المتغلب إذا استتب له الأمر، وإلا فشيخنا يرى صحة بيعة المتغلب إذا استتب له الأمر، واجتمعت عليه الكلمة، وفي هذا يقول حفظه الله: (الخلافة أو الولاية أو الإمامة في الإسلام تنعقد بأحد ثلاثة أمور:

الأول: اختيار أهل الحل والعقد له، كما حصل لأبي بكر -رضى الله تعالى عنه- فإن بيعته تمت، بإجماع أهل الحل والعقد).

ثانيا: إذا عهد ولي الأمر إلى أحد من بعده فإنه يلزم طاعته في ذلك كما عهد أبوبكر إلى عمر.

الثالث: إذا تغلب على المسلمين بسيفه وأخضعهم لطاعته كما حصل لعبدالملك بن مروان وغيره من ملوك المسلمين الذين يُخضعون الناس بالسيف حتى ينقادوا لهم، يلزم المسلمين طاعتهم في ذلك لأجل جمع الكلمة وتجنيب المسلمين سفك الدماء واختلاف الكلمة، بهذه الأمور الثلاثة تنعقد الولاية لولي الأمر.

وبعد فإني أرجو من الأخ الكريم خالد العضاض أن يعيد النظر فيما كتب، لأن مآلات ما كتبه خطيرة، ذكرت بعضها، وأعرضت عن بعض، فما كتبه -في نظري- قد يؤدي إلى أمور لا تحمد عقباها، ولا يريدها أخونا العضاض، ولا حاجة لتشكيك الناس ببيعتهم لحكامهم الذين استتب لهم الأمر، ولا لتقريره عدم صحة بيعتهم إن كانوا متغلبين، وقد قال النبي، عليه الصلاة والسلام: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية).

هذا والله أسأل أن يهدينا وأخانا العضاض وجميع المسلمين صراطه المستقيم.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia