Al-Watan (Saudi)

متى كان المرض وصمة

-

يقول العالم الألماني ماكس بورن: »إن الاعتقاد بوجود حقيقة وحيدة، وأنك أنت من يمتلكها، هو في نظري السبب الأكثر تجذرا لكل ما هو سيئ في العالم«، وقد صدق.

فلا أعلم من غرس فينا -كمجتمع- أن المرض، خاصة الأمراض النفسية وبعض الأمراض العضوية، تؤثر على المريض في حركته واستيعابه، وإذا أغفلنا ما يتكبده المريض من ألم، فقد أضاف إليه البعض زيادة إلى هذا وصمة مرضه،

بل تحولت إلى ثقافة متوارثة عند البعض أراها مهما جار عليها الزمن، ومهما تقدم المجتمع فإنها تظل ثقافة راسخة ومتوارثة، بل جزءا لا يتجزأ من ثقافة حياة الناس.

والمؤلم أن البعض يعدّ المريض شاذا، بل من أصيب بالمرض تتم معاملته معاملة مختلفة تماما، هذا إذا لم يتم تهميشه والاستنقاص من قدراته وإمكاناته.

ومن وجهة نظري، فهذا نابع عن جهل من يقوم بهذا الفعل، فكلنا معرضون للإصابة بالمرض وأي مرض، وفي حاجة لكل لمسة ودعم من المجتمع، بل وشطب كل المصطلحات التي يرددها البعض بلاوعي، مثل وصفه بمتخلف عقلي أو وصم المريض بفقده عضوا جسديا، على الرغم من وصولنا إلى مستوى من الوعي،

جعلنا نعرف خلاله أن النفس تمرض كما يمرض الجسد، وأن فقد عضو لا يعني فقد المريض لإنسانيته، فضلا عن واجب ديني وإنساني يفرض على كل منا أن يشارك أخاه في مرضه، وفي هدينا ما يرشدنا ويهدينا، فالمسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا. وأين نحن من محجة بيضاء نستلهم منها المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

لذلك، فبمرارة لا أعلم متى تندثر هذه العادة التي لا تمت إلى الإنسانية بصلة،

فالشعور بما يشعر به ذلك المريض من معاناة وآلام يتجرعها بين الحين والآخر ونظرة البعض، قد تكون سببا في رفض المريض مراجعة الطبيب، خشية المجتمع ونظرته، فيتفاقم الأمر لديه مع مرور الوقت. مؤلم جدا أن يكون الجهل الوقود والمحرك والأيقونة.

فهل نحن في حاجة إلى تثقيف وزيادة وعي، وما مسؤولية الجهات المختصة في الشأن الصحي والثقافي ووسائل الإعلام؟

فنحن في أمسّ الحاجة إلى طمس مثل هذه الثقافة البائسة التي تنافي ما تحقق من الوعي والمستوى التعليمي لدينا، والانفتاح الإعلامي بين بلاد العالم بما فيه المتقدم، والتي تسعى إلى الانسجام والاندماج ومراعاة جميع جوانب الإنسان من جسد وروح ونفس وعدم تهميش أي منها.

وفي اعتقادي، أن إطلاق وصمة تؤذي المريض أو أسرته، تنم عن عدم إيمان بعض الناس بأن النفس تمرض كما يمرض الجسد، وأن كلنا معرضون لإصابة أو إعاقة. فعدم الإيمان بالشيء لا يمكن تصديقه والعمل به.

همسة

أخي وأخيتي، فليكن كل منا صديقا لمرضه، ولا يلتفت إلى الجاهلين، وليفكر من يراقب الناس في العواقب الوخيمة التي ستتفاقم إذ لم تبادر بالعلاج، فحينها لن يلتفت إليك المجتمع، وستكون ضحية لفكر عقيم يعيشه البعض عن المرض

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia