ﻧﺎﻗﺪ ﺷﻨﻄﺔ 1

ﻧﺎﻗﺪ »اﻟﺸﻨﻄﺔ« ﻣﺜﻞ ﺗﺎﺟﺮ »اﻟﺸﻨﻄﺔ« ﰲ ﺛﻼﺛﺔ أﻣﻮر، اﻷﻣﺮ اﻷول ﰲ ﺗﻬﺮﻳﺐ املﻤﻨﻮﻋﺎت، واﻟﺜﺎﻧﻲ ﰲ ﺗﺨﺮﻳﺐ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻮﻃﻨﻲ، واﻟﺜﺎﻟﺚ ﰲ ﺿﻌﻒ اﻹﺣﺴﺎس ﺑﺎﻻﻧﺘﻤﺎء أو اﻟﻮﻻء. أي أﻧﻬﻤﺎ ﻳﺸﱰﻛﺎن ﰲ ﺧﺼﻴﺼﺔ واﺣﺪة ﻓﻘﻂ ﺗﻔﺮﻋﺖ ﻋﻨﻬﺎ ﺧﺼﺎﺋﺺ أﺧﺮى: ﻫﻲ ﻏﺜﺎر اﻟﺬات ﺑﺎﻟﺮﺑﺢ واﻟﺸﻬﺮة.

وﺗﺎﺟﺮ »اﻟﺸﻨﻄﺔ« ﻟﻢ ﻳﻌﺮف ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ إﻻ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺻﻮدرت اﻟﺤﺮﻳﺎت، وازداد اﻟﻀﻨﻚ واﺳﺘﴩى اﻟﻔﺴﺎد، ﻓﻬﻮ ﺗﺎﺟﺮ ﻳﺘﺨﻔﻰ ﰲ زي ﻣﺴﺎﻓﺮ، ﻳﺤﺸﻮ ﺣﻘﻴﺒﺘﻪ ﺑﻤﺎ ﺧﻒ وزﻧﻪ وﻏﻼ ﺛﻤﻨﻪ، ﻟﻴﺒﻴﻌﻪ ﻋﲆ ﻣﻦ ﻳﻤﺘﻠﻜﻮن »اﻟﺴﻴﻮﻟﺔ« ﻓﻴﺴﻴﻞ ﻟﻌﺎﺑﻬﻢ ﻋﲆ اﻗﺘﻨﺎء اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ املﻤﻨﻮﻋﺔ.

أﻣﺎ ﻧﺎﻗﺪ »اﻟﺸﻨﻄﺔ« ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮن ﺣﺴﻦ اﻟﻨﻴﺔ، وﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻣﺜﻘﻔﺎ أو ﻧﺼﻒ ﻣﺜﻘﻒ، وﻟﻜﻨﻪ ﻣﺜﻞ ﺗﺎﺟﺮ »اﻟﺸﻨﻄﺔ« ﺟﻤﻴﻊ ﺑﻀﺎﺋﻌﻪ ﻣﺴﺘﻮردة. واﻟﺒﻀﺎﺋﻊ املﺴﺘﻮردة -ﰲ زﻋﻤﻪ- ﺧري ﻣﻦ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ املﺤﻠﻴﺔ، ﻓﻬﻲ إﻣﺎ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻣﻬﱰﺋﺔ، ﻻ ﺗﺼﻠﺢ إﻻ ﻟﻠﻌﺮض ﰲ املﺘﺎﺣﻒ واﻟﺼﺎﻟﻮﻧﺎت اﻟﻔﺨﻤﺔ. وإﻣﺎ أن ﺗﻜﻮن ﺗﻘﻠﻴﺪا ردﻳﺌﺎ ﻟﻠﻤﺼﻨﻮﻋﺎت اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ. وﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎل ﻓﺈن اﻷﺻﻞ ﺧري ﻣﻦ اﻟﺼﻮرة، واملﻨﺒﻊ ﻳﻐﻨﻲ ﻋﻦ املﺼﺐ. وﻗﺪ ﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﺣﺘﻰ ﻋﻬﺪ ﻗﺮﻳﺐ، ﻳﻨﻔﺮون ﻣﻦ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﺔ، ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻘﻠﻴﺪ ﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺎت اﻷوروﺑﻴﺔ واﻷﻣريﻛﻴﺔ، وﻛﺎﻧﻮا ﻳﻄﻠﻘﻮن ﻛﻠﻤﺔ »ﺟﺎﺑﺎﻧﻲ« ﻋﲆ ﻛﻞ ﻣﺰﻳﻒ، رديء، ﺧﻔﻴﻒ، ﴎﻳﻊ اﻟﻌﻄﺐ.

وﺗﺸﺒﻴﻪ اﻷدب ﺑﺎﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﻟﻴﺲ ﺟﺪﻳﺪا، ﻓﻤﻦ املﻌﺮوف أن اﻟﻘﺪﻣﺎء ﺷﺒﻬﻮا ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻹﺑﺪاع ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺼﻴﺎﻏﺔ واﻟﺤﻴﺎﻛﺔ واﻟﻄﺮازة واﻟﺼﺒﺎﻏﺔ واﻟﻌﻄﺎرة... إﻟﺦ، ﻣﻤﺎ ﻳﺸري إﱃ اﻟﺠﻬﺪ اﻟﺬي ﻳﺒﺬﻟﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ أو اﻟﻜﺎﺗﺐ ﰲ ﺗﻨﻈﻴﻢ أﻓﻜﺎره واﻟﺘﻌﺒري ﻋﻦ ﺗﺠﺮﺑﺘﻪ. وﻣﺎ دام اﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈن ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻷدب ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﺘﻄﻮر، ﻛﻤﺎ ﺗﻄﻮرت ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺸﺒﻪ ﺑﻬﺎ، وﺑﻌﻀﻬﺎ ﻗﺪ اﻧﻘﺮض ﺗﻤﺎﻣﺎ أو ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻪ إﱃ اﻻﻧﻘﺮاض، ﻣﺜﻞ: اﻟﻌﻄﺎرة واﻟﺼﺒﺎﻏﺔ وﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻠﺆﻟﺆ. وﻧﺎﻗﺪ اﻟﺸﻨﻄﺔ ﻳﺪرك ﻫﺬا، وﻳﺪرك ﻣﺪى اﻟﻜﺴﺎد اﻟﺬي أﺻﺎب اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ املﺤﻠﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﺮاء املﻨﺎﻓﺴﺔ ﻏري املﺘﻜﺎﻓﺌﺔ ﻣﻊ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ. وﻟﻜﻨﻪ رﺟﻞ ﻋﻤﲇ، ﻻ ﻳﺤﺰن وﻻ ﻳﻘﻨﻂ، ﻻ ﻳﺤﺰن ﻋﲆ أﻃﻨﺎن اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ املﺨﺰوﻧﺔ ﰲ املﺴﺘﻮدﻋﺎت، وﻻ ﻳﻘﻨﻂ ﻣﻦ إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ اﻹﺻﻼح. ﻓﻠﻤﺎذا ﻻ ﻳﻌﺮض ﻋﲆ اﻟﻨﺎس أﻓﻜﺎرا وﻧﻈﺮﻳﺎت ﺟﺪﻳﺪة، وﻗﺪ رآﻫﻢ ﻳﺤﺒﻮن اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺠﺪﻳﺪة ﰲ ﻣﺄﻛﻠﻬﻢ وﻣﻠﺒﺴﻬﻢ وﻣﺮﻛﺒﻬﻢ.

ﻳﻠﻬﺜﻮن وراء آﺧﺮ »املﻮدﻳﻼت« وﻻ ﻳﱰددون ﰲ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ. ﻓﻤﺎ اﻟﻔﺮق ﺑني اﻷﺷﻴﺎء واﻷﻓﻜﺎر؟ أﻣﺎ إﺻﻼح اﻟﻘﺪﻳﻢ وﺗﺮﻣﻴﻤﻪ ﻓﺄﻣﺮ ﻣﻜﻠﻒ وﻳﺤﺘﺎج إﱃ زﻣﻦ ﻃﻮﻳﻞ. وﻗﺪ رأى اﻟﻨﺎس ﻳﻘﺬﻓﻮن ﺑﺂﻻت ﺛﻤﻴﻨﺔ إن أﺻﻴﺒﺖ ﺑﻌﻄﺐ ﻃﻔﻴﻒ. ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن إﺻﻼح اﻟﺴﺎﻋﺔ أو »اﻟﱰاﻧﺰﺳﺘﻮر« أﻛﺜﺮ ﺻﻌﻮﺑﺔ وأﻏﲆ ﺛﻤﻨﺎ ﻣﻦ ﴍاء اﻟﺠﺪﻳﺪ املﺘﻄﻮر.

* اﻟﺮﻳﺎض اﻷﺳﺒﻮﻋﻲ 1983