Al-Watan (Saudi)

قراءة في تحولات المصطلحات بين الديني والفلسفي

-

درج بعض علماء الاجتماع الديني والثقافي والأنثروبو­لوجي والمؤرخون الاجتماعيو­ن والباحثون على إطلاق مصطلح ) RELIGION( »دين« على كل ما له علاقة بالأديان والمعتقدات والروحانيا­ت والفلسفات، يدخل في ذلك الديانات السماوية، والفلسفات الهندية، والصينة، واليونانية، واليابانية، والفلسفات التقليدية الأفريقية، والفلسفات القديمة والحركات الفلسفية الجديدة، الأ أن ذلك لم يلق إجماعًا أو استحسانًا على النطاق الديني

فالدين والفلسفة منفصلان عن بعض لأن مصدرهما مختلف فالدين مصدره الوحي والفلسفة مصدرها العقل.

فكلمة دين مثلا في اللغة العربية يقابلها في اللغات الأوروبية كلمة RELIGION، ولكن هذه الترجمة مع ذلك تظل قاصرة ولا تفي بمعنى الدين والديني في سياق اللغة العربية والثقافة الإسلامية على وجه الدقة.

وقد تطرق كتاب جوانب من الدراسات الحديثة لهذه المسألة بشيء من التوسع كما ناقشها كتاب آراء في العلمانية والدين والديمقراط­ية.

ويجدر بنا ألا ننسى هنا أن المفاهيم هي بشكل أو بآخر نتاج الفضاء الثقافي والوعاء اللغوي وأنماط الحياة التي انصهرت ضمنها، وقد سبق لابن تيمية أن انتبه إلى هذه الإشكالية منذ وقت مبكر، وذلك في معرض رده على ادعاء الغزالي أن علم المنطق اليوناني آلة كونية ومحايدة تعصم الذهن من الخطأ بحسب تعبيره، مبينًا مقابل ذلك أن المنطق اليوناني وعلى نحو ما قعد أصوله أرسطو في علم القياس ليس إلا استخراجًا غير واعٍ من نظام الثقافة وبنية اللغة اليونانيين، بما يجعل من التعسف إضفاء طابع الكونية والحيادية على هذا العلم، على نحو ما ادعى الغزالي.

أما كلمة RELIGION المستخدمة في جل اللغات الأوروبية تقريبًا فتعود إلى أصول رومانية وثنية، قبل أن تنتقل لاحقًا إلى الاستخدام المسيحي، ومنها إلى بقية اللغات القومية الأوروبية.

فقد كان الرومان يطلقون على ممارسة طقوسهم وشعائرهم الوثنية RELIGIO. وحينما قام سان جيروم بترجمة الإنجيل إلى اللاتينية في أواخر القرن الرابع الميلادي، نقل مع هذه الترجمة كلمة RELIGION على نحو ما استقر عليه المعنى الأصلي في البيئة الرومانية التي تشيع بها.

وهكذا أصبح المصطلح يحيل على الصلوات والأدعية وما يرتبط بها من طقوس وشعائر مسيحية تمارس في الكنائس وتشرف عليها طبقة القساوسة والرهبان وذلك على منوال الطقوس والشعائر التي كانت تمارس في المعابد الوثنية الرومانية وتتصدرها طبقة الكهنة. وبهذا المعنى فإن مفهوم RELIGION وعلى نحو ما هو مستخدم في السياق المسيحي الكنسي، لم يخرج عن الخطوط العامة للتصور الوثني الروماني، بل يمكن أن يقال إنه مفهوم روماني مسيحي.

أما إذا انتقلنا إلى السياق العربي الإسلامي، فإن كلمة ديني تتجاوز الجانب الحصري للصلوات والأدعية الممارسة في المحل الديني لتطال مجالات تعبير وسلوك أوسع مدى.

وبالرغم من أن مفهوم الديني شديد الصلة بالغيب فإنه لا يتطابق ضرورة مع الروحاني والغيبي على نحو ما توحي بذلك التسمية الأجنبية، فالديني ضمن السياق القرآني وعلى نحو ما هو مستخدم في الخطاب الفقهي عمومًا يرتبط بمختلف مواقع الحياة، أي هو شرعة ومنهج بالتعريف القرآني. كما أن مفهوم العبادة في التصور الإسلامي العام لا ينحصر في أداء الشعائر الدينية ضمن حيز ديني مخصوص بقدر ما هو سلوك انبث في مختلف مواقع الحياة.

 ?? ?? عبدا4 الزازان
عبدا4 الزازان

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia