مجرد استثناء أم مؤشر

في 28 يناير، هاجم مسلحان من تنظيم »داعش« »كنيسة سانتا ماريا« الرومانية الكاثوليكية في إسطنبول، مما أدى إلى مقتل شخص وإصابة آخر. وكانت هذه أول عملية ينجح التنظيم في تنفيذها في تركيا منذ الأول من يناير 2017، عندما قُتل ثلاثةٌ وتسعون شخصاً وأصُيب تسعةٌ وسبعون آخرون بجراح في إطلاق نار في ملهى »رينا« الليلي. وكان يمكن أن تكون حصيلة ضحايا الهجوم على الكنيسة أكبر بكثير لو لم تتعطل أسلحة الجناة، مما حال دون وقوع مأساة أكبر.

لقد فصلت فترةٌ طويلة نسبياً بين هجومَي »داعش« المذكورين، لكن هذا لا يعني أن التنظيم ظل مكتوف الأيدي خلال تلك الفترة. فقد حاولت شبكات العمليات الخارجية التابعة للتنظيم في سوريا وأفغانستان أن تشن هجماتٍ على تركيا خلال السنوات السبع الماضية، ولكنها فشلت. كما تمكنت السلطات التركية من إحباط عديد من المؤامرات الداخلية. وبالفعل، يكشف حجم هذه المخططات عن قدرة أنقرة على إحباط مساعي التنظيم الرامية إلى تقويض الأمن في تركيا.

مع تدفق آلاف المقاتلين الأجانب من سوريا وإليها، عجزت أنقرة عن وقف تسلل الإرهابيين عبر حدودها. ومع ذلك، فحالما بنت تركيا جداراً حدودياً ضخماً وحصلت على معلومات استخباراتية حول هؤلاء الأفراد من حكومات أخرى، فعندئذ تمكنت من التعامل مع هذا التدفق بفعاليةٍ أكبر.

رغم أن مقاتلي تنظيم »داعش« يخططون للهجمات وينفذونها في تركيا منذ عام 2014، فإن التنظيم لم يعلن عن وجود »ولاية تركيا« التابعة له إلا في أبريل 2019. وجاء هذا الإعلان في مقطع فيديو ظهر فيه قائد »داعش« آنذاك أبو بكر البغدادي وهو يستلم تقارير من »ولايات« التنظيم المختلفة حول العالم. ومن بين الملفات التي تسلّمها كان ملف وارد من »ولاية تركيا« التي لم تكن معروفة سابقاً.

ومن الملفت أن أنقرة أعلنت في 10 مايو 2023 عن اعتقال زعيم »ولاية تركيا« شهاب فاريس، متهمةً إياه بالتورط في مؤامرات داخلية متعددة. وأشار الإعلان إلى أن الفرع كان يعمل في السر، ولو أنه لم ينفذ أي أنشطة دعائية. وهكذا نجحت الولاية المذكورة بالاختراق بشنها هجومٍ ناجحٍ بعد إحباطاتٍ متكررة على يد السلطات التركية. ويبقى السؤال ما إذا كان هذا الحدث مجرد استثناء أم مؤشراً على نمطٍ قادم وفي الوقت نفسه، يجب أن يكون الهجوم على الكنيسة بمثابة تذكيرٍ قوي لواشنطن، لأن تنظيم »داعش« سيواصل حربه ضد الغرب بصرف النظر عن رغبة هذا الأخير في الانتهاء من حربه على التنظيم.