Al-Watan (Saudi)

الرأي العام الأميركي

- محمد السعد

إن وسائل الإعلام الأميركية ليست أداة موضوعية لنقل الحقيقة للرأي العام، إنها مجرد أداة تضليلية خاضعة في يد جماعات الضغط للتأثير على الرأي العام، ليضغط بدوره على صانعي السياسة الخارجية

حسب رأي عالم الاتصال مارشال ماك لوهان، فإن تطور وسائل الاتصال قد جعل من العالم قرية صغيرة. فالأقمار الصناعية ربطت العالم وقلصت المسافات والحدود بين شعوب الأرض، مما يوفر سهولة الوصول إلى مجتمعات بعيدة، والتأثير على الرأي العام في تلك المجتمعات.

وظاهرة الرأي العام هي من أهم الظواهر في العصر الحديث، تختلف طرق التأثير عليها باختلاف المجتمع، فأسلوب التأثير على المجتمع الأميركي مثلا، يختلف عن أسلوب التأثير على المجتمع الياباني، ويختلف عن التأثير على المجتمع العربي، فكل مجتمع له عاداته وتقاليده وقيمه المتوارثة وطريقة تعاطيه مع الدين، وله نظامه السياسي السائد داخل الدولة، ومناخه الاقتصادي والثقافي والإعلامي والفني، وكل هذه العوامل تؤثر بشكل أو بآخر على عواطف وعقول الأفراد، مما ينعكس على الرأي العام داخل المجتمع. إن ظاهرة الرأي العام ظاهرة معقدة تتداخل في التأثير عليها عوامل عدة، فقد استطاع الاستعماري­ون أن يتقنوا فنون السيطرة والتحكم، عن طريق دراساتهم وأبحاثهم للعوامل الحضارية والمقومات الثقافية للأمم المستهدفة، واستطاعوا على ضوئها التأثير على الرأي العام في تلك الدول، لذلك يعدّ التراث الحضاري والثقافي لكل أمة من أهم العوامل التي تؤثر في تكوين الرأي العام وتشكيله.

وحديثنا اليوم عن الرأي العام الأميركي، فمنذ أحداث 11 سبتمبر كان الرأي العام الأميركي أداة ضغط تستخدمها جهات معينة للضغط على قرارات الحكومة الأميركية، وكانت بلادنا إحدى ضحايا هذا الرأي، لما تعرضت له من محاولات متعددة في سبيل تشويه صورتها أمام العالم، فهناك أقليات ذات نفوذ شديد لها القدرة على التأثير وقيادة الرأي العام الأميركي، تذهب به حيث تشاء، ووفقا لما يصب في مصلحة ورؤية هذه الأقلية التي تقود السياسة والإعلام. تستخدم هذه الأقلية داخل دوائر صنع القرار الأميركي وسائل الإعلام، لتشكيل وصناعة الرأي العام، وتمهيد الشعب الأميركي لتقبل أي قرار سياسي تتخذه الحكومة الأميركية، وتستعمل لتحقيق هذه الأهداف أساليب كثيرة، مثل أسلوب الإثارة العاطفية، أو التضليل الإعلامي، أو تحويل الانتباه، فالرأي العام مؤثر جدا في السياسة الأميركية، لذلك نجد الاهتمام الكبير باستطلاعات الرأي العام، وزيادة معاهد ومراكز قياس الرأي العام في الولايات المتحدة الأميركية، مما يمكّن الأحزاب المتصارعة من دراسة اتجاهات الرأي العام، وبالتالي السيطرة عليه وتوجيهه. أصبحت قياسات الرأي العام في الولايات المتحدة صناعة ترتبط بجانبي العرض والطلب، ولم يعد يقتصر دور استطلاعات الرأي العام على رصد وتحليل وقياس الرأي العام، بل أصبح لها دور خفي يفترض ألا تلعبه، وهو التأثير على الرأي العام نفسه، وهذا ما جعل استطلاعات الرأي تتسم غالبا بالتشكيك، نظرا لغياب الشفافية وعدم الإفصاح عن مصادر التمويل. فالرأي العام قد يباع ويشترى، فكثير من الآراء المعلنة قد تكون مدفوعة الثمن، ويظهر ذلك واضحا في الدعاية الانتخابية، وفي بيع الأصوات في الانتخابات، وهذا من الأسباب التي أدت إلى إخفاق الاستطلاعا­ت في التنبؤ بنتائج صحيحة حول القضية محل الاستطلاع. ولعلنا لا ننسى فوز المرشح دونالد ترمب بكرسي الرئاسة، مخالفا كل نتائج الاستطلاعا­ت التي رشحت هيلاري كلينتون للفوز.

يتضح لنا أن الرأي العام الأميركي في الغالب يتسم بالتقلب وغير جدير بالثقة، وغالبا ما يستغل بواسطة الأقليات ذات النفوذ، والتي تحاول أن تخلق الرأي العام الذي يؤيد تطلعاتها وطموحاتها السياسية.

فحين زعمت الإدارة الأميركية بقيادة جورج بوش الابن، أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل قد تهدد الولايات الأميركية، صدق معظم الأميركيين ذلك، وانعكس ذلك على الرأي العام المؤيد تماما لحرب العراق، ولكنهم تحولوا لمعارضة الحرب حين اكتشفوا أنه لم يكن هناك أي أسلحة دمار شامل في العراق. يُثبِت ذلك، أن وسائل الإعلام الأميركية ليست أداة موضوعية لنقل الحقيقة للرأي العام، وأنها مجرد أداة تضليلية خاضعة في يد جماعات الضغط للتأثير على الرأي العام، ليضغط بدوره على صانعي السياسة الخارجية، وهنا يأتي دورنا نحن لإحداث تأثير معاكس يصب في مصالحنا، ويحمينا من أي هجمات إعلامية مشبوهة تسعى إلى زعزعة أمننا، وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: هل بإمكاننا الوصول إلى الرأي العام الأميركي والتأثير عليه، خصوصا أن وسائل التواصل الحديثة قد سهّلت المهمة، وفتحت الآفاق للتواصل بين شعوب العالم بأسرع وأيسر الطرق؟

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia