Al-Watan (Saudi)

لوحة على جمس الحبيب

-

هذا العنوان، أوحى به إليّ مطلع أغنية قديمة لأحد المغنين »ليتني شعرة على رمش الحبيب«.

ومع تقادم الزمن، وازدحام الذاكرة -بغرائب الأشياء وعجائبها- نسيت اسم المغني، واسم صاحب الكلمات، واسم ملحنها، وأعتقد أن هذا النسيان ليس من الأهمية بمكان، ولأن كلمة »لوحة« تتطابق -تماما- مع كلمة »شَعْرة« وزنًا وتشكيلا -رغم نشاز شاعريتها- فقد تدبب هذا العنوان على سن قلمي، وأغراني إيقاعه المدعوم -أيضابتوافق كلمتي »رمش« و»جمس«، وهما كلمتان كسابقتهما، متماثلتان من حيث التطابق اللفظي، والوزني، و»النشاز« الشعري، والشاعري.

وإذا كانت كلمتا »شَعْرة« و»رمش« تقطران رقةً، وعذوبةً، وولهًا، وانصهار حبيب فيمن يحب، فإن كلمتي »لوحة« و»جمس« تقطران رفاهًا ماديٍّا، ورغد عيش، و»نغنغة«، وهي مواصفات لا يمتلكها أي حبيب إلا أن يكون هذا الحبيب تتغلب مواصفاته المادية على صفاته الجمالية التي أصبحت -في زمننا الحاضر- لا تسمن ولا تغني من جوع.

هذا الكلام أفرزَته مخيلتي الكتابية، بعد أن قرأت وسمعت أن إحدى اللوحات المرورية »المميزة« قد وصل سعرها إلى ستة ملايين ريال!، وهذا المبلغ لم يعد يثير في نفوس سامعيه كثيرًا من الدهشة، في زحام الغرائب والعجائب التي أصبحت تفجر أدمغتنا، وتصيب عجلات تفكيرنا بالتوقف عن الدوران.

ومن أمثال ذلك، ما تباع به ناقة، أو تُشترى بما يساوي ديّة عشرين إنسانا من الأنفس التي يزهق الكثير منها تحت عجلات السيارات الفارهة، أو »الكحيانة«، وتضحية وحشية الطيش، واللامبالا­ة بحياة الآخرين.

لكن، السؤال الذي يؤرقني الآن، من باب الافتراض الخيالي: لو أن الله حقق لي أمنيتي، واستجاب دعائي، وحولني إلى »لوحة على جمس الحبيب«، هل سيقبل بي هذا الحبيب -صاحب المواصفات غير العادية رفاها، وغنى، وهناءة عيش- بأن أكون لوحة على جمسه؟!، وهل قيمتي المادية، التي لم تتأثر بارتفاع الأسعار، ستؤهلني لأن أنال شرف التعليق على »جمس الحبيب «!؟

سؤال مجنون، وكتابة »مهووسة«، سطرتْها إفرازات الواقع، وانفجارات المأساة، و»رُبَّ ضحك أمَرّ منه البكاء.«

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia