Al-Watan (Saudi)

ﻣﻌﺎداة اﳌﺮأة ﻟﻴﺴﺖ ﻋﲆ اﳌﻨﺎﺑﺮ وﺣﺪﻫﺎ

- ﻋﺒﲑ اﻟﻌﻠﻲ

ﰲ اﻟﺘﺴﺠﻴﻞ املﺼﻮر اﻟﺬي ﻧﴩﺗﻪ إﺣﺪى اﻟﻔﺘﻴﺎت ﻳﻮم ﻋﻴﺪ اﻷﺿﺤﻰ املﺒﺎرك املﺎﴈ أﺛﻨﺎء ﺧﻄﺒﺔ ﺻﻼة اﻟﻌﻴﺪ ﰲ أﺣﺪ ﻣﺴﺎﺟﺪ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺟﺪة، واﻟﺬي ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻴﻪ ﺟﺰء ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﺨﻄﻴﺐ وﻫﻮ ﻋﲆ املﻨﱪ: »أن املﺮأة اﻟﻌﻔﻴﻔﺔ ﺗﻤﻮت وﻻ ﺗﺄﻛﻞ ﺑﺜﺪﻳﻴﻬﺎ« ﰲ إﺷﺎرة ﻟﻠﻨﺴﺎء اﻟﻌﺎﻣﻼت ﰲ ﻣﺤﻼت اﻟﺒﻴﻊ، وﺗﺸﺒﻴﻬﻬﻦ وﻣﻦ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻋﻤﻠﻬﺎ اﻟﻮﺟﻮد ﰲ ﻣﻜﺎن ﻋﺎم ﺑﻪ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ﺑﺄﻧﻬﻦ ﻛﺒﺎﺋﻌﺎت ﴍﻓﻬﻦ واﻟﻌﻴﺎذ ﺑﺎﻟﻠﻪ. ﻫﺬا اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ املﺸني واﻟﺘﺤﺮﻳﺾ ﻋﲆ املﺮأة اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﺳﺎﻗﻪ اﻟﺨﻄﻴﺐ ﻣﻦ ﻓﻜﺮة ﺗﺤﺮﻳﻢ اﻻﺧﺘﻼط اﻷﺛرية ﻟﺪى املﺘﺸﺪدﻳﻦ، وﻣﻦ ﺧﻠﻔﻴﺎت ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻟﺪﻳﻪ اﺳﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺛﻐﺮة اﻟﺨﻄﺎﺑﺔ املﺘﺎﺣﺔ ﻟﻜﺜري ﻣﻤﻦ ﻳﺤﻤﻞ ﻓﻜﺮا ﻣﺘﺸﺪدا، واﻋﺘﻼء املﻨﱪ اﻟﺬي ﺳﺨﺮه ﻟﺮؤاه اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺑﻜﻞ ﺗﻄﺮﻓﻬﺎ وﻋﺪاﺋﻴﺘﻬﺎ ﺗﺠﺎه املﺮأة. ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻐﺮﻳﺐ أو اﻟﺸﺎذ ﻟﺪﻳﻨﺎ، ﻓﻤﻨﺬ ﻋﴩات اﻟﺴﻨني ﻛﺎﻧﺖ املﺮأة وﻣﺎ زاﻟﺖ ﻫﻲ املﺎدة اﻷوﱃ واملﻔﻀﻠﺔ ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﻋﻨﻬﺎ وﺣﻮل ﺷﺆوﻧﻬﺎ، وﺗﺼﻨﻴﻔﻬﺎ وﺗﻘﻴﻴﺪﻫﺎ واﻟﺘﺤﺮﻳﺾ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﺤﻖ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ وأﺳﺎﻟﻴﺐ ﺣﻴﺎة، وﻗﺪ ﺗﺼﻞ ﻟﻠﺘﻨﺪر ﺑﻬﺎ واﻻﺳﺘﺨﻔﺎف واﻻﺳﺘﻨﻘﺎص ﻣﻨﻬﺎ واﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ اﻟﻌﺪو اﻷول ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ. ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻧﺴﻤﻌﻪ ﻋﲆ ﻛﺜري ﻣﻦ املﻨﺎﺑﺮ وﰲ ﻣﺠﺎﻟﺲ اﻟﻮﻋﻆ واﻟﺨﻄﺎﺑﺔ، ﻣﺘﺨﺬا ﻗﺎﻟﺒﺎ دﻳﻨﻴﺎ ﻳﺄﺧﺬ املﺮأة ﻷﻗﴡ اﻟﻴﻤني ﻣﻦ اﻟﺘﻄﺮف واﻟﺘﺸﺪد واﻹﻗﺼﺎء، وأﺻﺒﺤﺖ اﻟﺼﻮرة اﻟﻨﻤﻄﻴﺔ ﻟﻠﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ املﺮأة اﻟﺘﻲ ﺗﴪﺑﺖ إﱃ وﺟﺪان اﻟﻨﺎس، وأﺻﺒﺤﺖ ﻗﻨﺎﻋﺎت وأﺳﻠﻮب ﺣﻴﺎة ﻗﺪ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﻪ املﺮأة ﻗﺒﻞ أي أﺣﺪ.

ﻓﻨﺸﺄ ﺟﻴﻞ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ﻳﺆﻣﻦ أن وﺟﻪ املﺮأة ﻋﻮرة، وﺻﻮﺗﻬﺎ ﻓﺘﻨﺔ، وﻋﻘﻠﻬﺎ ﻣﺤﺪود، ودورﻫﺎ ﻣﺤﺼﻮر ﺑﺎﻟﺰواج واﻹﻧﺠﺎب وﺧﺪﻣﺔ اﻟﺮﺟﻞ، وﻋﺰﻣﻬﺎ ﺿﻌﻴﻒ، وﻣﺸﻮرﺗﻬﺎ ﻧﻘﺺ، ﻛﻤﺎ أﻧﻬﺎ ﻣﺠﺒﻮﻟﺔ ﻋﲆ اﻟﺨﻄﺄ وارﺗﻜﺎب اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺆﺧﺬ ﻋﲆ ﻳﺪﻫﺎ وﺗﻌﺰل ﻋﻦ أي ﺳﻴﺎق ﻟﺤﻴﺎة ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ. وﻏريﻫﺎ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻵراء اﻟﺘﻲ ﴍﻋﺖ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ أدﻟﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ وﻗﺼﺺ ﻣﺨﺘﻠﻘﺔ ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺢ اﻟﺮﺟﻞ ﻳﺮﺗﺎب ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ املﺮأة، وأﺻﺒﺤﺖ املﺮأة ﺗﺆﻣﻦ ﺑﻨﻘﺼﻬﺎ واﺧﺘﻼﻓﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺮﺟﻞ، ﺑﻞ وﺗﺮﺑﻲ أﺟﻴﺎﻻ أﺧﺮى ﺑﻬﺬا اﻻﺧﺘﻼل ﻋﻦ اﻟﻔﻄﺮة اﻟﺴﻮﻳﺔ.

ﺷﺎء اﻟﻠﻪ أن ﻳﺮزح ﻣﺠﺘﻤﻌﻨﺎ ﺗﺤﺖ ﻫﺬه اﻷﻓﻜﺎر اﻟﻈﻼﻣﻴﺔ ﻣﺪة ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ﺣﺘﻰ ﻗﻴﺾ اﻟﻠﻪ ﻟﻪ أن ﻳﺘﺨﻠﺺ ﻣﻨﻬﺎ وﻳﺪﻓﻊ املﺠﺘﻤﻊ ﺑﺎﻟﻌﻮدة ﻟﻠﻔﻄﺮة اﻟﺴﻮﻳﺔ واﻟﺘﻌﺎﻣﻞ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺑني ﻣﻜﻮﻧﺎﺗﻪ، وﻣﻨﺢ اﻟﺤﻘﻮق ﻷﻓﺮاده ﻋﲆ ﺣﺪ ﺳﻮاء، واﻟﺘﻲ ﺗﻨﺒﻊ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﻘﻮﻳﻢ اﻟﺨﺎﱄ ﻣﻦ ﺗﻄﺮف اﻟﺤﺰﺑﻴني، وﻟﻮﺛﺎت املﺘﺸﺪدﻳﻦ، ورﺟﻌﻴﺔ اﻷﻋﺮاف واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ املﻠﺘﺒﺴﺔ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ. ﻛﺎن اﻟﺠﺪل ﺣﻮل املﺮأة وﻗﻀﺎﻳﺎﻫﺎ ﻣﺤﺴﻮﻣﺎ ﻟﺪى رؤﻳﺔ اﻟﻘﻴﺎدة اﻟﺤﻜﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﻤﻠﺖ ﻋﲆ ﻣﻠﻒ ﺗﻤﻜني املﺮأة ﻣﻦ ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ، واﻟﺘﻲ ﻛﺎن آﺧﺮﻫﺎ اﻟﺘﻌﺪﻳﻼت اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺖ ﻋﲆ أﻧﻈﻤﺔ وﺛﺎﺋﻖ اﻟﺴﻔﺮ واﻷﺣﻮال املﺪﻧﻴﺔ وﻧﻈﺎم اﻟﻌﻤﻞ واﻟﺘﺄﻣﻴﻨﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ. ﻫﺬه اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻨﺢ املﺮأة اﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ اﻟﺸﺨﴢ واﻻﻗﺘﺼﺎدي واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، وﺗﻌﺰز ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ أﻣﺎم ﻧﻔﺴﻬﺎ واﻵﺧﺮﻳﻦ، اﻧﻘﺴﻢ اﻟﻨﺎس أﻣﺎﻣﻬﺎ ﻟﻌﺪة ﻓﺌﺎت: ﻓﺌﺔ ﺗﺮﺣﺐ وﺗﺸﺠﻊ وﺗﺸﺎرك اﻻﻧﺨﺮاط ﰲ ﺧﻄﻮات اﻟﺘﻤﻜني واﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻟﺤﻘﻮق، وﻻ ﺗﺴﺘﻨﻜﺮﻫﺎ ﻹﻳﻤﺎﻧﻬﺎ ﺑﻬﺎ وإﻳﻤﺎﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﻐﻴري اﻟﺬي ﻳﺤﺪث وﻣﺪى ﺻﺪﻗﻪ وإﻳﺠﺎﺑﻴﺘﻪ، وﻓﺌﺔ ﺗﻠﺘﺰم اﻟﺼﻤﺖ واﻟﺤﻴﺎد، ﻓﻼ ﻫﻲ ﻗﺎدرة ﻋﲆ اﻟﺘﻐﻴري وﻟﻴﺲ ﻟﺪﻳﻬﺎ املﻘﺪرة ﻋﲆ رﻓﻀﻪ، وﻓﺌﺔ أﺧﺮى ﺗﻌﻠﻦ اﻟﺮﻓﺾ واﻹﻧﻜﺎر وﺗﻜﺮس اﻻﻧﻐﻼق ﰲ ﻣﺤﻴﻄﻬﺎ اﻟﺨﺎص، وﺗﻨﴩ ﻓﻜﺮﻫﺎ اﻟﺮاﻓﺾ ﰲ أوﺳﺎﻃﻬﺎ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﻧﻔﺲ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻣﻊ إﺿﺎﻓﺔ ﻳﻘني ﺟﺪﻳﺪ »ﺑﺄﻧﻨﺎ ﻣﺴﺘﻬﺪﻓﻮن ﰲ دﻳﻨﻨﺎ وﻧﺴﺎﺋﻨﺎ«، و»أﻧﻨﺎ ﰲ آﺧﺮ اﻟﺰﻣﺎن ﻗﺎﺑﻀﻮن ﻋﲆ اﻟﺠﻤﺮ« وﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ ﻣﻦ أﺳﺎﻟﻴﺐ اﻻﺳﺘﻌﻄﺎف أو اﻟﺘﺨﻮﻳﻒ. وﻫﺬه اﻟﻔﺌﺔ اﻷﺧرية ﻫﻲ أﺧﻄﺮﻫﺎ ﻋﲆ املﺠﺘﻤﻊ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻔﱰة وأﺟﺮؤﻫﻢ ﻋﲆ إﻋﻼن ﻫﺬا اﻟﺮﻓﺾ دون ﻣﻨﻄﻖ واﺣﱰام ﻟﺤﺮﻳﺎت اﻵﺧﺮﻳﻦ وﻗﺮاراﺗﻬﻢ، ﻓﻘﺪ ﻳﻌﺘﻠﻮن ﻣﻨﱪا ﻟﺒﺚ آراﺋﻬﻢ، أو ﻳﺘﺼﺪرون ﻣﺠﻠﺴﺎ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎ أو ﻋﻠﻤﻴﺎ، ﻧﺎﻫﻴﻚ ﻋﻦ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﻋﱪ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻠﻘﻔﻬﺎ اﻟﺒﺴﻄﺎء دون رأي أو ﺗﻤﺤﻴﺺ. ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻳﺼﺒﺢ أﻛﺜﺮ ﺧﻄﺮا ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﰲ ﻣﺪارﺳﻨﺎ وﺟﺎﻣﻌﺎﺗﻨﺎ وﺑني املﻌﻠﻤني واﻟﻄﻼب.

ﰲ ﺣﺎدﺛﺔ إﻣﺎم ﺧﻄﺒﺔ اﻟﻌﻴﺪ املﺎﴈ ﺑﺎدر وزﻳﺮ اﻟﺸﺆون اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﺮﻓﻀﻪ واﺳﺘﻨﻜﺎره ملﺎ ﺣﺪث، وﺗﻮﺿﻴﺤﻪ أﻧﻪ إﻣﺎم وﻣﻜﺎن ﻏري ﻣﴫح ﻟﻬﻤﺎ، وأن اﻟﻮزارة ﺳﺘﺘﺨﺬ اﻹﺟﺮاءات اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻠﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻷﻣﺮ، وﻫﺬا ﻣﻦ ﺗﻐﻴري اﻹﺟﺮاءات واﻷﻧﻈﻤﺔ واﻟﻘﻮاﻧني، وﺗﻐﻴري اﻷﻓﻜﺎر ﻻ ﻳﺘﻄﻠﺐ أن ﻳﺘﺒﻨﻰ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻓﻜﺮا واﺣﺪا أو رؤﻳﺔ ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺔ أو أﺳﻠﻮب ﺣﻴﺎة ﻟﻪ ذات اﻟﻘﻨﺎﻋﺔ واﻹﻳﻘﺎع، ﺑﻞ أن ﻳﻜﻮن ﻟﺪى اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺣﺮﻳﺔ اﻻﺧﺘﻴﺎر، وأن ﻳﺘﻔﻖ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻋﲆ اﺣﱰام ﺧﻴﺎرات اﻵﺧﺮﻳﻦ واﻹﻳﻤﺎن ﺑﺄﺣﻘﻴﺔ اﻟﻔﺮد ﻋﲆ ﺣﺪ ﺳﻮاء أن ﻳﻌﻤﻞ ﻣﺎ ﻳﺸﺎء

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia