Al-Watan (Saudi)

الله يرحمه دقوا مُزقمه

-

الفعل »زَقَم« يصرِّفه صاحب »المنجد في اللغة« فيقول: زَقَم زقماً وازدقم بمعنى لقمه وابتلعه، وزقم بمعنى أطعمه الزقوم، وأزقم الشيء جعله يبتلعه.. ولا يبعد كل من قاموسي »المحيط« و»الوسيط« عن هذا المعنى.

وكلمة »مُزقُم« في عاميتنا المحلية تعادل في معناها كلمة »بوز«، وهي مفردة عامية حديثة الاستعمال حسب ظني، إذ كثيرا ما نسمع شخصا غاضبا يقول لشخص آخر: »ليش انت مطلِّع بوزك«، وهو تعبير غير مستحب قد يؤدي إلى التشابك بالأيدي.

حول هذا المعنى أو ما يشبهه نقول -في عاميتنا:- »فلان مزقمه طالع«، أي متهيئ للكلام الغاضب أو للخصام.. وفي هذا -كما أعتقدتقارب في المعنى والاشتقاق بين الاسم »مُزقُم« والفعل »زَقَم«.

ليس هذا هو المهم، وأعتذر من القارئ عن هذه المقدمة المشحونة بالجفاف اللغوي الذي أحاول الدخول -من خلال مفرداته- إلى عنوان موضوعي هذا »الله يرحمه دَقوا مزقمه«، إذ إننا قبل أن نعرف معنى عبارة »نفوق الإبل« أو نفوق الدواب -بصفة عامةسواء كانت إبلا أو بقرا أو أغناما لم نكن نعرف تصنيفا مَرضيا للداء الذي يصيب تلك الدواب، ولم يكن أحد منا يخشى ملامستها أو الاقتراب منها، خاصة نحن الصغار، إذ لم تكن تهمنا خسارة صاحب الجمل أو الناقة أو الثور وفجيعته في دابته، بل على العكس من ذلك كنا نفرح ونتردد كثيرا على مكان مربض الدابة أو مربطها لا لنطمئن على سلامتها، ولكن لنتلذذ بمرأى تلك الدابة وهي تصارع سكرات الموت، وتحاول أن تتشبث بالحياة، ولنتأكد منها هل ماتت أم لا؟ وإذا ما تأكد أحدنا أو بعضنا من موتها فإنه يزف البشرى ويقوم بنشر الخبر وتعميمه بين زملاء الشقاوة الطفولية حتى نكون على علم بموعد سحبها بالحبال إلى مسافة -غير قليلة- خارج مباني قريتنا.. وفي تلك الاحتفالية الجنائزية تمسك كل مجموعة منا بحبل من الحبال المربوطة في القوائم الخلفية للدابة الميتة.. وفي فرح طفولي عارم نرفع عقيرة أصواتنا بأنشودتنا أو أهزوجتنا التي تَجَمّعنا من أجلها، والنشوة البريئة تملأ أعماقنا، وعلى اعتبار أن صاحب الدابة النافقة اسمه علي فإننا نجر الدابة بجهد جماعي، وننشد معا: »علي الله يرحمه.. علي دقوا مزقمه«، أو »اسحب الجمل بذيله يا علي دوّر لغيره .«

أزمنة مضت، ومضت معها براءات الطفولة، وتغيرت خلالها مفاهيم الأشياء، ولم يبق منها إلا الذكريات.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia