المتغيرات في حياتنا المعاصرة

ثمة سؤال يطرح نفسه بين إنسان الأمس وإنسان اليوم، وأيهما أكثر سعادة وهناءة بال؟.

إنسان الأمس، ببساطته، وحياته الطبيعية في مأكله، مشربه، تواصله، اتصالاته، ملبسه، سكنه، وشؤون حياته بصفة عامة؟ أم إنسان اليوم الذي يعيش طفرة هائلة في كل ما يتعلق بحياته وظروف معيشته، كما يعيش انفجارا علميا ومعلوماتيا حقق له كثيرا من الأحلام والأشياء التي كانت تعتبر ضربا من الخيال ومفردات المستحيل؟.

والسؤال نفسه يُطرح مرة أخرى مع شيء من التحريف، أو التعديل المصحوب بالحسرة، والتحسر، على ذلك الزمن الذي كان إنسانه يقنع بالقليل من مقومات الحياة، ثم ينام قرير العين، محدود الآمال والطموحات التي لا تسمح له معطيات عصره بأن يحققها، أو حتى يفكر فيها مجرد تفكير، لأنها خارج محيط دائرة تفكيره واهتماماته الواقعية، أو الخيالية.

ثم يأتي زمن -وبصورة شبه مفاجئة- ليجد هذا الإنسان نفسه وسط زلزال من تغيير أنماط السلوك الذي فرضته الحياة المعاصرة، والتحديات التي يتسارع إيقاعها كل يوم، بل وكل لحظة، وما ينتج عن ذلك من ضغوط هائلة وصعوبات في التكيف مع المسارات التي فرضتها وتفرضها العولمة، بما تحمله من انفتاحات عالمية، بعضها على بعض، وغزو ثقافي، وحضاري، تتعدد فيه السلوكيات، والانتماءات، والعقائد، والعادات، والتقاليد، ومحاولات كل أمة أن تؤثر بل وتسيطر على الآخرين، تساعدها في ذلك تكنولوجية العصر، وتعدد وسائله البنائية والتدميرية، ليس هذا فحسب، بل شمل التغيير كل مفردات الحياة المعاصرة من مأكل، ومشرب، وملبس، ومستجدات تجارية تمثلت في المجمعات، بكل ما تحويه من »موديلات« وتقليعات ودعايات ذات صبغات علمية وتخصصية، يساندها في ذلك ما يزدحم به الفضاء من قنوات تقول لمرتاديها »شبيك لبيك.. العالم بين يديك« بخيره وشره، وصالحه وطالحه.

ولا يبعد عن ذلك القفزة الهائلة في اختراع »الحقيبة العجيبة«، المتمثلة في »الإنترنت« أو »الشبكة العنكبوتية«، التي تعتبر إحدى معجزات العصر الحديث.

تراكمات بعضها فوق بعض، وسباق محموم في مجالات مختلف المعارف والعلوم، تجعل السؤال حائرا، أيهما أكثر سعادة: إنسان الأمس، ببساطته ووداعته وهناءة باله؟ أم إنسان اليوم، الذي ذلل الصعاب، وحقق المستحيل، وسخّر موارد الطبيعة، ولكنه جنى مقابل ذلك ضغوطات نفسية، وكوارث مأساوية، يقدمها الإنسان للإنسان على طبق من مخابئ المجهول، الذي لا يعلم مدى مفاجآته إلا الله.