المنطلقات الفكرية في تجربة الراجحي

سادت الموضوعات الاجتماعية ذات الطابع التربوي بصورة واضحة في كتاباته، وازدادت وضوحًا في كتابه الأخير (أغلب الظن).

علاقتي بالمفكر والأكاديمي والروائي الدكتور خالد بن سليمان الراجحي علاقة ثقافية تكرست أثناء كتاب والده الشيخ سليمان بن عبدالعزيز الراجحي (سليمان الراجحي منظومة حياة).

فقد كان حينها أحد أعضاء الفريق العلمي المشرف على الكتاب والمتكون من الدكتور محمد بن سليمان الراجحي، والمهندس أحمد بن سليمان الراجحي، والمهندس عمر بن سليمان الراجحي.

فعندما شرعنا في الكتاب وبدأنا تقديم محاوره الأولى أدركنا أننا أمام شخصيات قيادية ومفكرة ومطورة وفعالة يجمع بينهم أنهم مفكرون وخبراء ومتخصصون وتحويليون جلسوا في أعلى المناصب القيادية والتنفيذية فعاشوا المفارقة بين الإنتاج والمسؤولية.

اقتضت خطتنا في الكتاب أن نقدم الشيخ سليمان الراجحي كما هو بلا إضافات أو استثناءات، فالتعريف الذي منحتنا إياه شخصيته كان أقوى من أي تعريف آخر، وبخاصة في قدرته على أن يكون كما هو في مختلف مراحل حياته وفي أحواله وظروفه ولعل ما منحه دلالة عميقة وعلامة فارقة وقبولًا مشروعًا أنه دومًا هو نفسه لا يحيط نفسه بأي صفة ما، فقد كان واضح الوجهة واثق النفس عميق الفهم ثابت المبدأ ملازمًا لهدفه، وهو بالإضافة إلى ذلك شخصية فذة فريدة ذا نبل رفيع وهمة عالية وعزيمة قوية مقرونة ببساطة لا تعرف التكلف ذا تأثير قوي على حياته يبدو له كل شيء ممكنًا يمضي في الأشياء إلى نهاياتها.

فكان الكتاب الأكثر موضوعية ومصداقية في النسيج المعلوماتي والمنهجية العلمية قراءة ودراسة ورصدًا وتوصيفًا وتحليلًا واستقراءً واستخلاصًا للحقائق وإنزال للتجربة على الواقع بحيادية وموضوعية ورؤية علمية وقدر عال من الدقة وفق مقتضيات البحث العلمي وضمن السياق التاريخي.

في تلك الأثناء وعند هذا الطور بدت لنا ملامح شخصية الدكتور خالد الراجحي الثقافية عبر مراجعته الدقيقة للكتاب وإضافاته النوعية واستقصائه واستنتاجاته وملاحظاته والتي عكست البعد الفكري والثقافي لشخصيته

وبرغم أنه خضع في تكوينه إلى مرجعية اقتصادية – وقيادية شاملة سواء من خلال دراساته ومحاضراته أو من خلال خبراته وتجاربه وعضوياته لمجالس مجموعه من الشركات فإنه في الوقت نفسه تداخل مع الثقافة تداخلًا فعليًا تنظيرًا وإنتاجًا.

فالذي يطلع عن قرب أو بعد على تجاربه يقف على رؤية توفيقية بين الفكر والإدارة والاقتصاد، فقد تلاقت تلك التجارب والاختصاصات في وعيه، وامتزجت لتكون فنًا قائمًا بذاته، ولذلك لم يكن كاتبًا فحسب، بل كان مفكرًا وأكاديميًا، واقتصاديًا، ومؤرخًا اجتماعيًا وروائيًا، تتسم كتابته وأطروحاته بطابع الحياد والاتزان، والوضوح.

فقد كان لديه مشروع معرفي راكمه على مدى سنوات طويلة، أثمر تراثًا نوعيًا على المستوى النظري والتطبيقي، وكميًا على مستوى التأليف والكتابة.

وإن كان توجهه إلى الأدب الروائي ساعده في توسيع مداركه ومكنه من إدخال موضوعات جديدة وسمات فنية وأساليب تعبيرية جديدة.

دارسو أطروحاته يقولون: إنه يعتمد في كتاباته ودراساته على البساطة والترابط المعنوي والفكرة الذكية ككاتب مستنير يضيف بعًدا التزاميًا وفنيًا لكتاباته وأطروحاته معبرًا عن عالمه المتفرد آخذًا في الاعتبار حاجات القارئ.

إن أدق وصف منهجي لكتاباته أنها تنساب بتدفق وامتلاء، تداخل مع الثقافة تداخلًا نوعيًا، فكان ذا ثراء ثقافي وفكري على صعيد الإنتاج المعرفي، يسعى وفق منهجية علمية لتبسيط الواقع، ويقدم ما لديه برؤية وطرح رصين وتدقيق منهجي ونظرة عميقة، يكتب في الاقتصاد والتاريخ والفلسفة والاجتماع والأدب والإدار وتطوير الذات.

فمنذ نشر كتابه الرائع [جسر من ضوء] عام 2013 - والذي هو في الواقع تأملات لطالب مغترب يدرس الدكتوراة في جامعة قلاسقو Glasgow][ في بريطانيا - حظيت كتاباته بانتشار واسع فبعد عام من كتابه الأول نشر في عام 2014 كتاب [دروب مختلفة]. وفي عام 2015 نشر كتاب [قاع الفنجان]. وفي عام 2016 نشر رواية [سر الجبل]. وقد نشر في تلك الفترات التاريخية وما بعدها سلسلة كتابات وأطروحات تمثل المحاضرات التي كان يلقيها على طلابه في كلية إدارة الأعمال بجامعة اليمامة أو المحاضرات والأوراق العلمية التي يشارك بها في الندوات والمؤتمرات والمنتديات الاقتصادية.

في عام 2020 نشر كتاب [وجدتها.. محاولات في استخدام العقل والمنطق للوصول إلى حقيقة الأشياء]. وفي عام 2023 نشر كتاب [أغلب الظن.. البحث في أسرار العلاقات الإنسانية].

وفي عام 2023، أسس [عبق] بالتشارك مع الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي والدكتور فهد العليان.

وهي مؤسسة أهلية غير ربحية، تهدف إلى تقديم مبادرات ودورات في مجال اللغة العربية، وذلك من خلال التدريب النوعي للشباب في مهارات اللغة العربية، وتكريم المتميزين من رواد الثقافة واللغة والأدب وعقد دورات علمية في اللغة العربية وورش تدريبية حول الإلقاء والخطابة والتقديم إذاعيًا، ومسرحيًا، وجماهيريًا.

تكشف تلك المؤلفات والدراسات والمحاضرات والمبادرات عن تنوع ثقافته ومنهجية طرحه وعمق مضمونه وفكره المنفتح.

وقد سادت الموضوعات الاجتماعية ذات الطابع التربوي بصورة واضحة في كتابات الراجحي، وقد ازدادت وضوحًا في كتابه الأخير [أغلب الظن] والذي اتسم بمعالجات سلوكية راعت الذوق السائد وإن كانت الرواية الواقعية الصنف الأدبي المهيمن على كتاباته فرواية [سر الجبل] تعد واحدة من أعمق ما كتبه في الفن الروائي، فقد صور بمهارة فائقة شخصيات روايته. ولعل تلك الرواية كما هي في معظم أطروحاته ودراساته ومشاريعه الثقافية الأخرى تميزت بالترابط المنطقي والمنهجية العلمية الحديثة.

عبدا: الزازان