Al-Watan (Saudi)

جيل التضحية

-

من حقنا أن نطلق على جيلنا الحالي صفة »جيل التضحية« للتبعات والمسؤوليا­ت الملقاة على عاتقه من ناحية.. وللمعاناة والمشاق التي يتحملها في سبيل تنفيذ خطط التنمية وتحمل معطيات هذا التنفيذ سلبا وإيجابا.

هذا الكلام ربما جاء معارضا لما يردده الجيل السابق لجيلنا الذي يرى أننا جيل »محظوظ« بما توافر له من وسائل المدنية الحديثة، مثل الكهرباء والجامعة والتلفاز والمذياع والفيديو والكتاب والسيارة الفخمة والطيارة السريعة والمستشفى والمستوصف والطرق المسفلتة، في الوقت الذي لم يحظ الجيل السابق بشيء من هذا على عهدهم، حين كان »الفانوس والأتريك« وسيلتي الإضاءة.. والكتاب النادر الذي يقرؤه عشرات القراء عدة مرات واستعمال الحمار والجمل للمواصلات أيام »الشقدف«، حين كان يقطع المسافات التي نقطعها اليوم في ساعات كان يقطعها في أيام من جدة إلى مكة مثلا!!

ولم يكن للجيل السابق من وسائل الترفيه والتسلية غير »مركاز« المقهى و»بشكات« أو »كشتات« الأصدقاء.. وزيارات الأهل!!

ولم يكن يحلم الفرد من أبناء الجيل السابق بالوصول إلى بعض العواصم العربية القريبة، ناهيك عن مدن أوروبا وأميركا، وإذا سافر أحدهم إلى أية مدينة عربية ثم عاد بسلامة الله فإنه يعامل كما تعامل »العملة الصعبة« أو »الفاكهة النادرة«.

وحين أطلق على جيلنا الحالي صفة »جيل التضحية« إنما أطلقه لأنه لم يتمتع براحة البال التي كان يتمتع بها الجيل السابق الذي يسعد بنومه المبكر الطبيعي دون قلق، ودون استعمال وسائل كيماوية تجلب له النوم غير الطبيعي في مواجهة توتر الأعصاب، وضخامة المسؤوليات، وتعدد الأعمال التي يقوم بها ساعات طويلة في النهار وفي المساء، بصورة تجعله يعود مهدود الجسم مرهق النفس، وفي حالة تحرمه من الاستمتاع بالجلوس مع أهله وأطفاله، هذا إلى جانب الأسفار المتتالية، والغياب المستمر عن الأهل والوطن لإنجاز الأعمال المنوطة به في بلدان العالم!!

وأهم من ذلك هذا الزحام الكبير الذي يعيشه داخل مدينته نتيجة تنفيذ مشاريع التنمية من حفريات، وزحام سيارات، وإشارات مرور، وغبار يقتحم العيون والأنوف والحلوق من جراء فتح الشوارع الجديدة، ومن شبكات المياه والمصارف الصحية، والكهرباء والهاتف. وما تسببه كل هذه الأمور من ضغوط نفسية وجسمية تجعله في حالة توتر دائمة!!

وإذا كانت الأمراض النفسية والعصبية لم تكن معروفة أو معدومة أو ضئيلة جدا في الجيل السابق، فإنها في الجيل الحالي »جيل التضحية« من أبرز أعراض العصر وأمراضه، كالسكتة القلبية، والجلطة الدماغية وارتفاع الضغط والسرطان، والاكتئاب والقلق، وغيرها من الأمراض التي لم تكن منتشرة على أيام الجيل السابق كما هي عليه الآن!!

باختصار، فإن الجيل الحالي لم يستمتع براحة البال والخاطر النفسية التي كان يستمتع بها الجيل السابق، جيل »الفانوس والأتريك«، كما لم يتمكن بعد من قطف ثمار معطيات التنمية والمدنية الحديثة في جو هادئ تسوده العلاقات الاجتماعية الإنسانية الحميمة!!

لهذا فهو حري بأن يطلق عليه صفة »جيل التضحية«، وغيرها من الصفات التي لا تخرج عن هذه الدائرة المسكونة بالقلق النفسي، والاضطراب العاطفي، وعدم الاستقرار، وفقدان القناعة.. ولله في خلقه شؤون!!

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia