Al-Watan (Saudi)

أي صورة خصوصية يحملها جبران عن المرأة

-

بعــد وفــاة جــبران، أصَــدر ميخائيــل نعيمــة (1889 - 1988) كتابــه »جــبران خليـل جـبران، حياتـه، موتـه، أدبُـهُ، فنُّـهُ«. الكتـاب أشـبه بسـيرةٍ ذاتيّـة غَيريّة، دوَّن فيهــا نعيمــة مِــن بؤرتــه وخيالــه فصــولًا في حيــاة جــبران، وغــاصَ في أمـورٍ حسّاسـةٍ في حياتـه الشـخصيّة، منهـا علاقاتـه بالنسـاء، حيـث نَعَتَهـا بغَـير المُشرِّفـة. أعطـى نعيمـة في كتابـه هـذا، صـورةً عـن جـبران الآخـر في علاقتـه بالمـرأة. تحـدّث نعيمـة عـن المـرأة الأولى في حيـاة جـبران ناعتًـا إيّاهـا بــ »المـلاك الحــارس«، ووضَــعَ هــذا الاســم بــين هلالــيْن ويقصــد بذلــك الشــاعرة الأمريكيــ­ة جوزفــين بيبــودي (1874 - 1922) المُلقَّبــة بــ »بــوزي«، التــي التقــتْ جــبران في معــرضٍ في بوســطن، والتــي يَنعتهــا إســكندر نجّــار في كتابــه »قامــوس جــبران خليــل جــبران« بملهمــة جــبران الأولى في الولايــات المتحــدة الأمريكيــ­ة. يــسرد نعيمــة كيــف تعــرف جــبران إلى المــرأة في مَرســمِ أحــدِ المصوّريــن، حيــث خجــلَ جــبران، ونكــسَ عَينيْــه إلى الأرض كــي لا يــرى لباسَـها الفاضـح، لكنّهـا قبّلتـه. ويدّعـي نعيمـة أنّ العلاقـةَ بينهمـا تطـوّرت، فيزورهــا جــبران في غيــاب زوجهــا، يعصــف بهــا الجنــسُ جاعلــةً جــبران ابــن الأربعــة عــشر عامًــا »يــودّعُ صبــاه وعفّــة الصبــا وطهارتــه«. يقــول الكاتــب طنــسي زكّا قــي كتابــه »بــين نعيمــة وجــبران« - 1971 (ص 168 - 169)، إنّ غــرام جــبران في »خيــالات بوســطن« كمــا صــوّره نعيمــة هـو ضربٌ مـن الخيـال، اعتمـادًا عـلى قـول مـاري هاســكل ســنة 1912 الــذي نقلــتْ فيــه كلام جـبران: »إنّـه ظـلَّ صبيٍّـا مـن الناحيـة الجسـديّة حتّــى وقــتٍ متأخّــر، فهــو لــم يَصــل طــور الرجولـة النفسـيّة إلّا قبـلَ أربـع سـنوات أو خمـس، وأنّــه كان خجــولًا يُصــارع خجلــه«. كمــا يــورد طنــسي زكّا تصريــحَ نعيمــة لمجلّــة »الحكمــة« البيروتيّــة، أنّــهُ لا يعــرفُ شـيئًا عـن خصوصيّـات جـبران، مـا يضفـي اللّاواقعيّـة والخياليّـة عـلى وسْــمه جــبران بهــذه الســمات والخصــال. كذلــك يصــوِّر نعيمــة علاقــة جــبران بالمدرِّســة الفرنســيّة ميشــلين، بشــكلٍ يَظهــر فيــه جــبران قاســيًا مُخادعًـا، عـلى النقيـض مـن جـبران المرنّـم بالمحبّـة والأخـوّة والعدالـة. تبـدأ علاقـةُ جـبران بميشـلين حـين تعـرّف إليهـا أثنـاء زيـارةٍ قـامَ بهـا إلى مدرسـة »مــس هاســكل« للبنــات في بوســطن، حيــث تعمــل ميشــلين، ويُعجــب جــبران بجمالهـا »كأنّهـا الراديـوم تَحـرق ولا تَحـترِق«. يقـول نعيمـة إنّ ميشـلين أحبّـت جـبران، وكانـت غايتهـا أن يتزوّجهـا زواجًـا شرعيٍّـا، بينمـا كانـت غايـةُ جـبران الهـروب مـن الـزواج. ويقـول نعيمـة إنّ ميشـلين حملـت مـن جـبران وأجهضـت، والغريـب أنّ نعيمـة يـورِدُ عتـاب ميشـلين إثـر هـذه الحادثـة في الطبعتَـيْن الأولى والثانيـة مـن كتابـه عـن جـبران. ويقـول طنـسي زكّا (ص 175) إنّ إقـرار نعيمـة بــأنّ مــا نَســبه إلى جــبران ممّــا يتعلّــق بالجنــين لــم يكُــن واقعيٍّــا، مــا دفعــه إلى حذْفــهِ مــن كتابــه، بــدءًا مــن الطبعــة الثالثــة، كمــا يدحــض طنــسي زكّا ادّعـاء نعيمـة بـأنّ ميشـلين لحقـت بجـبران إلى باريـس، لأنّهـا كانـت في باريـس حـين أتـى جـبران إلى هنـاك. ويشـير زكّا إلى أنّ علاقـة جـبران بميشـلين في باريس كانــت مــن النــوع الــذي تســيطر فيــه العاطفــة الشــاعريّة الرومانتيك­يّــة. يتحـدّث نعيمـة عـن علاقـة جـبران بمـاري هاسـكل، التـي تعـرّف إليهـا في المعـرض الأوّل الــذي أقامــه في بوســطن، حيــث وقفــتْ وقفــاتٍ طويلــة متأمّلــةً لوحاتــه. ومــاري هاســكل هــي رئيســة مدرســة »مــسّ هاســكل« للبنــات في بوســطن. لقــد أعُجبــت برســومات جــبران، وعَرضــت عليــه أن يذهــب إلى باريــس لدراســة الفــنّ، فَقَبِــلَ جــبران عرضَهــا، وســافرَ إلى باريــس، وتكفَّلــت هــي بمصاريفــه، إضافــة إلى دعمـه المـاديّ بدفـع مبلـغٍ شـهريٍّ لـه بقيمـة خمسـة وسـبعين دولارًا. كَتَـبَ نعيمـة أنّ هــدفَ جــبران مــن هــذه العلاقــة هــو ابتــزاز المــال منهــا لا غــير. هــذه التّهــم يدحضهـا كثـيرٌ مـن النقـاد ويـرون فيهـا تشـويهًا لصـورة جـبران في علاقتـه مـع المــرأة. يَــرِدُ ذكرهــا في الرســائل 33 مــرّة، ولا يَــرِدُ أيّ ذكــر عــن حَملهــا مــن جــبران، كمــا ادّعــى نعيمــة. سَــكَنَ جــبران في أمريــكا في غرفــةٍ صغــيرة عـلى مقربـة مـن حيـث قطنـت ميشـلين والتقتـه، وقد اسـتحلاها جـبران؛ ثــمّ ســافرتْ إلى باريــس لدراســة المــسرح قبــل مجــيء جــبران إليهــا. وبعـد عـودة الاثنَـيْن إلى أمريـكا، زارتـه ميشـلين مـرّاتٍ عـدّة، لكـن بعـد العـام 1913 يَـرِدُ ذكرهـا في رسـائل جـبران وهاسـكل بشـكلٍ عابـر، ثـمّ تتــزوّج في العــام 1914 مــن شــخصٍ اســمه لامــار هــاردي. عاشــت في أمريـكا وماتـت هنـاك بعـد 6 أشـهر مـن وفـاة جـبران. تؤكِّـد الرسـائل التــي اعتمدهــا جــبران، أنّــه لــم تكُــن هنــاك مــن علاقــةٍ عاطفيّــة بــين جبران وميشلين. تَكشــف رســائل جــبران لمــاري اعترافــه بدَورهــا في أن يُصبــح فنّانًـا. فقـد كانـت مُرشـدته، كمـا أنّهـا أعانتـه أدبيٍّـا، إذ كانـت تقــوم بفحْــصِ كتاباتــه الإنكليزيّــة وتصحيحهــا. إنّ مــاري هاســكل، التــي تَكــبر جــبرانَ بعــشرِ ســنين، آمنــت بــه منــذ البدايــة، وســهَّلت ســفره إلى باريــس، وأمدَّتــه بالدّعــم المــاديّ بشــكلٍ شــهريّ. يــورد صايــغ أنّ مــاري هاســكل تشــكو في يوميّاتهــا (1912( مــنن أنّ جــبرانبرن لا يضمّــن رســائله لهــا عبــاراتِ الحُــبّ؛ بينمــا هـي كانـت تناديـه بِِمُداعِبَـةً »يـا خـروفي«، فتكتـب لـه في العـام 1912 قائلــة: »إنّ هاتــيَنْ اليديْــن الحلوتــيْن الهشَّــتيْن تحبّــان، يــا خــروفي، أن تســقياك الحليــب، وأن تغســلا حوافــرك، وأن تعقــدا شريطًــا جديــدًا أزرق حــول عنقــك«. وفي آخــر رســالة كتبتهـا لـه قَبـل وفاتـه في العـام 1931 تنعتـه بــ »حبّـي، حبّي، بَرَكتــي«. تكشــف الرســائل أنّ جــبران طلــبَ الــزواجَ منهــا في العـام 1910، لكنهـا لكنّهـافي شـهر نيسـان/ أبريـل 1911 تصـل إلى قرارهـا الرافـض للـزواج منـه، مـع أنّهـا وفـق اعترافهـا كانـت في قــرارة نفســها تفكّــر في الــزواج منــه. وتَكشــف رســائل مــاري هاســكل تــردُّدَ جــبران وفَزعَــهُ مــن الــزواج. وأنّــه كَتَــبَ لهــا أنّ زوج الزواجــات­الحقيقيّــة قليلــة جــدٍّا. ويصــل صايــغ في دراســته لرســائل الاثنَــيْن إلى خُلاصــةٍ يقـول فيهـا: »واضـحٌ مـن الأوراق أنّ أيّـة علاقـة جســديّة حميمــة بــين جــبران ومــاري كانــت علاقــة محــدودة جزئيّــة لــم تَصــل ذروتهــا الطبيعيّـة قـطّ، وإنّ الطـرف منهمـا الـذي كان مســؤولًا عــن إبقائهــا محــدودة جزئيّـة وعـن صدِّهـا عـن الوصـول إلى حيـث كان مُقـدَّرًا لهـا أن تصـل، إنّمـا كان هــو جــبران لا مــاري« )ص .(105 * كاتب وأكاديمي فلسطيني * ينشر بالتزامن مع دورية أفق

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia