Al-Watan (Saudi)

قيادة التعليم دوران في حلقة مفرغة دائما

- فيصل الجهني

مع توالي الأيام، ومع كثرة الشــواهد والحكايات التعليمية لكل أيام متقاربة، ومع تعدد البيانات والخطابات الإعلامية في المنظومــة التعليميــ­ة، وحديث قادة العمــل في تلك المنظومة، مــع كل ذلك تزداد تداعيات الأفــكار عن ملاحظات في المؤسســة القيادية التعليمية رسوخا وتأكيدا.

فالعرب تقول في حكمها المأثورة »إن البعرة تدل عــلى البعير، والأثر يدل على المسير«، ولا شك أن الأثر يدل في كل مرة على إشكالات في المسار الذي اختار المضي فيه العمل التعليمي في بلادنا!

هذا »الأثر« يمكن اســتنتاج ملامحه بجلاء خلال النقاط المشعة الآتية:

كنــت قد تحدثــت في نثار ســابق عن إشــكالات الخطط التعليمية، والذي ينتج بســبب تداخل البرامج والمشاريع التعليمية أو»توقفهــا فجــأة واســتحداث بدائل لا تختلف كثيرا عن ســابقاتها«، وكنت حينها أدلل عليها خلال برامج ومشــاريع ثلاثة، وإذ بوزير التعليم الدكتور العيسى يضيف سبعة أخرى في لقائه الأخير على قناة روتانا الخليجية، قبل أقل من أسبوعين.

الحقيقة أني كنت مندهشا وأنا أسمع ما يؤكد تلك الذهنيــة العامة لقادة التعليم في بلادنا.

عشرة مشاريع و»برامج« تسير جنبا إلى جنب. لا تختلف عــن بعضها كثيرا. يمكن إدراجها في مشروع واحد كلّي ببرامج جزئية متسقة، ولكن!

إليكم بعــض هذه البرامــج »مع ذكر أهدافهــا« لتتأكــدوا بأنفســكم من ذلك، ولتعرفوا كمية الضبابية في أجندة عمل قادة التعليم، والتي لن تكون كثرتها وتداخلاتها وتعدد إســتراتيج­ياتها على هــذا النحو إلا بمثابة الشــعارات البراقة المؤدية إلى أحلام طوباوية بــلا واقع، ولا تنظــيرات تفتقد تطبيقاتهــ­ا المشروعة والمنتجــة والفاعلة. إليكم: البرنامــج الإشرافي على مركز الحوار الوطنــي »الذي ســبق الإعــلان عنه قبل شــهر واحد فقط«، برنامج الورش الفنية »ماهر« والذي بدأ مؤخرا في 60 مدرســة »فقط«، لتعزيز توجهــات طلاب الثانوية نحو المهارات الفنية العملية -مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم- والذي سبق أن بدأ منذ 8 ســنوات بميزانية 80 مليارا، والذي هدف إلى تطوير المناهج وتقنياتها وبيئات التعلم لخدمة الطلاب وكشــف مواهبهم، والمعلمين وتطوير أدائهــم »هذا البرنامج، سبق لمديره العام د. السمحة أن قال: إن عام 2017 لن ينتهي إلا وهذا البرنامج الضخم يشمل ‪100 98/‬ من مدارس المملكة، ولكن الحقيقة تفصح أن النسبة لم تتجاوز 15/ 100 في الوقت الذي ســبق تحديده برنامج »مكن«، والذي أطلق قبل 5 سنوات، هادفا إلى تمكين بيئات التعلم من تحقيق أهدافها الخاصة ببناء شخصية الطالب في أبعادها المختلفة - برنامج »كفايات«، والذي يرمي إلى تغيير فلســفة التعليــم بحيث تتحول العمليــة التعليمية لقياس قــدرة الطالب المهارية على اســتثمار مواد التعلم، وليس على ما يحفظه من معلومات«وقد استعانت الــوزارة بخــبراء القارة الأســترال­ية لهذا البرنامج»- برنامج »مهارات التفكير الناقد « والذي تزمع الوزارة إطلاقه بعد شــهرين فقط، ليمتلــك المتعلم حلولا للمشــكلات التي تصادفه - مشروع »بوابة المســتقبل« والذي بــدأ العام المــاضي للتحول الرقمي واســتثمار معطيات التقنية لخدمة أهداف التعلم - برنامج »تنمية القدرات البشرية« لمواكبة الغايات الســامية لرؤية الحكومة 2030 - مــشروع تطويــر التعليم المبكر - مــشروع تطوير المناهج«وقــد بدأ هذا العام الدراسي كخطوة أولى لاستكمال بقية حلقات المشروع»- مشروع إنشاء الجامعات التطبيقية....]].

هل عرفتم الآن ســبب ضعف مخرجات هذه المؤسســة الكبرى على أرض الواقع؟ ســبب انعدام أثر المدارس في وعي وثقافة وسلوك أبنائنا؟

لا شــك أنكم لاحظتم هــذه الخارطة المفعمــة بالتقاطعــ­ات العشــوائي­ة التي تعرقل«ســير»المركبة التعليمية، ثم تجعلها تدور في حلقة مفرغة إلى ما لا نهاية!

ولا شــك أنكم رأيتم تكــرار الأهداف وتطابقها في البرامج الكثيرة المتنوعة؟

ألــم يكــن مــن الأولى التعامــل مع عنــاصر المنظومــة التعليميــ­ة كبنيــة واحــدة، تتجه نحوهــا جميــع معاول الإصــلاح أو التطوير؟. المســألة تحتاج إلى«تركيز»فقــط، وذهنيــة منظمة، تدرك أن مشروع«كفايــات»، ثم برنامج«التفكير الناقد»هو ذاتــه برنامج«مكن»، ومن قبله مشروع«تطوير»فيمــا يتعلق مثلا بعنصر المتعلم/ الطالب، ألم يأت«تطوير»للرفع من مستوى الطالب واستنطاق قدراته الذهنية؟ وأليــس الهــدف الرئيــس في«مكن»بناء شخصية الطالب في أبعادها المختلفة؟«هل ثمة فــرق؟!»، وهل هناك غاية أساســية لـ«كفايات»غير التأكيــد على قدرة الطالب على الفهم والاســتيع­اب واستثمار ما يصله من معلومــات لتحقيق مهــارات منتجة؟ أليس هذا هو ما يقصد إليه برنامج«التفكير الناقد»تماما؟.

هل يمكن أن يكون التفكير ناقدا من غير قدرات ذهنية عالية على استيعاب المقروء من معلومات، واستثمارها الاستثمار الأمثل بعد عرضها على عقلية فاحصة ناقدة، تستنطق مــا وراء النصوص وتداعياتهـ­ـا المعرفية المتنوعة؟!

أم أن المسألة«كلام كبير»فقط.

وليس ثمة إجابات مقنعة و«منطقية»في ذهنيــة قادة الــوزارة التعلمية على ما يتم إقراره من تنظيمات و«تعاميم»مبهمة!

فمعالي الوزير يقــول في صدد توضيحه عن جــدوى دوام المعلمــين دون«طلاب»: إن المعلم لا يجــب أن يكون عمله مقصورا على الحصة الدراســية، وإنمــا يجب أن يعقد المعلمــون اجتماعات لتطوير العملية التعليمية، والاستفادة من حصتي النشاط!

أليس في جدول كثير من المعلمين نصاب كامل مــن الحصص«بمعــدل 5 حصص يوميا،» يدرّســون فيها أكثــر من ثمانية فصول تضم أكثر من ثلاثمئة طالب ومراحل دراســية متنوعة، على المعلم أن يوزع لكل منهم«50»درجــة على 5 مهارات وأعمال؟! ولا شــك أن تلك المهمة التعليمية الضخمة تتجاوز حتى القدرات الذهنية والجســدية لأي«إنسان»،! و«برضه»هي لا تكفي لقناعة قادة الوزارة بعمل المعلمين!

ثم، هل الــوزارة تنتظر حقا ما يتمخض عنه ذلك الاجتماع للمعلمــين؟! ألم تتكفل هي بكل الأمور، في غياب تام لصوت المعلم، الذي لا يهم مؤسسته الكبرى أن تطلعه على الأقل بأهدافها التعليمية في كل مرحلة، ومع كل «خطاب»!

وفي ســياق آخر، يبين أن عودة الإداريين قبل موعد الدراسة بشــهر كامل من أجل صياغة الجداول المدرسية و «توزيع»الطلاب!

«يا ســاتر!» أليس هذا يتم في مدارسنا منذ عقود من الزمن بسلاســة ورتابة، قبل الدراســة بأيام محدودة، دون الحاجة إلى إقرار شهر كامل لإنفاذها؟!

تعليمنا.. يا ســادة يحتــاج إلى تفاعل خصب ومثمر مع الواقعن مع المعلمين، مع مدارسنا«الحقيقية«!

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia