ﺑﻌﻴﺪا ﻋﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎد ﻣﻦ ﻛﴪ ﻏﺼﻦ اﻟﺸﺠﺮة

ﻧﺤﻦ ﻛﺒﺸﺮ ﻧﻤﻴﻞ إﻟﻰ ﺗﺬﻛﺮ اﻟﻘﺼﺺ واﻟﻤﻮاﻗﻒ اﻟﺼﻌﺒﺔ أو اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺮج ﻋﻦ اﻟﻤﺄﻟﻮف واﻟﻌﺮف ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻻ ﺗﺨﺘﺰن ﻓﻴﻪ ذاﻛﺮﺗﻨﺎ أﻳﺎم اﻟﻔﺮح واﻟﺴﻌﺎدة

ﺑﺤﻜﻢ ﺗﺨﺼﴢ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﺗﺮﻛﺰت ﻣﻌﻈﻢ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻲ ﻃﻮال ﻣﺴريﺗﻲ ﻣﻊ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻋﲆ اﻟﺸﺄن اﻻﻗﺘﺼﺎدي، وﻗﺪ ﻛﺎن وراء ذﻟﻚ اﻟﱰﻛﻴﺰ ﻗﻨﺎﻋﺔ ذاﺗﻴﺔ ﺗﻮﻟﺪت ﻟﺪي أﺛﻨﺎء دراﺳﺘﻲ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻟﻌﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد، إذ ﻛﻨﺖ أﺧﺘﺎر ﻣﻮاد إﺿﺎﻓﻴﺔ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد، ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﺘﺎﺣﺎ ﱄ اﻻﺧﺘﻴﺎر ﺑني ﺑﺪاﺋﻞ دراﺳﻴﺔ ﻋﺪﻳﺪة، ﺣﻴﺚ إﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﻘﺘﻨﻌﺎ أن اﻟﺘﺰود ﻣﻦ ﻋﻠﻢ اﻟﺘﺨﺼﺺ ﻳﺴﻬﻢ إﱃ ﺣﺪ ﻛﺒري ﰲ إﺛﺮاء ﻗﺪرﺗﻲ ﻋﲆ اﻟﺘﺤﻜﻢ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ املﻌﻨﻲ، وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﻳﻜﻮن املﺘﺨﺼﺺ أﻛﺜﺮ دراﻳًﺔ وﻓﻬﻤﺎً وﻗﺪرًة ﻋﲆ ﺗﻄﻮﻳﻊ ﻫﺬا اﻟﻌﻠﻢ ﺑﻤﺎ ﻳﺘﻮاﻓﻖ ﻣﻊ اﻷﺣﺪاث وﺗﺒﺪل اﻷﺣﻮال.

ﻟﻜﻦ ذﻟﻚ اﻟﱰﻛﻴﺰ ﻟﻢ ﻳﻤﻨﻊ أن ﻳﻜﻮن ﻫﻨﺎك اﺳﺘﺜﻨﺎء ﺑني وﻗﺖ وآﺧﺮ، ﰲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻷن ﻳﻀﻴﻒ اﻹﻧﺴﺎن إﱃ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻐﻴري أو اﻟﺘﺠﺪﻳﺪ. ﻫﺬا ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺑﺎﻟﴬورة رﺗﺎﺑﺔ ﻋﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد، ﻓﻬﻮ ﻋﻠﻢ واﺳﻊ ﻳﺘﺴﻊ ﻟﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺨﺺ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﻓﻮق ﻫﺬه اﻷرض اﻟﻮاﺳﻌﺔ.

وأﺟﺪ ﻧﻔﴘ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻛﺘﺐ ﺑﻌﻴﺪا ﻋﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎد أﻧﻨﻲ أﻣﻴﻞ إﱃ اﻟﺸﺄن اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻣﻊ ملﺴﺎت ﻣﻦ املﺸﺎﻋﺮ واﻟﺨﻮاﻃﺮ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ. أﻧﺖ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻜﺘﺐ ﻋﻦ املﺠﺘﻤﻊ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻨﺴﻠﺦ ﻣﻦ ﺳﻤﺘﻚ ﻛﺈﻧﺴﺎن ﻳﻌﻴﺶ ﰲ ﻫﺬا املﺠﺘﻤﻊ وﻳﻜﱢﻮﻧﻪ. واﻹﻧﺴﺎن ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻪ ﻣﺨﻠﻮق ﻣﻦ ﻛﺘﻠﺔ ﻣﻦ املﺸﺎﻋﺮ واﻷﺣﺎﺳﻴﺲ. وﻛﺜريا ﻣﺎ ﺣﺎوﻟﺖ ﺳﻮاء ﻓﻴﻤﺎ أﻛﺘﺐ ﰲ اﻟﺸﺄن اﻻﻗﺘﺼﺎدي أو ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺤﺎﴐاﺗﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أﻗﺪﻣﻬﺎ ﻟﻄﻼﺑﻲ ﰲ ﻗﺴﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ املﻠﻚ ﺳﻌﻮد أن أرﺑﻂ اﻟﻔﻜﺮ اﻻﻗﺘﺼﺎدي وﻧﻈﺮﻳﺎﺗﻪ ﺑﻮاﻗﻌﻨﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ أو اﻟﺴﻴﺎﳼ واﻟﻔﻜﺮي ﻋﻤﻮﻣﺎ؛ إﻳﻤﺎﻧﺎً ﻣﻨﻲ ﺑﺄن ذﻟﻚ ﻳﺴﻬﻢ إﱃ ﺣّﺪ ﻛﺒري ﰲ ﻧﻘﻞ وﺻﻘﻞ املﻌﻠﻮﻣﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ، وﺟﻌﻠﻬﺎ أﻗﺮب إﱃ اﻟﻔﻬﻢ، ﺑﻌﻴﺪاً ﻋﻦ اﻟﺤﻔﻆ اﻟﺬي ﺑُﻨﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﻈﺎم اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﰲ اﻟﺪول اﻟﻨﺎﻣﻴﺔ ﻋﻤﻮﻣﺎ.

وأذﻛﺮ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق أﻧﻨﻲ اﺳﺘﺸﻬﺪت ﻣﺮة ﺑﺒﻴﺖ ﻳﻨﺴﺐ ﻷﻣﺮئ اﻟﻘﻴﺲ ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻪ: ﻓﻘﺒﻠﺘﻬﺎ ﺗﺴﻌﺎ وﺗﺴﻌني ﻗﺒﻠﺔ وواﺣﺪة أﺧﺮى وﻛﻨﺖ ﻋﲆ ﻋﺠﻞ وذﻟﻚ ﰲ ﴍﺣﻲ ﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺗﻨﺎﻗﺺ املﻨﻔﻌﺔ اﻟﺤﺪﻳﺔ، وأﻋﻨﻲ ﺑﺬﻟﻚ أن ﻗﺒﻠﺘﻪ اﻷﺧرية ﻛﺎﻧﺖ ﻋﲆ ﻋﺠﻞ؛ ﻷﻧﻪ اﺳﺘﻬﻠﻚ ﻣﻦ ﻫﺬه »اﻟﺴﻠﻌﺔ« وﺣﺪات ﻛﺜرية، وﻫﺬا ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ.

وﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﻬﺞ، ﺻﺪر ﱄ ﻗﺒﻞ ﺳﻨﻮات ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻛﺘﺎب ﺗﻀﻤﻦ ملﺤﺎت ﻋﻦ ﻣﺴريﺗﻲ ﰲ

ﻫﺬه اﻟﺪﻧﻴﺎ، اﺳﺘﻌﺮﺿﺖ ﻓﻴﻪ ﻗﺼﺼﺎ وﻣﻮاﻗﻒ ﻋﺎﻳﺸﺘﻬﺎ أو وﻗﻔﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﺷﻜﻠﺖ ﻣﺮاﺣﻞ ﺗﻄﻮر ﺣﻴﺎﺗﻲ واملﺘﻐريات اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﺮت ﺑﻬﺎ. ﻋﻨﻮﻧﺖ اﻟﻜﺘﺎب ﺑﺎﺳﻢ »ﻣﻦ ﻛﴪ ﻏﺼﻦ اﻟﺸﺠﺮة؟«. وﻳﺒﺪو أن ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﻨﻮان ﻣﺎ ﻳﺪل ﻋﲆ ﻣﺤﺘﻮى اﻟﻜﺘﺎب، إذ ﻳﻤﻴﻞ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ إﱃ ﴎد ﻗﺼﺺ وﻣﻮاﻗﻒ ﺗﻌﻜﺲ ﺣﺎﻻت ﻳﻤﻜﻦ وﺻﻔﻬﺎ ﺑﺎﻟﺼﻌﺒﺔ وﻏري املﺘﻮﻗﻌﺔ وﻗﺪ ﺗﺘﻨﺎﰱ ﻣﻊ اﻟﺒﻌﺪ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ اﻟﺴﻮي اﻟﺬي ﻧﺘﻤﻨﺎه أو ﻧﺘﻮﻗﻌﻪ، وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻌﻜﺲ ﻛﻢ ﻳﺠﻬﻞ ﻫﺬا اﻹﻧﺴﺎن ﺣﻘﻴﻘﺔ أن ﻫﺬه اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﺎﻧﻴﺔ. وﻧﺤﻦ ﻛﺒﴩ ﻧﻤﻴﻞ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ إﱃ أن ﻧﺘﺬﻛﺮ اﻟﻘﺼﺺ واملﻮاﻗﻒ اﻟﺼﻌﺒﺔ أو ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺮج ﻋﻦ املﺄﻟﻮف واﻟﻌﺮف ﰲ املﺠﺘﻤﻊ، ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻻ ﺗﺨﺘﺰن ﻓﻴﻪ ذاﻛﺮﺗﻨﺎ أﻳﺎم اﻟﻔﺮح واﻟﺴﻌﺎدة، وﻫﻲ دﻻﻟﺔ ﻋﲆ أن اﻹﻧﺴﺎن ﻻ ﻳﻘﺒﻞ اﻟﻈﻠﻢ أو اﻹﺳﺎءة، وﻳﻤﻴﻞ ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻪ أﻳﻀﺎ إﱃ اﻟﻌﻴﺶ ﺑﻬﺪوء وﺗﺴﺎﻣﺢ وﻣﺤﺒﺔ. وﺗﻔﺴري ذﻟﻚ اﻟﺘﺄﺛري اﻗﺘﺼﺎدﻳﺎً، ﻫﻮ أﻧﻪ ﻳﻨﻌﻜﺲ إﻳﺠﺎﺑﺎً ﻋﲆ اﻟﺒﻌﺪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﰲ ﺗﻔﺴري واﻗﻊ اﻻﻗﺘﺼﺎد ﻋﻤﻮﻣﺎ، ﻓﺎﻟﻔﺮد ﻫﻮ ﻣﻜﱢﻮن املﺠﺘﻤﻊ، واملﺠﺘﻤﻊ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻜﻮن اﻻﻗﺘﺼﺎد، ﻓﺈذا ﺻﻠﺢ ﻫﺬا اﻟﻔﺮد ﺻﻠﺢ املﺠﺘﻤﻊ واﻻﻗﺘﺼﺎد ﻛﻠﻪ.