Al-Watan (Saudi)

قراءة بين أسطر سلام مذهبي

Http://www.alwatan.com.sa/info/neqashat.htm

-

عباس المعيوف

جملـة مـن علمـاء المسـلمين كتبـوا كتبـا في الوحـدة الإسـلامية ومفهومهـا، وقليـل منهـا لقـي صدى واسـعا في المجتمعـات، لربما حالـة طبيعية أو لنقـل بداية لمرحلة مخـاض للتغيـير.

لقد مـرت سـنوات متراكمة حتى أصبحـت كل فئـة عـلى يقـين أنهـا على حـق وباقـي الفرق عـلى باطل. مـن الأقـلام في الآونـة الوحدويـة في الفـترة الأخـيرة، كتـاب يسـتحق التوقـف والقـراءة الدقيقـة بـين أسـطره.

كتـاب رسـالة سـلام مذهبـي للمفكـر الإسـلامي حيدر حـب الله، الـذي يعـد نموذجا فريدا مـن نوعه في السـلام بـين المذاهـب، ورؤيـة واضحـة جديـدة للتسـامح بـين المسـلمين، وهـو عبـارة عـن كتـاب من دار مؤسسـة الانتشـار العربي، واسـعة الانتشـار، وعـدد صفحاته .٢١٢

خلاصـة الكتـاب تتركـز في جانبين: الأول: رسـالة مفتوحة لكلّ المسـلمين في العالـم، بـكل مذاهبهم وفِرَقهـم وميولهـم واتجاهاتهـ­م الفقهيّـة والعقديّـة.

رسـالة حب ومودة، رسـالة إخاء وقرابـة، رسـالة صـدق وإخـلاص، رسـالة مصارحة ومكاشـفة، رسالة نقد للـذات وللآخر، رسـالة صفحة جديـدة، نكشـف فيهـا عـن الأفكار والتطلّعـات والمسـؤوليّات والآمـال والـرؤى والاجتهـاد­ات والهواجس.

والجانـب الثانـي: قـراءة في مفهـوم الخـلاف، وكيفيـة التعامل معـه مـن المنظـور التاريخـي، وما الأسـباب وراء ذلـك؟ واقعـاً ما تمر بـه الأمـة الإسـلامية مـن نكبـات متواليـة، وانشـقاقات واضحـة في كافـة الصعـد، يدعون مـرة ومرات أن تثـور غيرتنـا للنهـوض والدفاع عـن بيضة الإسـلام كرسـالة سـلام مذهبـي، كمـا يصفهـا المفكـر الإسـلامي اللبناني حيـدر حب الله، والتـي سـأتطرق إليهـا بـشيء من التفصيـل لاحقـا، كل مسـلم غيـور يـدرك حجـم الخـلاف الـذي بـدأ يتـورم مـن التراشـق بـين المذاهب الإسـلامية، وأن كل فرقـة تجـد نفسـها هـي الفرقـة التي سـيفتح اللـه لهـا أبـواب الجنـة.

هـم قلـة مـن علمـاء ومفكريـن ومنظريـن مسـلمين، لديهـم هَـمُّ الوحـدة والتأكيـد عليهـا خـلال مؤلفاتهـم وأطروحاتهـ­م التـي خلدهـا التاريـخ، والأكثريـة ربمـا يرفضـون التقـارب إلا بتنـازل عقائـدي، إن صـح التعبـير، وهـذا مسـتحيل، فـكل مذهب لـه كينونته ومنظومتـه اتفقنا معهـا أو اختلفنا، وهـي باقيـة حتـى قيـام السـاعة.

نعـم، ممكـن أن يكـون هنـاك تجديـد للخطاب، وبلغـة أكثر ليونة وهـدوءا، يكـون محط اهتمـام بين الفـرق الإسـلامية. لنكـن واقعيـين أكثـر، فـإن اسـتمرار الخـلاف الإسـلامي يعني الانحـدار إلى هاوية لا قعـر لها مـن الفتـن والحـروب، ولا منتـصر بعـد ذلـك إلا الدمـار الاجتماعـي والاقتصـاد­ي والثقـافي.

ولهـذا، نجـد الكثـير يصـور الوحـدة الإسـلامية بمفهومهـا الضيـق، ألا وهـو الوحـدة بمعناها الظاهـري، أي الانصهـار في بوتقـة فكريـة وعقائديـة واحـدة دون خـلاف ولا جـدال، والتسـليم بمـا أراه أنـا لا غـيري، ضاربـين بـالآراء الأخرى عـرض الحائـط، ويرى كل مذهـب البوابـة الصحيحة للإسـلام الأصيـل، وبطبيعـة الحـال هـذا التعريـف لا يصـب في معنى الوحدة وإنمـا الإقصـاء. التعريـف المقبول عقـلا ومنطقـا للوحـدة القبـول بمـا أنـا، أنـا بمـا أحمل مـن عقائد وعبـادات وموروث فكـري، شريطة احترام توجهاتـك وتحترم توجهاتي بمـا يخـدم المصلحـة العامـة للمجتمـع وللدولـة، وأن يمارس كل واحـد منا طقوسـه الدينيـة شريطة عدم إعـلان الهجوم والعـداء للآخر. ومن ينظـر في معنى الوحـدة يدرك أن مـا يقربنـا أكثـر ممـا نختلـف فيه .

مـن أجمـل التعاريـف للوحـدة، مـا يـراه الدكتـور يحيـى الدوخي مفهـوم بالقـول الأمـة هـي القادرة عـلى التعايـش والتكيّـف فيمـا بينهـا، فمـا أحوجنـا اليـوم إلى تجسـيد وتفعيل هـذا المفهوم الكبير عـلى أرض الواقـع -وإن اختلفنـالل­وصـول إلى الأهـداف الكُـبرى التي تجمـع شـمل المسـلمين. ولا بـد لنا وواجـب علينـا كمسـلمين تأكيـد نقـاط الالتقـاء فيمـا بيننـا، ولنـا أسـوة حسـنة في تجربـة تقريـب الوحـدة بزعامة الشـيخ محمد تقي القمي، والشـيخ محمود شـلتوت في الخمسـينات، فكانت تجربة ناجحة ورائعـة، رغـم وقـوع الاختـلاف، إذ اسـتطاع العلمـاء مـن كلتـا الطائفتـين مناقشـة قضايا متعددة، فيهـا كثير مـن المشـتركات، ووضع مما اختلـف فيه على طاولـة البحث العلمـي والموضوعـي، للوصـول إلى النتائـج التـي تؤلـف بـين قلـوب المسـلمين. وكذلـك مـا نجـده مـن تقـارب وتـآخٍ بـين الشـيخ التلميذ محمـد عبده وبـين أسـتاذه ومعلمه السـيد جمال الديـن الأفغاني، فتلك العلاقـة والرابطة الأخويـة تدل على عمـق الوحـدة بينهمـا مـع اختلاف مذهبيهمـا. ومـا بذلـه المصلـح الكبـير الشـيخ محمـد حسـين كاشـف الغطاء، الذي كانـت كلماته وخطابـه ومناقشـاته الموضوعيـة تدعـو إلى وحـدة المسـلمين عمومـا، فـكان بحـق مصلحـا تفتخـر بـه الأمـة الإسـلامية. وأيضـا الحـوار الهـادئ والمثمـر والهـادف بـين السـيد شرف الديـن وبـين الشـيخ سـليم البـشري المالكـي، والنمـاذج كثـيرة التي كرَّسـت معنـى الوحدة مـن الطائفتـين الكريمتـين، أمثـال السـيد محمـد حسـين فضـل اللـه، والسـيد عـلي السيسـتاني والدكتور محمـد حسـن المالكـي، والدكتـور أحمـد الوائـلي، والدكتـور محمـد العوضي، والشـيخ حسـين الخشـن، والشـيخ محمـد الغـزالي، والدكتور محمـد عمارة، والسـيد محمـد باقر الصـدر، والشـيخ محمـد مهـدي شـمس الديـن، إذ كان التسـامح والمـودة في طـرح لكل منهمـا وجهة النظـر التي يؤمـن بها، ثـم الالتقاء عـلى مـا هـو الصحيـح في العقيدة.

إذًا لابـد لنـا مـن إشـاعة روح التسـامح والمحبـة والـود وحسـن الظـن بالآخـر.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia