Al-Watan (Saudi)

يعيد »سي السيد« إلى البيوت

- نجران: وفاء فهد

تحولــت شــخصية »سي الســيد« التــي ابتكرهــا الأديــب الراحــل نجيــب محفــوظ في ثلاثيتــه الشـهيرة إلى أيقونـة تعـبر عـن نمـط الرجـل المتحكم الآمــر الناهــي الشــديد القــاسي في البيــت، وعــلى الرغــم مــن اختــلاف الزمــن عــن زمــن ظهــور تلــك الشــخصية الأيقونيــ­ة، وعــلى الرغــم مــن التطــورات اللاحقــة التــي شــهدتها المجتمعــا­ت العربيــة، ومنهــا الســعودي عــلى وجــه الخصــوص، فــإن بعــض الأزواج والآبــاء سرعــان مــا يظهــرون عــلى هيئــة »سي الســيد« عنــد إحالتهــم إلى التقاعــد، حيــث يدخلــون مرحلــة عمريــة تشــعرهم بالعجــز، وتدفعهــم للمبالغــة في إظهــار تحكمهــم . تتحــدث، بدريــة أم عبداللــه، عــن التغــير الــذي أصــاب زوجهــا بعــد التقاعـد، وتقـول »كان العمـل يشـغله عــن التدقيــق بالتفاصيــ­ل، وبعــد التقاعــد أصبــح ينزعــج حتــى مــن صــوت أقدامنــا عنــد المــرور قــرب بــاب غرفتــه؛ ولكونــه لا يتقــن عمــلا بجانــب وظيفتــه الســابقة، صــار يصــب جــام غضبــه علينــا، أحــاول جاهــدة اقــتراح بعــض الأعمــال التطوعيــة أو التجاريــة عليــه ليخــرج مــن دائــرة انزوائــه عــلى نفســه، والتقليــل مــن تصادمــه مــع أفــراد المنــزل، لكــن أغلبهــا لا تجــدي.« أمـا نـورة فتقـول »كان زوجـي قليـل الخــروج مــن المنــزل خــلال حياتــه في الوظيفــة، وكنــت أرى أنــه رجــل طبيعــي أثنــاء غضبــه أو فرضــه لبعــض الضوابــط عــلى الأسرة لكونــه منــذ شــبابه رجــلا مزاجيًــا ومتقلبًــا، لكــن مــع اقترابــه مــن ســن الــ60، وهــو ســن التقاعــد مــن الوظيفــة أخــذت ألحــظ عليــه تكــراره لكلمــات لــم يكــن يســتخدمها ســابقًا حتــى مـن بـاب المـزاح، فصـار يكـرر »هـذا بيتـي.. حـلالي«، وصـار يطـرد أبنائـه الذكــور مــن المنــزل عنــد أي نقــاش ولأتفــه الأســباب، ثــم يتراجــع بعــد ســاعات قليلــة عــن تصرفاتــه التــي مــن الواضــح أنهــا تزعجــه كمــا تزعجنــا .« يوضــح ماجســتير الإرشــاد النفــسي، عــلي فهــد آل الحــارث، أن بعــض الرجــال يبالغــون في الصرامــة، وفــرض القواعــد غــير المتســاهل­ة في الأسرة، وذلـك لأسـباب عـدة منهـا مـا يتعلـق بالتنشـئة، حيـث يلعـب القلـق مــن الخطــأ أو الفشــل دورًا مهمًــا في هــذا الجانــب نتيجــة تدنــي تقديــر الــذات، فيمــا المفــترض أن يتقبــل الجميــع الخطــأ والاســتفا­ده منــه. كمــا أن بعــض العوامــل الوراثيــة تقــود إلى فــرض تلــك القواعــد الصارمــة بداعــي أنهــا كانــت مفروضــة في العائلــة مــن قبــل، ناهيــك عــن بعــض العبــارات مثــل »القســوة تصنــع الرجــال«، والتــي تهـدم كثـيرًا مـن الرضـا عـن النفـس، حيــث تولــد القســوة شــعورًا بالنبــذ وعــدم المحبــة. يشـدد آل الحـارث عـلى أن المشـكلة تتفاقـم عنـد التقاعـد، حيـث يحـرص بعض الرجــال عــن وضــع ضوابــط والتزامــا­ت جديــدة للتوفــير وتقنــين الاســتهلا­ك نتيجـة قلقهـم مـن عـدم التمكـن مـن توفـير المتطلبـات والاحتياجـ­ات المنزليـة بسـب نقـص المرتـب بعـد التقاعـد. كمــا أن المتقاعــد يحتــاج إلى إثبــات وجــوده والتأكيــد عــلى إشــعار الآخريــن بأهميتـه، فيلجـأ إلى القسـوة وفـرض التزامـات يريـد مـن خلالهـا القـول إنـه يتحكــم بالمســؤول­ية. يؤكــد آل الحــارث أن بعــض المتقاعديـ­ـن يرفــض تقبــل وضعــه الجديــد، ويعـارض الاقتنـاع بـأن إمكانياتـه لـم تعـد مثلمـا هـي حـين كان شـابًا، فيلجـأ هنـا لمهاجمـة الآخريـن بنـاء عـلى مشـاعر التهديـد التـي تعتمـل داخلـه، والتـي يعانــد مــا تقولــه لــه بإنــه فقــد قوتــه أو كلمتــه أو وجــوده كشــخص ذي صلاحيــة. ويبـين أنـه عـلى بقيـة أفـراد الأسرة بدايـة التعـرف عـلى التغـيرات التـي تحيـط بالمتقاعـد، ودعمـه مـن الجانـب النفــسي، واحتوائـه وتعزيـز وجـوده كمـا كان في السـابق، وأن يقنعـوه أنهـم ينظـرون إلى التقاعـد عـلى أنـه وصـول إلى عمـر معـين وليـس معنـاه العجـز.

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia