Al-Watan (Saudi)

العدو الهامشي والعدو الأصيل

- خالد العضاض

المدرك لواقع هذه الخصومات يعلم أن السعودية لم تبدأ بها، ولم تسع إليها، بل ولا تحرص على استمرارها، ولا تألُ جهدا لتسويتها تسوية عاقلة وعادلة لها

السعودية تعتمد في سياستها الخارجية على قيم ومبادئ يقوم عليها -في الأصل- النظام الدولي العالمي، وتتوافق عليها كل المجتمعات، وتعدّ مشتركا إنسانيا تعيش على ضوئه الشعوب في سلام وأمان وثقة بالآخر، وفقا لأسس العيش السلمي، وقبول الثقافات المختلفة المتقاطعة أو حتى المتعارضة.

وجسدت المملكة هذه القيم والمبادئ بمساحة شديدة الاتساع لعلاقاتها الخارجية مع دول ذات مصالح وإستراتيجي­ات مختلفة، ولكل منها توجهات سياسية وأيديولوجي­ة مختلفة، فمن دول شرقية إلى أخرى غربية، يبرز عاملٌ ثابتٌ يهيمن على كل تلك العلاقات، هو: التعاون من أجل المنافع المتبادلة، والمصالح المشتركة، على أرضية رمادية -لا سوداء ولا بيضاء- يمكن أن تقف عليها كل الخلافات جنبا إلى جنب، مغلّبة العقل والحكمة ومصلحة المجتمعات والشعوب، وهكذا يجب أن تكون السياسة، لا عداوة ولا صداقة، إنما مصلحة غالبة فحسب.

ومع هذه المبادئ والقيم التي تطبقها المملكة وتحرص عليها، يظل لها خصوم وأعداء دائمون أو مؤقتون، لأسباب كثيرة يقبع في مقدمتها: وَهْمُ السيادة والتبعية من عدمها، والتنافس على مراكز قيادة وتوجيه متوهمة لغير شعوب تلك الدول المعادية سياسيا، لا عسكريا أو دبلوماسيا أو تجاريا.

والمدرك لواقع هذه الخصومات يعلم أن السعودية لم تبدأ بها، ولم تسع إليها، بل ولا تحرص على استمرارها، ولا تألُ جهدا لتسويتها تسوية عاقلة وعادلة لها.

ووفقا لما سبق، فإن العداوات تتشكل وتتكَّون على أساسين مهمين، هما: العدو الأصيل، والعدو الهامشي، ويمكن إضافة عداوة ثالثة، وهي: العداوة المحتملة، وهذه تتقرر حسب إستراتيجيا­ت السياسة الوطنية للبلد، وحسب الأيديولوج­يات المتحكمة فيه، وحسب العقل السياسي للدولة وإدارتها، والعداوة الأخيرة ليست موضعا لحديثي، إنما سأكتفي بإشارات بسيطة حول عداوة هامشية واحدة، وبضع عداوات أصيلة على النحو التالي:

أولا: عداوة هامشية عابرة: وهي عداوة تنظيم الحمدين، الذي لا أعدّه عدوّا أصيلا أو صميما، ليس لنبله مثلا أو نزاهته، أو تعقله وحكمته، وإنما لتفاهته، ويدلك على هذه التفاهة أنه في حال هلاك حمد بن خليفة أو توقفه عن المكابرة، ستنتهي المسألة والقضية برمتها، ولن يكون هناك دورٌ لأيٍ من اللاعبين الكبار في التنظيم المشوه بعد ذلك، بما فيهم الأمير المغلوب على أمره، والذي أصلا أشك بضلوعه في أي شيء، فالدويلة التي أضحت مارقة بسبب عته الأمير المنقلب، وأحلامه المفرطة بالنرجسية والمغالاة وتضخم الذات، سعت إلى دور أكبر من حجمها، وهي لا تملك أدنى مقوِّم لتشكيل أثر أو خلق دور بارز بشكل طبيعي ونزيه، يحفظ حق الجوار والتعاون المشترك، ويحفظ حقوق المشاركة في المصير واللغة والدين مع دول الجوار، فلا هي في قامة الكويت بإرثها التاريخي والسياسي، ولا هي التي تطاول الإمارات بدورها الاقتصادي ومكانة حكامها، ولا هي التي تقترب من مكانة البحرين وحضارتها وعراقتها، وهي الحاكمة السابقة أساسا لتلك الدويلة النشاز، ولا هي في حكمة عُمان الكياسة والسياسة والإرث، فهي أقرب ما تكون إلى حالة ورم متضخم، نبت في جسد الخليج وامتد خارجه، تنتهي مضاره عند استئصاله لا أكثر، وحينها سنجد الحبيبة قطر كمن فاق من غيبوبة طويلة الأمد، تعيد تجديد ذكرياتها وتغيير واقعها، وصناعة مستقبلها، بناء على ما قبل الأمير العاق وحقبته النكدة. ثانيا: عداوات أصيلة 1. الكيان الصهيوني: والذي تنتظرنا معه معارك شرسة، أهمها: السوق الحر، والتقنية، وأزمة المياه، والسيادة، والتفوق العسكري، والتمدد المستقبلي للكيان الغاصب.

2. جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، وكل ذيولها المتطرفة في العالم العربي والأعجمي، وهي تشترك مع إيران الملالي كونهما يستندان إلى الرؤية السياسية ذاتها، والتي تقوم على رفض مفهوم الدولة القُطرية، وهي رؤية لا تأبه لأي قيمة من قيم السيادة الوطنية، فكلاهما يسعى إلى دولة من نمط جديد، تبدو مختلفة، فيما بينهما، في الظاهر، ولكنها واحدة في الباطن، وكلاهما يبدأ من اعتبار الآخر كافرا، ويبدأ في العلاقة مع الآخر على أساس: الثأر، الحقد، الكراهية، التخوين، التجريم، وغيرها من الاعتبارات التي تستند إلى غرائز حاقدة سوداء.

وينفرد الإخونج وجماعتهم، عن جماعة الخميني، أنهم لم يستطيعوا الوصول إلى دولتهم، وحينما وصلوا لم يُمكَّنوا من الاستمرار -بفضل الله- لتنفيذ مخططهم الخبيث، وأغراضهم الدنيئة.

3. إيران الملالي: وعلى الرغم من أن عداء الإمبراطور­ية الإيرانية الصفوية ممتد وعريض للخليج العربي وأهله -في حال رجوعها لفارسيتها وعلمانيتها- إلا أنه يمكن التعامل معها بكل سهولة، وفقا لإمكانات الردع، والمصالح والعيش المشترك، أما إيران الملالي، فلا التقاء ولا توافق بل توازٍ على طول الخط، وخلافهم معنا وجودي، بحيث لا يمكن بقاء أحد الطرفين في ظل بقاء الآخر، وتكمن خطورتنا على إيران خميني أننا -بفضل الله- الوجهة والواجهة للمسلمين في العالم، وهو الدور الذي تحاول إيران الملالي مزاحمته عبثا.

4. أبناؤنا الناكصون، ناكرو الجميل، قليلو العرفان والمعرفة، الذين أضروا بالوطن، ولم يقفوا معه في صواب أو خطأ، وإنما رددوا ما يقوله كل الأعداء وسارعوا في تحقيق أجندتهم، وهم ينعمون بخيرات الدولة والمجتمع في خارج البلاد، وهذا يذكرني بما لفت إليه نظري أحد الأصدقاء الكرام ذات لقاء قائلا: أكثر المعارضة أو المتشبهين بالمعارضة في الخارج بشكل عام -خصوصا في لندن- من الطلاب السعوديين، بقية طلاب العالم على امتداده لا تكاد تجد لهم صوتا مؤلبا على دولهم، وهذا ما يغري بعض أبناء تلك البلدان بالتحول إلى معارضة سعودية! وهذا من العجب، ولعل هذا مرده إلى أمور منها: العمل الجاد على تجنيد السعودي بشكل مباشر أو غير مباشر من ذوي المصالح الدنيئة، مع عدم وجود عمل مضاد مركز لذلك، وهذا يقع على عاتق الاستخبارا­ت والقنصليات، مع تقديري لجهودهم، ويمكن أن أضيف سببا آخر، وهو أننا بدأنا متأخرين في ترسيخ مفاهيم الوطنية بالشكل المطلوب، وأذكر في هذا الصدد حينما كنا صغارا، كم كنا نشعر بالغيظ حينما نرى الكويتي الشقيق مثلا يرفع علم بلاده أو صورة الأمير في مدرجات الملاعب أو على السيارات، فضلا عن احتفالياته­م باليوم الوطني، والذي بدأ عندنا متأخرا أكثر من اللازم.

5. الغرب الحليف ونصف الحليف، وحِيَلُهم في بقاء السعودية في شد مستمر، لا تسترخي معه لحظة، فبقاء مصالحها ومطامعها ساخنةً مقدمٌ على كل شيء، وفوق أي شيء، وهذا لا يتحقق إلا في انشغال السعودية عن دورها الريادي في المنطقة، والذي يتعمق خلال ترسيخ تنميتها، والعمل على رفاه شعبها، حتى تتمكن من العطاء والبذل حسب مكانتها العالمية.

6. استمرار الاعتماد على عوائد البترول، وهذا العامل عدو يكبر مع الزمن، ليغتال أحلامنا يوما ما.

7. استمرار تعداد الجيش السعودي تحت سقف المليون مقاتل، وهذا عدو سنصطدم به ذات يوم، حينما تتحول المصالح وتتبدل، وهو السند الذي يبقي هيبة الدولة، كما بقيت هيبة كوريا الشمالية، والصين.

8. استمرار نزف المال السعودي خارج الحدود، سياحيا.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia