Al-Watan (Saudi)

واجب على من يملك سلاحا أن يحمي به نفسه وأهله

- محمد السعيدي

أرسل لي بعض الإخوة مقطعا يظهر فيه الشيخ الددو، هدانا الله وإياه إلى الحق، وهو يسأل هذا السؤال وأنقله بلفظه: بعض الناس يقولون إن الجهاد إذا كان ضرره أكبر من نفعه والمفاسد التي تحصل منه أغلب من المصالح لا يكون جهادا بل فتنة، هكذا ساق السائل السؤال، ثُمَّ نزله على ما يقع في فلسطين وأن ما قامت به حماس من هذا النوع، فأجاب الشيخ هدانا الله وإياه إلى الحق: بأن هذه قاعدة إبليسية وليست قاعدة شرعية والشريعة بريئة منها ولا يقول بها عالم من العلماء عند سؤاله، واستدل على ذلك بمعركة أحد وأن النبي دخل فيها وكانت النتيجة أن قتل سبعون من أصحابه كما استدل ببعض آيات القرآن الكريم كقوله تعالى ﴿وَكَأيَِّن مِن نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيّونَ كَثيرٌ فَما وَهَنوا لِما أصَابَهُم في سَبيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفوا وَمَا استَكانوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصّابِرينَ﴾ [آل عمران: ١٤٦[

كما استدل بأن الجهاد عبادة كالصلاة والصوم والزكاة والحج وليس على المرء أن يسأل عن الحكمة في كل تلك العبادات.

وفي نهاية الفتوى سأل السائل نفسه عن فلسطين وما يجري فيها فأجاب الشيخ بأن الفلسطينيي­ن في جهاد دفع من سنة 48 حتى اليوم ويجب عليهم الجهاد بكل ما استطاعوا وعلى ذلك يُنَزَّل الرأي فيهم الآن، أو كما قال عفا الله عنا وعنه.

ولأن هذا الخطأ من الشيخ مما أذيع وشاع الاستدلال به عند بعض الشباب ولأن له من النتائج على الفهم للإسلام والعمل به ما يبعد بالمرء عن حقيقة دينه فسوف أراجع هذه الفتوى بما يلي:

فأقول أولاً: وصفه لقولهم إن المفاسد إذا كانت أكبر من المصالح في الجهاد فإنه ينبغي العدول عنه، بأنها قاعدة إبليسية، قول منكر وإساءة للإسلام بأسره، فهذا الأمر مشى عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من أول البعثة حتى وفاته، فلم يدخل حرباً إلا وكانت المصلحة فيها أكبر من المفسدة، فلم يأذن لصحابته بالجهاد في مكة وليس ذلك إلا لأنهم ضعفاء قليلون، ولو لم تكن المصلحة مقدرة في ذلك لأذن لهم ولاستجابوا له، وكان الله على نصرهم قديرا، ولعل مما أراد الله بذلك أن يصبروا وأن يعلموا أن موازين الدنيا من القوة والمنعة معتبرة ولا يجوز تركها .

وحينما هاجر الرسول، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة وأذن له بالجهاد اعتبر هذا الأمر، وأول ما اعتبره في بدر، حيث كانت إبل قريش القادمة من الشام عليها العشرات القليلة من الرجال، ومع ذلك خرج إليها الرسول، صلى الله عليه وسلم، بأضعاف عددهم 314 رجلا يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا، ولما وصل وجد العير قد غيرت طريقها ووصلت إلى مكة ووجد قريشا قد خرجت إليه فانتظرهم.

وهناك عمل، صلى الله عليه وسلم، بكل ما يكفل له القوة التي تجعله يتغلب على فارق العدد بينه وبين عدوه وأعظم ذلك الماء حيث ردم ما قبله من آبار الماء وأبقى البئر الأخيرة وأقام عليها ووضع عندها حوضا لأصحابه يشربون ولا يشرب عدوهم، هذا مع أن الله وعده بالنصر في هذا الموطن وصير معه الملائكة ، وكان عدوهم ألف رجل عند المكثرين من كتاب السيرة، وسلاحه وسلاح أعدائهم واحد، السيف والرمح والسهم ولا زيادة، وبذلك نرى أن المصلحة راجحة في الجهاد، نقص العدد أعين عليه النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه بقوة الصحابة ثم بالملائكة المسومين ثم بعون الله الذي وعد به رسوله، صلى الله عليه وسلم.

وجاء الأمر في غزوة أحد كذلك، فلم تكن غزوة غزاها رسول الله، بل هي غزوة غُزِيَها، أي إن كفار قريش هم الذين غزو رسول الله في المدينة وكان جيشهم عند جبل أحد، فلم يكن له أن يختار، بل كان الأمر قد جاءه، ومع هذا فلم يكن من رأي رسول الله الخروج إليهم، بل كان رأيه إغلاق البيوت ويلزم نساؤها وصبيانها أسطحها، ويرجمون المشركين بالحجارة بينما يواجههم الرجال في الطرقات وهم أعرف بالمسالك من عدوهم إذا جاء، ولكن الشباب المتحمس كان يرى خلاف ذلك لعلهم يدركون ما أدركه أهل بدر فأطاعهم رسول الله وخرج وكان جيشه سبعمائة وجيش الكفار قريباً من الثلاثة آلاف، ولم يكن في المسألة أي خيار آخر غير خيار الحرب، ولم تكن هزيمة المسلمين يومئذ تامة إذ لم يحظَ الكافرون بنصر كامل، وقتل من المسلمين سبعون، وقتل من الكافرين ما بين العشرين والاثنين والثلاثين بحسب اختلاف الرواة ، كما أن لواء الكافرين انتهت المعركة وهو مطروح لا يجرؤ أحد على حمله إذ كل من حمله قُتل، كما أنه حدث في هذه المعركة من المصلحة للمسلمين أن جنب الله ديارهم آثارها، فلم ير الكافرون غزو المدينة رغم قربهم منها لما رأوه من بأس المسلمين إذ كاد النصر يكون لهم لولا غفلتهم عن أمر رسول الله، ولا شك أن رجوعهم إلى مكة كان إعلان هزيمة وحدة، فالمصلحة كبيرة في غزوة أحد رغم قتل السبعين وليس الأمر كما ذكره الشيخ.

وكذلك بعدها غزوة الخندق فقد كان المشركون عشرة آلاف من الرجال مضافاً إلى قريش أحلافها من كنانة والأحابيش وبني بكر وغيرهم، ولما كان المسلمون قلة، فإن النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يعمد لقتالهم، مع أن معه من الصحابة من لا يعصون له أمراً، ومعه من توفيق الله ما لو سأل الله النصر لأثابه به، لكن لعل الله يريد أن يعلم الأمة حاجتها إلى الاستقواء والمنعة، وأن قتال العدو لا يكون دون ذلك، فأنشأ الرسول، صلى الله عليه وسلم، الخندق وبقي المسلمون داخل المدينة والمشركون خارجها وكفى الله المؤمنين القتال حتى خانت بنو قريظة فزلزل المؤمنون زلزالاً شديدا، وذلك لضعفهم من حيث العدد ، إلا أن الله كفاهم باختلاف الكافرين في ما بينهم وذهبت قريش وتركت من حالفت من اليهود أمام رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

ولو تتبعنا غزوات الرسول، عليه أفضل الصلاة والسلام، لوجدناها من هذا الشكل، ينظر رسول الله إلى المصلحة أولا فإن كان ثم مصلحة جاهد وإن لم يكن كف عن ذلك، فكيف تكون قاعدة إبليسية نسأل الله أن يعيذنا من إبليس وجنده من الإنس والجن.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia