Al-Watan (Saudi)

اﻹﺳﻼم أﺑﻄﻞ اﻟﺘﺒﻨﻲ ﻓﻼ رﺿﺎع ﻣﺆﺛﺮا ﻟﻠﻜﺒﲑ

إن ﻣﻄﻠﻖ اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻻ ﻳﺆﺛﺮ ﻓﻲ ﺛﺒﻮت ﺣﻜﻢ اﻟﺮﺿﺎع ﻓﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ، وأﻧﻪ ﻻ ﺑﺪ أن ﺗﻜﻮن ﺣﺎﺟﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻧﻤﺸﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﻓﻲ ﻗﻀﻴﺔ ﺳﺎﻟﻢ ﻣﻮﻟﻰ أﺑﻲ ﺣﺬﻳﻔﺔ.

- أﺣﻤﺪ اﻟﺮﺿﻴﻤﺎن

ﺑني اﻵوﻧﺔ واﻷﺧﺮى ﻳﺘﺤﺪث ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺗﺄﺛري رﺿﺎع اﻟﻜﺒري، وﻣﻌﻠﻮم أن ﺟﻤﺎﻫري أﻫﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﻳﺮون ﻋﺪم ﺗﺄﺛري رﺿﺎع اﻟﻜﺒري، ﻟﻜﻮن اﻟﺮﺿﺎع ﻟﻪ وﻗﺖ، ﻛﻤﺎ ﰲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ ) َواﻟ َﻮاﻟ َﺪات ﻳﺮﺿ ْﻌﻦ أ ْوﻻدﻫﻦ َﺣ ْﻮﻟني َﻛﺎِﻣﻠْني(، واﻟﻜﺒري ﺗﺠﺎوز اﻟﻮﻗﺖ املﺤﺪد ﻟﻠﺮﺿﺎع، وﻟﺤﺪﻳﺚ ) َﻻ ﻳُ َﺤ ﱢﺮُم ِﻣ ْﻦ اﻟ ﱢﺮَﺿﺎ َﻋ ِﺔ إِﱠﻻ َﻣﺎ َﻓﺘَ َﻖ ا ْﻷَْﻣ َﻌﺎ َء ِﰲ اﻟﺜﱠْﺪِي، َوَﻛﺎ َن َﻗﺒْ َﻞ ا ْﻟ ِﻔ َﻄﺎم(.

وﺑﻌﺾ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻳﺮى ﺗﺄﺛري رﺿﺎع اﻟﻜﺒري ﻣﺴﺘﺪﻻ ﺑﺤﺪﻳﺚ ﺳﺎﻟﻢ ﻣﻮﱃ أﺑﻲ ﺣﺬﻳﻔﺔ اﻟﻮارد ﰲ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺴﻠﻢ، وﻓﻴﻪ ﻗﻮل زوﺟﺔ ﺣﺬﻳﻔﺔ ﻟﻠﻨﺒﻲ -ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم- إن ﺳﺎملﺎ ﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﻣﺎ ﻳﺒﻠﻎ اﻟﺮﺟﺎل، وإﻧﻪ ﻳﺪﺧﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ، ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ: )أرﺿﻌﻴﻪ ﺗﺤﺮﻣﻲ ﻋﻠﻴﻪ(.

وﻋﻨﺪ اﻟﺘﺄﻣﻞ، ﻓﺈن رﺿﺎع اﻟﻜﺒري ﻻ ﻳﻌﺘﺪ ﺑﻪ، وﻻ ﺗﺄﺛري ﻟﻪ، وﻻ ﻳﺼﺢ اﻻﺳﺘﺪﻻل ﺑﺤﺪﻳﺚ ﺳﺎﻟﻢ ﻣﻮﱃ أﺑﻲ ﺣﺬﻳﻔﺔ وﻻ اﻟﻘﻴﺎس ﻋﻠﻴﻪ، ﻷﻧﻪ ﻻ وﺟﻮد ملﺘﺒﻨﻰ ﰲ ﻋﴫﻧﺎ ﻣﺜﻞ ﺣﺎل ﺳﺎﻟﻢ، ﻟﻜﻮن اﻟﴩع أﺑﻄﻞ اﻟﺘﺒﻨﻲ، وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﻓﺈﻳﺮاد ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺗﺄﺛري رﺿﺎع اﻟﻜﺒري ﻏري وارد.

ﻳﻘﻮل ﺷﻴﺨﻨﺎ اﺑﻦ ﻋﺜﻴﻤني -رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ- ﰲ ﺗﻔﺴري ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ: }َوأﻣَﻬﺎﺗﻜﻢ اﻟﻼﺗﻲ أرﺿْﻌﻨﻜْﻢ{ ﻣﺎ ﻧﺼﻪ: ﻇﺎﻫﺮ ﻗﻮﻟﻪ: )أرﺿﻌﻨﻜﻢ( ﻳﻌﻨﻲ ﰲ وﻗﺖ اﻟﺮﺿﺎع، أﻣﺎ ﻗﺼﺔ ﺳﺎﻟﻢ ﻣﻮﱃ أﺑﻲ ﺣﺬﻳﻔﺔ، ﻓﺎﻟﺠﻮاب ﻋﻨﻬﺎ، ﺑﺄﺣﺪ ﺛﻼﺛﺔ أوﺟﻪ، ﻓﺈﻣﺎ أﻧﻬﺎ ﻣﻨﺴﻮﺧﺔ، أو ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻪ ﻋﻴﻨﺎ، أو ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻪ ﻧﻮﻋﺎ.

أﻣﺎ اﻟﻘﻮل ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣﻨﺴﻮﺧﺔ، ﻓﻬﺬا ﻟﻴﺲ ﺑﴚء، ﻷن اﻷﺻﻞ ﻋﺪم اﻟﻨﺴﺦ، وﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ إﺛﺒﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺦ، وﺗﻌﺬر اﻟﺠﻤﻊ.

وأﻣﺎ اﻟﻘﻮل ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻪ ﻋﻴﻨﺎ، ﻓﻀﻌﻴﻒ أﻳﻀﺎ، ﻷن اﻟﻠﻪ -ﻋﺰ وﺟﻞ- ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺨﺺ أﺣﺪا ﺑﺤﻜﻢ إﻻ ملﻌﻨﻰ ﻓﻴﻪ، ﺣﺘﻰ اﻟﻨﺒﻲ -ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم- ﻣﺎ ﺧﺺ ﺑﻪ ﻣﻦ اﻷﺣﻜﺎم إﻻ ﻷﻧﻪ ﻧﺒﻲ، ﻻ ﻷﻧﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ، ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻦ ﻋﻠﺔ ﻳﺘﻐري ﺑﻬﺎ اﻟﺤﻜﻢ، وﻳﺨﺼﺺ ﺑﻪ ﻣﻦ اﺗﺼﻒ ﺑﻬﺎ، ﻓﻤﺎ ﻫﻮ املﻌﻨﻰ اﻟﺬي ﻳﺨﺺ ﺑﻪ ﺳﺎﻟﻢ ﺣﺘﻰ ﻧﻘﻮل: إن اﻟﺤﻜﻢ ﻻ ﻳﺘﻌﺪاه، وإﻧﻪ ﺧﺎص ﺑﻪ؟ ﻷﻧﻨﺎ إذا ﻗﻠﻨﺎ: إن اﻟﺤﻜﻢ ﻻ ﻳﺘﻌﺪاه، وإﻧﻪ ﺧﺎص ﺑﻪ، ﺻﺎر ﻣﻌﻨﺎه: أﻧﻪ ﺣﻜﻢ ﻟﻪ ﺑﺬﻟﻚ، ﻷﻧﻪ ﺳﺎﻟﻢ ﻣﻮﱃ أﺑﻲ ﺣﺬﻳﻔﺔ، وﻫﺬا ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻪ، وﻋﲆ ﻫﺬا ﻓﻴﻀﻌﻒ ﻫﺬا اﻟﻘﻮل أﻳﻀﺎ. ﺑﻘﻲ اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺜﺎﻟﺚ: وﻫﻮ أﻧﻪ ﺧﺎص ﺑﻪ ﻧﻮﻋﺎ، ﻓﺈذا وﺟﺪ ﺣﺎل ﻣﺜﻞ ﺣﺎل ﺳﺎﻟﻢ ﺛﺒﺖ اﻟﺤﻜﻢ، وﻫﺬا ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن اﻵن، ﻷن اﺑﻦ اﻟﺘﺒﻨﻲ ﻗﺪ ﺑﻄﻞ ﴍﻋﺎ، وﻋﲆ ﻫﺬا ﻓﻼ ﻳﺮد ﻋﻠﻴﻨﺎ أﺑﺪا، ﻣﺎ دﻣﻨﺎ ﻗﺮرﻧﺎ أﻧﻪ ﻻ أﺣﺪ ﻳﺨﺼﺺ ﻋﻴﻨﺎ ﺑﺤﻜﻢ ﻣﻦ ﴍﻳﻌﺔ اﻟﻠﻪ، وﻻ ﺑﺪ أن ﻳﻜﻮن ﻫﻨﺎك ﻣﻌﻨﻰ ﻳﺘﻌﺪى إﱃ ﻧﻮﻋﻪ، وﻫﺬا ﻻ ﻳﻤﻜﻦ.

ﻟﻜﻦ ﺷﻴﺦ اﻹﺳﻼم -رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ- ﻟﻪ ﰲ ﻫﺬه املﺴﺄﻟﺔ ﻗﻮﻻن:

اﻟﻘﻮل اﻷول: ﻳﻮاﻓﻖ ﻣﺎ ﻗﻠﺖ: ﻣﻦ أﻧﻪ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﻣﺮاﻋﺎة اﻟﺘﺒﻨﻲ.

واﻟﻘﻮل اﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻳﻌﺘﱪ اﻟﺤﺎﺟﺔ، وأﻧﻪ ﻣﺘﻰ ﻣﺎ اﺣﺘﻴﺞ إﱃ إرﺿﺎع اﻟﻜﺒري، رﺿﻊ، وﻳﺜﺒﺖ ﺣﻜﻢ اﻟﺮﺿﺎع، وﻟﻜﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﻫﺬا ﺿﻌﻴﻒ، ﻛﻘﻮل اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮون رﺿﺎع اﻟﻜﺒري، وﻗﺪ ﻗﻠﻨﺎ: إن ﻫﺬا اﻟﻘﻮل ﺿﻌﻴﻒ، ﻷن اﻟﻨﺒﻲ -ﺻﲆ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ- ﻗﺎل: »إﻳﺎﻛﻢ واﻟﺪﺧﻮل ﻋﲆ اﻟﻨﺴﺎء! ﻓﻘﺎﻟﻮا: ﻳﺎ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ: أرأﻳﺖ اﻟﺤﻤﻮ؟ -واﻟﺤﻤﻮ أﺧﻮ اﻟﺰوج أو ﻋﻤﻪ أو ﺧﺎﻟﻪ وﻣﺎ أﺷﺒﻪ ذﻟﻚ- ﻗﺎل: اﻟﺤﻤﻮ املﻮت«. رواه اﻟﺒﺨﺎري.

وﻣﻌﻠﻮم أن اﻟﺤﻤﻮ ﻳﺤﺘﺎج إﱃ اﻟﺪﺧﻮل إﱃ ﺑﻴﺖ أﺧﻴﻪ، ﻻ ﺳﻴﻤﺎ إذا ﻛﺎﻧﻮا ﰲ ﺑﻴﺖ واﺣﺪ، ﻓﻠﻮ ﻛﺎن إرﺿﺎع اﻟﻜﺒري ﻣﺆﺛﺮا ﻟﻘﺎل: اﻟﺤﻤﻮ: ﺗﺮﺿﻌﻪ زوﺟﺔ ﻗﺮﻳﺒﻪ، ﻟﻴﺰول اﻟﺤﺮج، ﻓﻠﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﻞ ذﻟﻚ، ﻋﻠﻢ أن ﻣﻄﻠﻖ اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻻ ﻳﺆﺛﺮ ﰲ ﺛﺒﻮت ﺣﻜﻢ اﻟﺮﺿﺎع ﰲ اﻟﻜﺒري، وأﻧﻪ ﻻ ﺑﺪ أن ﺗﻜﻮن ﺣﺎﺟﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻧﻤﴚ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﲆ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﰲ ﻗﻀﻴﺔ ﺳﺎﻟﻢ ﻣﻮﱃ أﺑﻲ ﺣﺬﻳﻔﺔ.

وإذا اﻋﺘﱪﻧﺎ ذﻟﻚ ﺻﺎرت ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻵن ﻏري ﻣﻮﺟﻮدة، وﺑﻬﺬا ﺗﺴﻠﻢ اﻷدﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺎرض، وﻳﺤﺼﻞ اﻟﺠﻤﻊ ﺑﻴﻨﻬﺎ.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia