Al-Watan (Saudi)

العقل العربي إما مراهق أو مستكين

- مجاهد عبدالمتعال­ي mujahed@alwatan.com.sa

لن تجد مبحثاً يثير العقل مثل مبحث (العقل) نفسه، فهل تكتفي بمشروع الجابري الذي استبطن ابن خلدون في أطروحته ما بين مشارقة ومغاربة، لينقض طرابيشي هذه (القسمة الضيزى) حجراً حجراً، فتعود إلى حاضرك لتجد أن الوصف الأقرب في العقل العربي (الحالي) أنه عقل (مراهق) والمراهقة هنا نعني بها (أعراض استقطاب نفسي وذهني شديد بين زمنين ومرحلتين ينتج عنها تصرفات مضطربة متناقضة) فتراها تشتم (المركزية الغربية) باستعارات من (النقد الغربي لنفسه)، فحتى كتاب (الاستشراق) لإدوارد سعيد ليس إلا تصويبا علميا لمنهج (بعض) المستشرقين يستفيد منه كل صاحب دراسات إنثربولوجي­ة في كندا أو الصين أو البرازيل، لينقلب على يد (العقل العربي) إلى مجرد اجتزاءات مبتسرة لإطروحة ردح مضادة يتبرأ منها إدوارد سعيد نفسه لأنها على يد (العقل العربي) لم تعد علمية بل أيديولوجيا تعبوية، ثم ينتج هذا العقل العربي (ظاهرته الصوتية) عبر مركزية عربية (دينية) تزعم أنها مبتدأ التاريخ الحضاري للبشرية جمعاء، والمصيبة أن هذه المركزية العربية الدينية مستعارة أيضاً من أبحاث (المستشرقين) في التراث العربي والإسلامي؟!!

العقل العربي الحالي هو خارج العصر الصناعي عدا أن يتفهم متطلبات هذا العصر ثقافياً، كيف لوعيه أن يحتمل ضغوط العصر الرقمي الحالي، فما زال حتى هذه اللحظة ينتمي في مواعيده ومواقيته إلى الزمن الزراعي بالمعنى البدائي، يقول أحدهم (قابلني قبل الظهر، أو نلتقي بعد العصر.... الخ) وعندما تخبره أن هذا التوقيت غير منضبط وينتمي (للعقل الزراعي) المرتبط بالظواهر الشمسية من شروق وغروب وهو أقل دقة بكثير من التوقيت المرتبط بما أنتجه (العقل الصناعي) فالثورة الصناعية بدأت تحرص على ساعات العمل بتحديد أكثر مما انعكس على السلوك اليومي المعتاد (نلتقي الساعة العاشرة صباحاً، أو نلتقي الساعة الرابعة مساءً)، عندما تخبره بكل هذا يقول لك هامزاً لامزاً متترساً بتابو الدين: وهل مواقيت الصلاة مرتبطة بالعهد الصناعي أم بالعهد الزراعي، وهنا تحضر الدهشة من سؤاله الذي يؤكد أن العقل العربي (عقل مراهق) فهو مشدود إلى قاموسه (الزراعي) في تحديد مواعيده التي تقبل التأخير والزيادة إلى قرابة الساعة وربما أكثر، ومشدود من جهة أخرى بالقفزة الأكبر لما بعد الحداثة في تجاوزه لجدول التقويم الذي يحدد أرقام ساعاته ودقائقه (علماء الفلك)، وارتباطه بتطبيق يقوم بتحميله على الجوال (تطبيق صلاة!!)، يقوم بتذكيره بمواقيتها (الآذان الآلي)، وطبعاً يتم تحميل هذا التطبيق كسلوك (استهلاكي) فقط، ونقول (استهلاكي) لأن زيادة تحميل التطبيق لن يؤثر في زيادة عدد المصلين في المساجد، ولن يزيد في حساسية (الفرد) بقيمة (الوقت) مثلها مثل (الساعة الرياضية الذكية) التي لا يعني زيادة مبيعاتها زيادة الرياضيين في المجتمع.

هل هذا المثال الصغير تريد تعميمه على العقل العربي لتربطه بالعقل الزراعي البدائي وتصفه بالمراهقة؟! أليس في هذا مبالغة وإسفاف تاركاً إرثاً من الخلاف البرزخي ما بين (العقل البرهاني) و(العقل العرفاني) وفق توصيف الجابري، فتمد رجليك لتخبر (المذاكرين كويس) أن توصيفات الجابري ليست سوى تأريخ للعقل العربي قبل (مراهقته) ـــــ لو سلمنا بها ولم نقف مع طرابيشي ـــــــ واجترار منتجات هذين العقلين إلى زمننا هذا ما بين سلفية مستحدثة على لسان (الغزاليون والتيميون الجدد) وهم جماعة تتعامل مع اجتهادات الغزالي وابن تيمية (الكلامية) باعتبارها (نصا) يمكن تحميله تأويلات فلسفية تضاهي ما طرحه رموز التنوير الأوروبي الحديث كنوع من استعادة (لعبة الإعجاز العلمي) القديمة لكنهم استبدلوا النص المقدس بأقوال الغزالي وابن تيمية، وسايرهم في ذلك (طالبي الرزق بالعلم من أساتذة الفلسفة من بعض المغاربة)، وهذا عمل أيديولوجي وليس علميا بتاتاً لأنه يقفز على التاريخ العلمي للفلسفة بشكل فج يجعلك ترى في (بريد الحمام الزاجل) أيام العباسيين نفس إمكانيات ودلالات (البريد الإلكتروني) لمجرد أنهما (يوصلان الرسائل؟!!)، ويقابلها صوفية مستحدثة/هايدغرية على لسان طه عبدالرحمن وأمثاله، وكل هذا يؤكد مراهقة هذا العقل الذي بقي مرتبطاً بمخرجات (الأورغانون) القديم لأرسطو، مهما حاول كثير من المفكرين العرب استثمار (ابن رشد) كنوع من البحث عن الأصالة الفكرية ذات الهدف (البيداغوجي/ التعليمي) أكثر من حقيقتها العلمية.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia