Al-Watan (Saudi)

لماذا لا تنتج الأحزاب الأفكار

- لوسيل شميد قينان الغامدي

تجد الأحزاب السياسية صعوبة لأداء مهمة تقديم واقتراح ونقاش الأفكار بشكل مقنع، في وقت الصعوبات الاقتصادية والنهاية المعلنة للأيديولوج­يات، لكونها أولا آلة انتخابية محترفة. وفي ظل هذه الظروف، فتطوير الأفكار، ونشر مشروع، وتنشيط الفضاء العام بقدر ما هو ضروري، فإنه في الوقت نفسه ثانوي. فالخبراء يكتبون المذكرات، ومجموعات العمل تجتمع، ويتم الاستماع للشخصيات، وتناقَش المقترحات، بل حتى إن بعضها يصبح موضوع خطط للتواصل. لكن هذه الأشكال المفروضة ليست لها سيطرة تذكر على واقع الحياة الحزبية. فجوهر الإشكال يكمن في مكان آخر: في حركة التيارات والأفراد، والجمل القصيرة، وفن الرد والتواصل حول هذه اللعبة، وفي المؤسسات عندما يكون الحزب في السلطة أو ضمن شبكات النفوذ. إن إنتاج الأفكار لا يتم إعادة تنشيطه إلا خلال الحملات الانتخابية، عندما تنتظم الأحزاب في المعركة وراء مرشحيها، ويتم تفعيل الشخصنة. ففي لحظات فتح أو حفظ مناطق النفوذ الانتخابية، تصبح لممارسة الاقتراح والنقاش أهمية. فتحويل الفترة الرئاسية في الجمهورية الخامسة الفرنسية إلى 5 سنوات أعطى نفسا قويا لشخصنة المحتويات السياسية، لدرجة أن إنتاج الأفكار أصبح يخضع للسلطة التقديرية لقادة المعارك الانتخابية وحدهم. بالطبع، هؤلاء القادة هم المرشحون للانتخابات الرئاسية، ولكن أيضا رؤساء القوائم للانتخابات الإقليمية أو الأوروبية. الواحد لديه أفكار، والآخرون يرددونها. فالحزب يمتثل لرغبة المرشح. وقد أثبت ذلك بوضوح كل من نيكولا ساركوزي، وسيجولين رويال، في الانتخابات الرئاسية عام 2007 . وقد أكد فرانسوا هولاند منذ بداية فترته الرئاسية سنة 2012، أنه لا يجد نفسه ملزما بمحتويات الاتفاق البرنامجي بين الاشتراكيي­ن والبيئيين، الذي يمثل حصيلة عدة أشهر من العمل المشترك حول المسائل المؤسسية والاقتصادي­ة والاجتماعي­ة والطاقية والدولية. وقد استعاد معظم المرشحين الاشتراكيي­ن بشكل حرفي الاقتراحات الستين لـ»هولاند« في الانتخابات البرلمانية لعام 2012. فالابتعاد عنها، كان يعني المخاطرة بمقعدهم الانتخابي. إن تنظيم حياة الأحزاب السياسية نفسها يصعب أن يتوافق مع العمل الفكري. ومما يجعل ممارسة السياسة موسومة بالشخصنة وبمتطلبات السرعة والتجريبية، ذلك التفاعل الفائق مع الأحداث، وحرب الرؤساء ومرؤوسيهم، والحركة الدائمة في الميدان. تمتلك جميع الأسر السياسية الرئيسية في فرنسا مؤسسة فكرية مكلفة بالقيام بالتفكير ونشر الأفكار. هذه المؤسسات الفكرية المستقلة عن الأحزاب في أعمالها، هي الآن بصدد إعادة تحديد وضعها ودورها. فهي تحتاج إلى العثور على المسافة الصحيحة من الممارسة السياسة اليومية، ونشر الأفكار في مجتمع تعب من الوعود ولكنه يبحث عن رؤية وعن تنظيم أبعادها الأوروبية والدولية. فالمؤسسات الفكرية الفرنسية ما زالت في حاجة لإثبات جدارتها، والخروج من الدائرة المغلقة للخبراء في مواجهة الحاجة للنقاش والأفكار التي يجري تداولها في المجتمع. هل يجب علينا استيراد النموذج الألماني، حيث المؤسسات الفكرية السياسية قوية، وتستفيد من إمكانات مهمة خلال الميزانية المرصودة لها، والتي يتم التصويت عليها من البرلمان، كما يتم التعريف بمقترحاتها عبر وسائل الإعلام؟ هذه إحدى المسارات الممكنة. وأخيرا، لا بد من النظر في عواقب هذه الاستعانة بمصادر خارجية على الأحزاب. إن الاعتماد على الهياكل الخارجية لإنتاج الأفكار يعني القبول ضمنيا بتحويل السياسة إلى احتراف، وعدم التساؤل عن حدود ديمقراطية هذا النظام. كيف ندفع المواطنين إلى إعادة الاهتمام بالسياسة إذا كان المنتخبون فقدوا الاهتمام بالنقاشات المجتمعية الكبرى، وحصل لهم ارتباك أمام التعقيد؟ لقد أصبح من الصعب اقتراح أفكار في المجال السياسي مع العولمة وأزمة المالية العامة والتحديات البيئية، والفجوة التي يبدو أنه لا مفر منها بين الوعود الانتخابية ومتطلبات تدبير الشأن العام. فهناك شكل من أشكال الكبح عندما يتعلق الأمر بالاقتراح. ذلك أن التنفيذ والتكلفة والالتزام بالوقت كلها شروط إلزامية ومسارات متشابكة. كما لو أن إنتاج الأفكار السياسية أصبح اليوم أمام طريق مسدود.

* كاتبة وقيادية سياسية ضمن حزب الخضر * منتدى العلاقات العربية الدولية

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia