اﻷﺳﻮد واﻟﺬﺋﺎب واﻟﺨﺮاف

ﻳﺘﻮﺟﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺮد إذا أراد اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ واﻟﻘﻴﺎدة أن ﻳﻌﺮف إﻣﻜﺎﻧﺎﺗﻪ وأدواﺗﻪ وﺧﻠﻔﻴﺘﻪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﺤﺎول أن ﻳﺘﻤﻮﺿﻊ ﻓﻲ إﺣﺪى ﻫﺬه اﻟﻔﺌﺎت

ﻳﺮﻣﺰ اﻷﺳﺪ إﱃ اﻟﻘﻮة واﻟﺸﺠﺎﻋﺔ واﻟﻘﻴﺎدة واﻟﺴﻴﻄﺮة، وﻳﺮﻣﺰ اﻟﺬﺋﺐ إﱃ اﻟﺪﻫﺎء واﻟﺬﻛﺎء واﻟﺼﱪ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ أﻫﺪاﻓﻪ، وﻛﺬﻟﻚ ﻗﺪرﺗﻪ اﻟﻜﺒرية ﻋﲆ املﺮاوﻏﺔ. أﻣﺎ اﻟﺨﺮﻓﺎن ﻓﱰﻣﺰ إﱃ اﻟﻮداﻋﺔ واﻟﻨﻘﺎء واﻟﺘﻀﺤﻴﺔ واﻟﺼﱪ ﻋﲆ اﻟﻈﺮوف اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﻬﺎ. داﺋﻤﺎ ﻣﺎ أﺣﺐ أن أﺿﻊ ﻛﺜريا ﻣﻦ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﺤﻴﺎة وﻓﻖ إﻃﺎرات ﻣﺤﺪدة، وﻣﻦ ﺛﻢ أﻋﻴﺪ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ وﻓﻖ ﻫﺬه اﻟﺘﺄﻃريات. ﻫﺬه اﻟﻨﻈﺮة ﺗﻌﻄﻴﻨﻲ ﻓﻬﻤﺎ أدق ﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﺒﺊ ﺧﻠﻒ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﻜﱪى.

ﰲ ﺛﻼﺛﻴﻨﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ، ﻗﺎم ﺷﺨﺺ اﺳﻤﻪ ﺗﻮﻛﻔﻴﻞ ﺑﺮﺣﻠﺔ إﱃ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة اﻟﻔﺘﻴﺔ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ، وﺑﻌﺪ اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻛﺘﺐ ﻛﺘﺎﺑﺎ ﺟﺎء ﻓﻴﻪ: إن اﻟﺒﻠﺪان ﺑﻴﻨﻬﺎ اﺧﺘﻼﻓﺎت ﰲ املﻔﺎﻫﻴﻢ ﺣﻮل اﻟﻔﻘﺮ، ﺣﻴﺚ ﻳﺮى أن ﻣﻮﻗﻒ اﻟﺨﺪم ﻧﺤﻮ اﻷﺳﻴﺎد ﻳﺨﺘﻠﻒ ﰲ املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻋﻨﻪ ﰲ املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ، ﻓﻔﻲ اﻷول ﻳﻌﻴﺶ اﻟﺨﺪم ﻣﺘﻘﺒﻠني ﻟﻮاﻗﻌﻬﻢ ﻋﻦ ﻃﻴﺐ ﻧﻔﺲ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﰲ املﺠﺘﻤﻊ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻳﻌﻴﺸﻮن وﻫﻢ ﻳﺘﺄﻣﻠﻮن ﻗﻔﺰﺗﻬﻢ اﻟﻜﱪى ﻧﺤﻮ اﻟﺜﺮوة واﻟﺼﻨﺎﻋﺔ واﻟﻘﻀﺎء وﺣﺘﻰ ﻧﺤﻮ رﺋﺎﺳﺔ اﻟﺪوﻟﺔ. ﻫﺬا اﻟﺘﺄﻣﻞ ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﻧﺠﺢ ﻣﻊ ﻋﺪد ﺑﺴﻴﻂ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس، إﻻ أﻧﻪ ﻳﻨﻌﻜﺲ ﺑﺴﻮاد ﻣﻈﻠﻢ ﻋﲆ املﺰاج اﻟﻨﻔﴘ ﻟﻬﺆﻻء اﻟﺨﺪم ﻣﻊ ﻛﺜﺮة اﻻﻧﺘﻜﺎﺳﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻴﺸﻮن

ﻓﻴﻬﺎ، وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﻳﻘﻀﻮن ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻣﺨﺘﻨﻘني ﺑﺄرواﺣﻬﻢ وﺑﺂﻣﺎﻟﻬﻢ وأﻣﻨﻴﺎﺗﻬﻢ، ﻣﻤﺎ ﻳﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻴﻬﻢ وﻋﲆ ﺳﺎدﺗﻬﻢ ﺑﺎﻟﺴﻮداوﻳﺔ واﻟﻜﺮاﻫﻴﺔ.

وﺑﻤﺎ أن ﺗﻮﻛﻔﻴﻞ ﻟﻪ ﻧﻈﺮﺗﻪ اﻟﻔﺎﺣﺼﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ اﻷﻣريﻛﻲ، أﻋﺘﻘﺪ أن ﻣﻦ ﺣﻘﻲ أﻳﻀﺎ أن ﺗﻜﻮن ﱄ ﻧﻈﺮﺗﻲ اﻟﻔﺎﺣﺼﺔ ملﺠﺘﻤﻌﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎم واﻟﺨﻠﻴﺠﻲ ﺑﺸﻜﻞ ﺧﺎص. وﻟﺬﻟﻚ أﻋﺘﻘﺪ أن ﺻﻨﺎع اﻷﻋﻤﺎل واملﻨﺘﺠني ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺑﺎﻟﴬورة ﻳﻨﺘﻤﻮن إﱃ ﺛﻼث ﻃﺒﻘﺎت.

اﻷوﱃ: ﻣﺠﺘﻤﻊ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ واﻟﻮزراء واﻟﻘﺎدة اﻟﻌﺴﻜﺮﻳني وﻛﺒﺎر اﻟﺘﺠﺎر وأﻋﻤﺪة اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ، وﻫﻨﺎ أرﻣﺰ ﻟﻬﻢ ﺑﻄﺒﻘﺔ اﻷﺳﻮد اﻟﻀﺎرﻳﺔ واﻟﻀﺎرﺑﺔ، وﻣﻬﻤﺘﻬﻢ ﻗﻴﺎدة اﻟﻔﺌﺎت اﻷﺧﺮى ورﺳﻢ اﺗﺠﺎﻫﺎﺗﻬﺎ وأﻋﻤﺎﻟﻬﺎ.

اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻛﺒﺎر املﻮﻇﻔني ﰲ اﻟﺪوﻟﺔ وﰲ اﻟﻘﻄﺎع اﻟﺨﺎص، واﻷﺛﺮﻳﺎء واﻟﺘﺠﺎر ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ، وأﺑﻨﺎء اﻟﻘﺎدة اﻟﻌﺴﻜﺮﻳني واملﺪﻧﻴني اﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﰲ ﺑﺪاﻳﺔ ﻣﺸﺎوﻳﺮﻫﻢ املﻬﻨﻴﺔ واﻟﻌﻤﻠﻴﺔ. وﻫﻨﺎ أرﻣﺰ ﻟﻬﻢ ﺑﻄﺒﻘﺔ اﻟﺬﺋﺎب، اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮف ﻣﻦ أﻳﻦ ﺗﺆﻛﻞ اﻟﻜﺘﻒ، وﺗﻜﻤﻦ ﻣﻬﻤﺘﻬﻢ ﰲ ﺻﻴﺎﻏﺔ أﻓﻜﺎر اﻷﺳﻮد إﱃ ﺑﺮاﻣﺞ ﻋﻤﻞ ﺗﻨﻔﻴﺬﻳﺔ، ﻛﻤﺎ أﻧﻬﻢ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪون ﻣﻦ ﻫﺎﻣﺶ اﻟﺘﻨﻔﻴﺬ ﺑﺎﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﲆ املﺴﺎﺣﺎت اﻟﻮاﺳﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﻔﻮذ واﻟﺘﺄﺛري.

اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ: ﻣﺠﺘﻤﻊ اﻟﻘﻄﺎع ﻏري اﻟﺮﺑﺤﻲ، واملﻬﺘﻤني ﺑﺎﻟﺘﻄﻮع واﻟﻌﻤﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻹﻧﺴﺎﻧﻲ واﻟﺨريي، واﻟﻌﺎﻣﻠني ﰲ أﻧﺸﻄﺔ وﻓﻌﺎﻟﻴﺎت املﺪن واملﺤﺎﻓﻈﺎت املﺘﻨﻮﻋﺔ. وأرﻣﺰ ﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﺨﺮاف، ذﻟﻚ ﻷﻧﻬﻢ ﻳﺒﺤﺜﻮن ﻋﻦ أﻳﴪ اﻟﻄﺮق وأﺳﻬﻠﻬﺎ ﻟﺘﺠﻤﻴﻞ وﺟﻪ املﺠﺘﻤﻊ وأﻧﺴﻨﺘﻪ، وﻣﺤﺎوﻟﺔ ﺗﺮﺗﻴﺒﻪ ﻟﻴﺘﻌﺎﻳﺶ ﻣﻊ ﻇﺮوف اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ. ﻣﺎذا ﺑﻘﻲ؟ ﺑﻘﻲ أن أﻗﻮل إﻧﻪ ﻳﺘﻮﺟﺐ ﻋﲆ اﻟﻔﺮد إذا أراد اﻟﺘﺄﺛري واﻟﻘﻴﺎدة، أن ﻳﻌﺮف إﻣﻜﺎﻧﺎﺗﻪ وأدواﺗﻪ وﺧﻠﻔﻴﺘﻪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺘﻤﻲ إﻟﻴﻬﺎ، وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﺤﺎول أن ﻳﺘﻤﻮﺿﻊ ﰲ إﺣﺪى ﻫﺬه اﻟﻔﺌﺎت. ﻛﻤﺎ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺪرك أﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺴﻬﻞ أن ﻳﻨﺰل ﻣﻦ اﻷﻋﲆ إﱃ اﻷﺳﻔﻞ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ أن ﻳﺮﺗﻘﻲ ﻣﻦ اﻷﺳﻔﻞ ﻟﻸﻋﲆ، وﻫﺬا ﻫﻮ ﻣﺎ اﻧﺘﺒﻪ وﺗﺤﺪث ﻋﻨﻪ ﺗﻮﻛﻔﻴﻞ وﻟﻮ ﺑﺸﻜﻞ آﺧﺮ، ﺣﻴﺚ أﺷﺎر إﱃ أن اﻟﺤﻆ واﻟﻔﺮﺻﺔ ﻗﺪ ﻳﴬﺑﺎن ﻣﻊ أﺷﺨﺎص ﻣﺤﻈﻮﻇني، أﻣﺎ اﻟﻐﺎﻟﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﰲ اﻷﺳﻔﻞ وﺗﺮﻏﺐ ﺑﺄن ﺗﺮﺗﻔﻊ ﻟﻸﻋﲆ ﺑﺤﺜﺎ ﻋﻦ اﻟﺴﻄﻮة واﻟﺴﻴﻄﺮة واﻟﻨﻔﻮذ واملﺎل، ﻓﺈن ﻣﺤﺎوﻻﺗﻬﺎ ﺗﻌﻮد ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﴪة واﻷﻟﻢ. ﺣﺴﻨﺎ، أﻳﻦ ﻣﻮﻗﻊ اﻹﻋﻼﻣﻴني ورﺟﺎل اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ؟ ﻗﻠﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﰲ اﻷﻋﲆ، وﻋﺪد أﻛﱪ ﺑﻘﻠﻴﻞ ﰲ اﻟﻔﺌﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ وﺗﻄﻤﺢ إﱃ أن ﺗﺄﺧﺬ ﻓﺮﺻﺘﻬﺎ ﻣﻊ ﻣﻦ ﻫﻢ ﺑﺎﻷﻋﲆ، وﻛﺜري ﻛﺜري ﻳﻤﻮج ﻣﻊ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ. واﻟﻨﺎس، أﻳﻦ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﻨﺎس؟ ﻫﻢ ﺗﺒﻊ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻔﺌﺎت.