Al-Watan (Saudi)

التناقضات شيء مفيد

- عبدا, فدعق

كل عاقل آتاه الله نصيبا من الحكمة لا شك أنه يعلم، أو ينبغي أن يعلم أن القضاء على الاختلافات الدينية أو المذهبية أو العقائدية أو الفكرية ليس أمرا متاحا، وقد يكون مستحيلا، والصحيح في التعامل معها ينحصر في إدراك خطورة تحويل هذه الاختلافات إلى فتنة، وخطورة إقصاء المختلفين، وخطورة عدم احترام التعدديات، وخطورة الغفلة عن نشر ثقافة »الرأي والرأي الآخر..«

من يفتش سيجد أن التعدديات ليس مخالفة للتعاليم، ولا حتى للدين، وكرامة الإنسان محفوظة، وينبغي أن تصان من أن يسيطر عليها من يريد الاستحواذ عليها، من جماعات التطرف والتزمت والتشدد، وأحزابه المختلفة، الذين سيطروا ويسيطرون على الخطاب الديني، وقلوبهم مليئة بالتراكمات التاريخية، وعقولهم غير خالية من المفاهيم الخاطفة للدين، والمنحصرة عندهم وللأسف في قالب واحد، ملخصه نزع الدين والتدين عن أي أحد لا يوافق هواه هواهم.

المجتمعات المتحضرة، في المشارق والمغارب عليها العمل ضد مسببات التوتر الحياتية، وخصوصا إن كانت متعلقة بالأفكار والآراء، والمعتقدات والمذاهب، ومن يريد الخير منا لغيره، عليه أن يعمل جادا ضد الصدام والخصام، والنزاع والصراع، والقسوة والجفوة، والبغض والكراهية وعلينا أن نسهم في أن يدرك من حولنا حقيقة الحياة اليوم، وواقع العالم الآن، وأن التعايش ليس مجرد شعارات، بل هو أمر لازم ومصيري، ولا يكون إلا وفق المصالح المشتركة، والإرث الإنساني الواحد..

اليوم، لا أجد تحديا في مجال الاختلافات المذكورة سابقا أكثر أو أكبر من العمل الجاد والمخلص على إزالة وهم التناقضات السلبية بين الناس، وأجده السبب الرئيس في تطاول الناس على بعضها، ورمي المختلف، وخصوصا في المسائل الشرعية الفرعية، بالفساد والمروق أو حتى الابتداع، وتصوير الدين وكأنه أداة للقمع وللمصادرة وللتسلط وللتحجيم، وكأنهم نواب عنه وناطقون باسمه، أو أنهم أصحاب الحق في التحكم بعقول من حولهم.

اليوم، وكل يوم قادم، علينا أن نقتنع في السر قبل العلن، بأن حق أتباع الأديان وكل الطوائف ومختلف الجماعات في بلادنا وبلدان الإسلام المتنوعة واحد، وعلينا أن نشجع التناقضات الإيجابية، وأن نترك كل إنسان يدافع عن صواب فكره، وما يعزز موقفه، وما يحرره من الانغلاق والصراع؛ فالمجتمعات السليمة لا تحييها إلا جدليات المتناقضات، شريطة أن تكون هذه الجدليات متسقة مع قيم وأخلاقيات تؤدي إلى تعدديات سليمة، تهتم بالهويات الثقافية، وتحافظ في الوقت ذاته على الخصوصية، وتشجع الجميع على انفراداتهم ومعتقداتهم وشعائرهم، من خلال مساحةٍ توافقية جامعة وواسعة، تعيد ثقة الناس بأنفسها وبتاريخها،

علينا أن نشجع التناقضات ا-يجابية، فالمجتمعات السليمة لا تحييها إلا جدليات المتناقضات، شريطة أن تكون متسقة مع قيم وأخلاقيات تؤدي إلى تعدديات سليمة.

وتحول عقولهم إلى عقول واعية، ونفوس تطيق المختلف عنها دينياً، أو مذهبياً، أو فكريا، ولا تحكم على أي ممن عداهم بأنه مغضوب عليه وضال؛ ومنه سبحانه التوفيق في البعد بالناس عن كل ما يؤدي بهم إلى الخلاف والعصبية والفوقية والقطيعة.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia