Al-Watan (Saudi)

أضواء على »النور وتربية« وتعليمية اللغات

- مصطفى بوعناني*

أصبحت معالجة المعلومات وعمليات التعلم، منذ خمسينيات القرن العشرين، موضوعًا للعديد من الدراسات في مجال العلوم المعرفية Cognitive) .(Sciences وقد أسهمت الطفرة البحثية النوعية في مجال تصوير الدماغ، وخصوصًا ما يتعلق بالتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، في تعزيز مدركاتنا العصبية الدقيقة حول الأداء الحركي أو اللفظي للدماغ في مواقف التعلم، ما فتح الطريق أمام أعمالٍ أخرى تروم فهمًا أدق لمجموع المسارات الذهنية التي تقتضيها شروط معالجة المعلومات اللسانية في الدماغ في أثناء مسارات التعليم والتعلم Borst) ‪Cassot 2022‬ .(& واعتبارًا لذلك، سيعرف العام 2007، ميلاد الاسم الرسمي للنوروتربي­ة في أعقاب تقرير »منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية« OCDE):( »فهم الدماغ، ولادة عِلم جديد للتعلم«؛ وهو ما أفضى إلى قيامِ روابط تكامل جديدة بين النورولوجي­ا (عِلم الأعصاب) والتعليم والتعلم وفق اقتضاءات علمية تفاعُلية يستوعبها المجالُ الأرحب للعلوم المَعرفية. يتبدى للباحثين المختصين في مجال التربية وتعليمية اللغات ‪2007 Ehri)‬ - Gaonach & Fayol ‪2014 Fezjo -2016 Collès -2007 Griggs‬ 2002 - Bange & Carol،( من خلال ما أفرزته نتائج أبحاثهم المتصلة بتعزيز إدراكات اللغة تعليمًا وتعلمًا، خلال السنوات الأخيرة، أن بلورة المشروعات البحثية حول التربية والتعلم يجب أن تعتمد رؤيةً معرفية Cognitive)( تستمد مشروعيتها من النتائج المبهرة التي تمدنا بها اللسانيات، والتربية، والسيكولوج­يا، والتعليمية، والنورولوج­يا.. في آخر نماذجها العلمية المتفاعلة والمتكاملة مع ما أنتجته من ثوابت نظرية، وخطوات إجرائية إمبريقية تعزز جوهر الاشتغال بيداغوجيًا وديداكتيكيًا على تعليم اللغات وتعلمها وفق مظاهر البعدين: القرائي/ النطقي، والكتابي/ الخطي. أدت هذه المعرفة الجديدة التي أفرزتها مظاهر مختلفة من إمكانيات التقاطع المقررة بين النورولوجي­ا (علم الأعصاب) والتربية، إلى ظهور مجال »النوروتربي­ة« Neuroeduca­tion)) ‪Grabner 2012‬ & ‪Ansari, Smedt‬ ،(( الذي يهتم بدراسة بعض القضايا التعليمية على مستوى التحليل الذي كان من الصعب الوصول إليه في السابق: ألا وهو المستوى العصبي Masson) 2012)، إلا أن هذا المجال لا يسعى إلى تحديد الآليات المرتبطة بالتعلم الأكاديمي والتدريس فحسب، بل يسعى أيضًا إلى البحث عن الطرائق التي تفضي بها معرفتنا بهذه الآليات، إلى توفير أدلة علمية جديدة لتسهيل تعليم المتعلمين بشكل أفضل ‪.(Masson 2014a)‬ يتمثل التحدي الأهم للنوروتربي­ة، في الوقت الحالي، في تعميق الحوار العلمي بين المختصين في مجالات التربية، واللسانيات، وعلوم الأعصاب، وتعليمية اللغات.. وإنشاء لغة مشترَكة تنهل من معين علوم الدماغ، ويتسع مدى إدراك مسالك التفاعل والتكامل العلمي بينها وبين التربية على نطاق أوسع في الدوائر التعليمية. ومن هنا تأتي الحاجة الماسة إلى مختصين يتقنون التواصل المشترك عبر التخصصات، ويدركون عمق خطوط التماس المقرَّرة بين كل هذه العلوم لتعزيز فهمنا لها، وإدراك شروط الاستفادة منها في تعزيز إستراتيجيا­ت التعليم والتعلم في كل مظاهره، وبكل مضامينه. وعلى الرغم من أن صناع القرار في مجال التربية، وواضعي الهندسات البيداغوجي­ة يدعون إلى ممارسات تربوية سليمة علميًا، وتستند إلى الحقائق العلمية التي يقدمها علم الأعصاب، بخصوص المعالجة الذهنية للمعلومات اللسانية في أثناء الفعل التعليمي التعلمي، إلا أن هناك إجماعًا ضئيلاً على ضرورة الانخراط النوعي والمكثف في مسلك اعتماد الأسس المفاهيمية والمنهجية لكل الجهود العلمية التي تفرزها الممارسات البحثية في هذا المجال. * أستاذ اللسانيات وديداكتيك اللغات - جامعة سيدي محمد بن عبد الله المغرب * ينشر بالتزامن مع دورية أفق الإلكتروني­ة.

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia