اﻟﺮﺷﻮة ﺑﺄﻟﻒ وﺟﻪ (2)
ﻳﺒﻘﻰ اﻟﺴﺆال... ملﺎذا ﺟﺮاﺋﻢ اﻟﺮﺷﻮة ﺗﻈﻬﺮ أﻛﺜﺮ ﰲ اﻟﻘﻄﺎع اﻟﺼﺤﻲ؟ وﻫﻞ ﻳﻌﻨﻲ ذﻟﻚ أن اﻟﻘﻄﺎﻋﺎت اﻷﺧﺮى ﺳﻠﻴﻤﺔ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺠﺮاﺋﻢ؟ أم أن ذﻟﻚ ﻳﻌﻮد إﱃ ﺷﻔﺎﻓﻴﺔ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﻘﻄﺎع اﻟﺼﺤﻲ إﱃ درﺟﺔ ﻋﺪم اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﻟﺘﺴﱰ ﻋﲆ ﻓﻀﺎﺋﺤﻪ؟ ﻓﻮزﻳﺮ اﻟﺼﺤﺔ ﻧﻔﺴﻪ ﻛﺸﻒ ﻗﺒﻞ ﻫﺬه اﻟﺤﺎدﺛﺔ ﻋﻦ ﺣﺎدﺛﺔ ﺳﺒﻘﺘﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻳﻀﺎ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻼﻋﺐ ﺑﺎملﺎل اﻟﻌﺎم.
وﻣﻨﺬ ﻣﺪة ﻇﻬﺮ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻓﻬﺪ اﻟﻌﺒﺪاﻟﺠﺒﺎر أﺛﻨﺎء ﺗﻮﻟﻴﻪ إدارة اﻟﺸﺆون اﻟﺼﺤﻴﺔ ﺑﺎﻟﺤﺮس اﻟﻮﻃﻨﻲ، ﻣﻌﻠﻨﺎ ﻋﻦ ﺣﺎﻟﺔ رﺷﻮة ﺗﻢ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺠﺮم املﺸﻬﻮد، وأﻇﻬﺮ اﺳﻢ املﻮﻇﻒ اﻟﻨﺰﻳﻪ اﻟﺬي ﺗﺴﻠﻢ ﻣﻜﺮﻣﺔ ﻣﻦ وﱄ اﻟﻌﻬﺪ ﺗﻘﺪﻳﺮا ﻹﺧﻼﺻﻪ وﻧﻈﺎﻓﺔ ﻳﺪه. أي أن ﺣﻮادث اﻟﺮﺷﻮة ﰲ اﻟﻘﻄﺎع اﻟﺼﺤﻲ ﺗﻜﺮرت واﻹﻋﻼن ﻋﻨﻬﺎ ﻟﻴﺲ ﺟﺪﻳﺪا... ﻣﺎ ﻫﻮ اﻟﺴﺒﺐ؟!
ﻋﻔﻮا إذا ﻗﻠﺖ ﺑﻼ ﺗﺤﻔﻆ إن ﺟﺮاﺋﻢ اﻟﺮﺷﻮة ﻟﻴﺴﺖ ﺣﴫا وﻻ ﺣﻜﺮا ﻋﲆ اﻟﻘﻄﺎع اﻟﺼﺤﻲ، ﻷن ﰲ ﻛﻞ ﻗﻄﺎع ﺧﺪﻣﺎت ﻣﻄﻠﻮﺑﺔ، وﰲ ﻛﻞ ﻓﺮﺻﺔ اﻧﺘﻬﺎزﻳﻮن ﻳﺮﻳﺪون اﻟﺘﺴﻠﻖ ﺑﺄﴎع اﻟﻄﺮق!... ﻟﻜﻦ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺒﺪو ﻧﺸﺎط اﻷﻓﺮاد املﺴﺆوﻟني ﻣﺜﻞ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺣﻤﺪ املﺎﻧﻊ واﻟﺪﻛﺘﻮر ﻓﻬﺪ اﻟﻌﺒﺪاﻟﺠﺒﺎر ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ، وﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى ﻣﺎ ﻳﻮاﺟﻬﻪ اﻟﻘﻄﺎع اﻟﺼﺤﻲ ﻳﻮﻣﻴﺎ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ ﻣﻦ ﻧﻘﺪ ﻣﻠﺤﻮظ ﰲ اﻟﺼﺤﻒ املﺤﻠﻴﺔ... ﺟﻌﻠﻪ ﺗﺤﺖ داﺋﺮة اﻟﻀﻮء أﻛﺜﺮ وأﺻﺒﺢ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺠﺮي ﻓﻴﻪ ﻓﺮﺻﺔ ﻹﺛﺒﺎت ﺣﺴﻦ اﻟﻨﻴﺔ أو ﻻﻧﺘﻬﺎز اﻟﻔﺮص، ﰲ اﻟﺤﺎﻟﺘني اﻷﻣﻮر ﻋﲆ املﺤﻚ. ذﻟﻚ ﻳﺪل ﻋﲆ أن اﻟﻨﻘﺪ اﻟﻬﺎدف إذا أﺧﺬ ﻓﺮﺻﺘﻪ ﰲ اﻟﻈﻬﻮر ﻫﻮ اﻟﺴﺒﻴﻞ املﺘﺎح ﻟﻠﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺑﺆر اﻟﻔﺴﺎد، أو ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﻫﻮ اﻟﺴﺒﻴﻞ ﻟﻠﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﻮد ﻟﻜﺸﻒ اﻟﻔﺴﺎد ودﺣﺮه وإﻳﻘﺎﻓﻪ ﻋﻨﺪ ﺣﺪه.
ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺄ ﺗﻀﺨﻴﻢ وﺗﻔﺨﻴﻢ املﺨﺎوف ﻣﻦ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺒﻨﺎء. أو ﺣﺘﻰ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺼﺤﻔﻲ ﻓﻬﻮ ﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺗﻌﺒري ﻋﻦ وﺟﻮد ﻗﻮة داﻓﻌﺔ ﺿﺪ اﻟﻔﺴﺎد وﺿﺪ اﻻﻧﺘﻬﺎزﻳﺔ املﺨﻠﺔ ﺑﺎﻻﻧﺘﻤﺎء ﻟﻠﻮﻃﻦ. وﻣﻠﻒ اﻟﺮﺷﺎوى ﰲ وزارة اﻟﺼﺤﺔ ﻳﻔﺘﺢ ﻣﻠﻔﺎت اﻟﻜﺴﺐ ﻏري املﴩوع، وﻳﺤﻔﺰ اﻟﻬﻤﻢ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ أﺳﺒﺎب ﺗﻌﻄﻞ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ املﺸﺎرﻳﻊ اﻟﺘﻨﻤﻮﻳﺔ املﺘﻌﺜﺮة، واﻟﺘﻲ ﺗﺼﻞ ﻣﻨﺎﻓﻌﻬﺎ ﻟﺤﺴﺎب أﺷﺨﺎص ﻣﺘﻨﻔﺬﻳﻦ ﻻ ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﰲ ﻫﺬه املﺸﺎرﻳﻊ وﻻ ﻫﻢ ﻳﻨﻔﺬوﻧﻬﺎ ﻋﲆ أﻛﻤﻞ وﺟﻪ. واﻟﻘﻀﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻘﻂ ﰲ اﻟﺮﺷﻮة املﺪﻓﻮﻋﺔ اﻷﺟﺮ وﻟﻜﻦ أﻳﻀﺎ ﻫﻨﺎك ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺮﺷﻮة ﻗﺪ ﻻ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻴﻬﺎ املﺎل ﺑﻤﻈﻬﺮ )اﻟﻄﻌﻢ( ﰲ اﻟﺴﻨﺎرة، ﺑﻞ اﻟﻨﻔﻮذ واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ واملﺼﺎﻟﺢ املﺸﱰﻛﺔ ﺑني اﻷﻃﺮاف، وﻣﺎ ﻻ ﻳﺆﺧﺬ ﺑﺎملﺎل ﻳﺆﺧﺬ ﺑﻐريه، وﰲ اﻟﺤﺎﻟﺘني اﻟﺨﻴﺎﻧﺔ ﺗﺮﺗﻜﺐ ﰲ ﺣﻖ اﻟﻮﻃﻦ واﻟﻨﺎس.
وإذا ﻛﺎن ﻣﻤﻜﻨﺎ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﲆ راش وﻫﻮ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﻠﺒﺲ... ﻓﺈن ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﲆ ﻣﺘﻨﻔﺬ وﻫﻮ ﻳﻤﺎرس ﻧﻔﻮذه أو ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﻋﻼﻗﺎﺗﻪ أو ﻳﻘﻮى ﻋﲆ ﺗﻤﺮﻳﺮ ﻋﻀﻼﺗﻪ ﻓﻮق اﻟﺮؤوس، ﻷن ﻫﺬه أﻣﻮر ﻻ ﺗﺮى ﺑﺎﻟﻌني املﺠﺮدة! إﻧﻤﺎ ﻳﻜﺎﻓﺤﻬﺎ ﻋﺰم أﻛﻴﺪ ﻳﻀﻊ اﻟﻌﻘﻮﺑﺎت اﻟﺮادﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺸﺠﻊ ﻋﲆ اﻟﺘﺴﻴﺐ واﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ )ﺷﻴﻠﻨﻲ وأﺷﻴﻠﻚ(! وﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﺧﱪ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﲆ رﺷﻮة وزارة اﻟﺼﺤﺔ ﺧﱪاً ﻣﻔﺮﺣﺎً ملﺎ ﺣﻘﻘﻪ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻟﻜﻨﻨﻲ ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﰲ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﺤﺰن! ﻓﻜﻤﺎ ﻇﻬﺮ ﰲ اﻟﺨﱪ اﻟﺮاﳾ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﻮدة وﻣﻦ ﴍوط ﻓﺮض اﻟﺴﻌﻮدﻳني ﰲ اﻟﺼﻴﺪﻟﻴﺎت، وﻫﺬا ﺑﺤﺪ ذاﺗﻪ داﻫﻴﺔ اﻟﺪواﻫﻲ... ملﺎذا ﻳﺮﺑﺢ ﺳﻌﻮدي ﻣﺎ ﻓﻮق 450 ﻣﻠﻴﻮﻧﺎً ﺛﻢ ﻳﺪﻓﻊ ﻋﴩة ﻣﻼﻳني ﻫﺮﺑﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﻮدة؟ وإذا ﻛﻨﺎ ﻧﺪﻳﻦ اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ اﻟﻨﻜﺮاء ﻓﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﻤﻨﻌﻨﺎ ﻣﻦ ﻃﺮح اﻟﺘﺴﺎؤل ﺑﻼ ﺗﺮدد: ملﺎذا ﻳﻜﺮه اﻟﺴﻌﻮدﻳﻮن اﻷﺛﺮﻳﺎء ﺗﺸﻐﻴﻞ اﻟﺴﻌﻮدﻳني؟ أﻳﻦ املﺸﻜﻠﺔ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ وأود أن ﻳﻜﻮن اﻟﻨﻘﺎش ﺣﻮل ﻫﺬه املﺴﺄﻟﺔ اﻵن وﻟﻴﺲ ﺑﻌﺪ ﺣني. ﻓﻬﺬا ﺛﺮي ﻳﺪﻓﻊ ﻋﴩة ﻣﻼﻳني ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺴﻌﻮد، ملﺎذا ﻻ ﻳﺪﻓﻌﻬﺎ رواﺗﺐ ﻟﻠﺴﻌﻮدﻳني أو ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻬﺎ ﻣﴩوﻋﺎ ﻳﻌﻄﻲ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻮﻇﻒ ﺳﻌﻮدي! ﺑﻮدي ﻟﻮ أﺳﺄﻟﻪ ﻫﺬا اﻟﺴﺆال: ملﺎذا ﻓﻀﻞ اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ ﻋﲆ اﻟﻮﻻء؟ وملﺎذا ﻓﻀﻞ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺘﻬﻤﺎ ﻋﲆ أن ﻳﻜﻮن ﻣﻮاﻃﻨﺎً ﺻﺎﻟﺤﺎً؟ اﻟﻘﻀﻴﺔ ﻇﺎﻫﺮﻫﺎ اﻟﺮﺷﻮة ﻓﻤﺎ ﻫﻮ داﺧﻠﻬﺎ؟ ﻛﻤﺎ أﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ اﻟﻨﻈﺮ ﰲ أﻧﻈﻤﺔ ﺗﺸﻐﻴﻞ اﻟﺼﻴﺪﻟﻴﺎت وﻓﺮص اﻟﺼﻴﺪﱄ اﻟﺴﻌﻮدي ﰲ املﺴﺄﻟﺔ... ملﺎذا اﻟﺘﺤﺎﻳﻞ واﻟﺘﻼﻋﺐ واﺧﱰاق اﻷﻧﻈﻤﺔ؟ ﻣﺎ زاﻟﺖ اﻟﺤﻠﻘﺔ اﻷﻫﻢ ﻣﻔﻘﻮدة... وﻣﺎ ﺣﺪث ﰲ وزارة اﻟﺼﺤﺔ ﻫﻮ ﺑﺪاﻳﺔ ملﻠﻒ اﻟﺘﻜﺴﺐ ﻏري املﴩوع وﻫﺬا ﺑﻌﺾ أردﻳﺘﻪ، اﻟﺮﺷﻮة، ﻟﻜﻨﻪ ﺗﺤﺖ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ رداء ﻋﲆ اﻣﺘﺪاد اﻟﻮﻃﻦ...!