اﺳﺘﻔﺘﺎء ﻟﺤﺴﻢ ﺑﻘﺎء اﻟﻘﻮات اﻷﻣﲑﻛﻴﺔ أو ﻣﻐﺎدرﺗﻬﺎ

أﻧﺲ ﻣﻈﻬﺮ

اﻟﻮﺟﻮد اﻷﻣريﻛﻲ ﰲ اﻟﻌﺮاق ﻣﻦ أﻛﺜﺮ املﻮاﺿﻴﻊ املﺜﺎرة ﺣﺎﻟﻴﺎ ﻋﲆ اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﰲ اﻟﻌﺮاق، وﺗﺼﺎﻋﺪت ﺣﺪة اﻟﺘﻮﺗﺮ ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺪ ﺗﴫﻳﺤﺎت ﺗﺮﻣﺐ اﻷﺧرية واﻟﺘﻲ أﻛﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﴐورة ﺑﻘﺎء ﻗﻮاﺗﻪ ﰲ اﻟﻌﺮاق ملﺮاﻗﺒﺔ إﻳﺮان، ﻣﻤﺎ أﺛﺎر ﺣﻔﻴﻈﺔ اﻷﻃﺮاف اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﻌﺮاﻗﻴﺔ، ﺧﺎﺻﺔ ﺗﻠﻚ املﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ إﻳﺮان واﻟﺘﻲ ﺗﻮﱄ أﻫﻤﻴﺔ ﻛﺒرية ﻟﻸﻣﻦ اﻟﻮﻃﻨﻲ اﻹﻳﺮاﻧﻲ ﻧﻈﺮا ﻟﻠﻤﺸﱰﻛﺎت اﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻳﺔ واﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني ﻧﻈﺎم اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﰲ إﻳﺮان.

ﻣﺎ ﻳﺤﺪث اﻟﻴﻮم ﰲ اﻟﻌﺮاق ﻫﻮ ﺗﻜﺮار ﻟﺴﻴﻨﺎرﻳﻮ ﺣﺼﻞ ﻗﺒﻞ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات ﻋﻨﺪﻣﺎ أﴏت ﺣﻜﻮﻣﺔ املﺎﻟﻜﻲ ﰲ اﻷﻟﻔني وأﺣﺪ ﻋﴩ ﻋﲆ ﺧﺮوج اﻟﻘﻮات اﻷﻣريﻛﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺮاق ﺑﺪﻋﻮى ﺟﺎﻫﺰﻳﺔ ﻗﻮات اﻷﻣﻦ اﻟﻌﺮاﻗﻴﺔ ملﺴﻚ املﻠﻒ اﻷﻣﻨﻲ ﻋﲆ اﻷرض ﰲ ﺟﻤﻴﻊ املﺤﺎﻓﻈﺎت، رﻏﻢ ﺗﺤﺬﻳﺮات ﻋﻘﻼء اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﻌﺮاﻗﻴﺔ ﻣﻦ أن ﻫﺬا اﻻﻧﺴﺤﺎب ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻟﻪ ﺗﺪاﻋﻴﺎت ﺧﻄرية ﻋﲆ اﻟﻮﺿﻊ اﻟﻌﺮاﻗﻲ، ﻓﻜﺎن أن اﺣﺘﻠﺖ داﻋﺶ ﺛﻠﺚ ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻟﻌﺮاق ﰲ أﻗﻞ ﻣﻦ أﺳﺒﻮع. ورﻏﻢ اﻟﺪﻣﺎر اﻟﺬي ﺣﻞ ﺑﺎﻟﻌﺮاق دوﻟﺔ وﺷﻌﺒﺎ ﺑﺴﺒﺐ اﻻﺣﺘﻼل اﻟﺪاﻋﴚ، ﻟﻢ ﺗﺨﺮج ﻛﻞ اﻷﻃﺮاف اﻟﻌﺮاﻗﻴﺔ ﺧﺎﴎة ﻣﻦ ﻫﺬا اﻻﺣﺘﻼل، ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻐﻠﺖ اﻟﻔﺼﺎﺋﻞ املﺴﻠﺤﺔ واﻷﻃﺮاف اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺪاﻋﻤﺔ ﻟﻬﺎ ﺧﺎرج اﻟﻌﺮاق وداﺧﻠﻪ، وﺟﻮد داﻋﺶ وﺳﻴﻄﺮوا ﻋﲆ ﻣﺠﻤﻞ ﻣﻔﺎﺻﻞ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺮاﻗﻴﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺎ وﻋﺴﻜﺮﻳﺎ، وﺣﻴﺪوا املﻜﻮﻧﺎت اﻷﺧﺮى ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻟﺬﻟﻚ ﻓﻼ ﺑﺄس اﻟﻴﻮم ﻣﻦ ﺗﻜﺮار ذات اﻟﺴﻴﻨﺎرﻳﻮ إن ﻛﺎن ﺳﻴﻌﺰز ﺳﻴﻄﺮﺗﻬﻢ أﻛﺜﺮ ﻋﲆ اﻟﻌﺮاق، وﻳﺒﻌﺪ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺘﻬﺪﻳﺪ اﻷﻣريﻛﻲ ﻋﻦ اﻟﺠﺎرة إﻳﺮان، دون اﻷﺧﺬ ﺑﺎﻻﻋﺘﺒﺎر املﺨﺎﻃﺮ اﻷﻣﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺘﻌﺮض ﻟﻬﺎ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﻮﺳﻂ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺰال داﻋﺶ ﻳﺸﻜﻞ ﺗﻬﺪﻳﺪا أﻣﻨﻴﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ.

ﻫﻨﺎك ﻣﻔﺎرﻗﺘﺎن ﰲ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺠﺪﻟﻴﺔ ﺑني اﻟﻌﺮاق وأﻣريﻛﺎ، اﻷوﱃ ﻫﻲ أن أﻣريﻛﺎ اﻟﺘﻲ ﻳﻄﺎﻟﺒﻮن ﺑﺎﻧﺴﺤﺎﺑﻬﺎ اﻟﻴﻮم، ﻫﻲ ﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﻔﻀﻞ اﻷول واﻷﺧري ﰲ وﺟﻮد ﻫﺆﻻء ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺔ، أﻣﺎ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻬﻲ أن اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻌﺮاﻗﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﴏت ﻋﲆ ﻣﻐﺎدرة اﻟﻘﻮات اﻷﻣريﻛﻴﺔ ﰲ اﻷﻟﻔني وأﺣﺪ ﻋﴩ، ﻫﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻋﺎدت ﺑﻌﺪ ﺛﻼث ﺳﻨﻮات ﻟﺘﺘﻌﻠﻖ ﺑﺄﺳﺘﺎر اﻟﺒﻴﺖ اﻷﺑﻴﺾ ﻃﺎﻟﺒﺔ املﺴﺎﻋﺪة ﻹﻧﻘﺎذﻫﺎ ﻣﻦ اﺣﺘﻼل داﻋﺶ ﻟﺜﻠﺚ أراﴈ اﻟﻌﺮاق.

وﻫﻨﺎ ﻳﺠﺐ أن ﻧﻄﺮح اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻵﺗﻴﺔ: ﻣﻦ ﻳﺘﺤﻤﻞ ﻣﺴﺆوﻟﻴﺔ اﻟﺪﻣﺎء اﻟﺘﻲ ﺳﻔﻜﺖ ﺑﻌﺪ اﻧﺴﺤﺎب اﻟﻘﻮات اﻷﻣريﻛﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺮاق إﺛﺮ ﻗﺮار ﺧﺎﻃﺊ ﰲ اﻷﻟﻔني وأﺣﺪ ﻋﴩ، وﻣﻦ ﺳﻴﺘﺤﻤﻞ ﻣﺴﺆوﻟﻴﺔ اﻟﺪﻣﺎء اﻟﺘﻲ ﺳﺘﺴﻔﻚ إذا ﻣﺎ اﻧﺴﺤﺒﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻮات ﻫﺬه املﺮة؟ وملﺎذا اﻻﺳﺘﻬﺎﻧﺔ ﺑﺄرواح املﻮاﻃﻦ اﻟﻌﺮاﻗﻲ؟ وملﺼﻠﺤﺔ ﻣﻦ ﻳﺘﻢ ﺗﻌﺮﻳﺾ اﻷﻣﻦ اﻟﻮﻃﻨﻲ اﻟﻌﺮاﻗﻲ ﻟﻠﺨﻄﺮ ﺣﻔﺎﻇﺎ ﻋﲆ اﻷﻣﻦ اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ؟

ﺑﻘﺎء اﻟﻘﻮات اﻷﻣريﻛﻴﺔ ﻣﻦ ﻋﺪﻣﻪ ﻟﻪ ﺗﺄﺛري ﻣﺒﺎﴍ ﻋﲆ اﻟﻮﺿﻊ اﻷﻣﻨﻲ، وﻫﻮ ﻣﻦ أوﻟﻮﻳﺎت اﻫﺘﻤﺎﻣﺎت اﻟﺸﺎرع ﻗﺒﻞ أن ﻳﻜﻮن ﺷﺄﻧﺎ ﺑﺮملﺎﻧﻴﺎ أو ﺣﻜﻮﻣﻴﺎ. ورﻏﻢ أن اﻟﱪملﺎن ﻳﻤﺜﻞ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺬي اﻧﺘﺨﺒﻪ، إﻻ أن اﻟﻀﻐﻮﻃﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻋﲆ أﻋﻀﺎﺋﻪ، وﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﻜﺘﻞ واﻷﺣﺰاب اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺘﻤﻮن إﻟﻴﻬﺎ، ﺗﺬﻫﺐ ﺑﻘﺮاراﺗﻪ ﺑﻌﻴﺪا ﻋﻦ ﻧﺒﺾ اﻟﺸﺎرع اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺧﺎﺻﺔ ﰲ ﻫﻜﺬا ﻣﻠﻒ، ﻓﺈن ﻛﻨﺎ ﻧﺪﻋﻲ أﻧﻨﺎ ﰲ دوﻟﺔ دﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ وإن ﻛﺎن اﻟﱪملﺎن واﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻳﺤﱰﻣﺎن رﻏﺒﺔ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺬي اﻧﺘﺨﺒﻬﻢ، ﻓﻴﺠﺐ إﺣﺎﻟﺔ ﻣﻮﺿﻮع اﻧﺴﺤﺎب أو ﺑﻘﺎء اﻟﻘﻮات اﻷﻣريﻛﻴﺔ ﰲ اﻟﻌﺮاق إﱃ اﻟﺸﻌﺐ ملﻌﺮﻓﺔ رأﻳﻪ، ﻣﻦ ﺧﻼل اﺳﺘﻔﺘﺎء ﺷﻌﺒﻲ ﻳﺤﺴﻢ ﻓﻴﻪ اﻟﺸﻌﺐ أﻣﺮه ﻓﻴﻤﺎ إذا ﻛﺎن ﻳﺮﻏﺐ ﺑﺎﻧﺴﺤﺎب اﻟﻘﻮات اﻷﻣريﻛﻴﺔ أو ﻳﻔﻀﻞ ﺑﻘﺎءﻫﺎ ﻋﲆ أراﺿﻴﻪ، ﻓﺈن ﻗﺮر اﻟﺸﻌﺐ ﺧﺮوج اﻟﻘﻮات اﻷﻣريﻛﻴﺔ ﻓﺴﻴﻜﻮن ﻫﻮ املﺴﺆول ﻋﻦ ﺗﺒﻌﺎت ﻫﺬا اﻟﻘﺮار، وإن أراد ﺑﻘﺎءﻫﺎ ﻓﻬﺬا ﺧﻴﺎره وﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﺣﱰاﻣﻪ.