Al-Watan (Saudi)

التدين في المجتمع السعودي

- خالد العضاض Khalid_a@alwatan.com.sa

الدين كمفهوم: ثابت، والتديّن كممارسة: متغير بحسب المصالح المرسلة والاجتهاد الفقهي، والدين أصلٌ لا خلاف عليه بين المؤمنين، إلا من جهة ثبوته بالنص، ودلالة ذلك النص على الحكم الشرعي، وأما التدين ففيه خلاف عريض في أشكاله ومساراته وتوجهاته.

ولا يمكن فهم الظواهر المتعلقة بالتدين، سواء تنامي التدين أو قصوره، بمعزل عن المؤثرات الاجتماعية والاقتصادي­ة والسياسية والثقافية، وحينما أتحدث عن ارتفاع منسوب التدين أو خفوته، فإنني أتحدث عن ظاهرة اجتماعية، ولا أتحدث عن كفر وإيمان يترتب عليهما ثواب وعقاب، بعضه دنيوي، وغالبه أخروي، وهذا التفريق مهم في دراسة ومعالجة حالات التطرف، وحالات الإلحاد أو اللا دينية، وغير ذلك من تلك الظواهر المتعلقة بالدين والتدين، وهي متداخلة، ولا تنفصل عن بعضها البعض، وقد يكون بعضها سببًا للآخر بطريقة أو بأخرى، ومن هذا المنطلق سنجد أن تأثر التدين داخل المجتمع بين الخفوت والبروز، يعود إلى عوامل ومتغيرات ثقافية داخلية وخارجية، يصوغها الاقتصاد والسياسة والاجتماع.

وغني عن القول: إن البروز والخفوت هنا يقصد به درجات قد تصل إلى الإلحاد، نزولًا إلى اللا دينية، صعودًا إلى التطرف وتدين التنظيمات والجماعات الإسلاموية، وصولًا إلى الجرأة على الإرهاب والتكفير وسفك الدماء، وبين النزول والصعود تكمن مرحلة الاعتدال، وهي المساحة الواسعة للتسامح والتعايش.

والدين مكون أساسي من مكونات المجتمع السعودي، وهو القيمة العليا في المجتمع، بالنظر لعموم الناس، حيث إن حضوره ذو كثافةٍ عاليةٍ، والجدل فيه مستمر غير منقطع، سواءً في مسائل القرب من التديّن أو مسائل البعد عنه، أو محاولة فتح أبواب تجديد الخطاب الديني وفتحه، أو بمحاولة تحجيمه وتأطيره في قوالب معينة (كالصحوية)، أي أن هناك صراعًا ينطلق ويعود إلى نقطة أساسية، هي أشكال الحضور الديني في المجتمع وفضاءاته.

والتدين الحقيقي السمح، له دور مهم في الوقاية من الانحرافات وتدعيم السلوك الإيجابي في المجتمع، وأنا هنا أحكي عن طبيعة مجتمعي السعودي الثقافية والمعرفية، ولست بصدد مناقشة مسألة (الدين والأخلاق) وأيهما يجب أن يكون العاصم من الانحراف، أو أيهما أولى، أو أيهما يأتي أولًا.

وكما ذكرنا آنفًا، فإن ثمة استحضارًا مكثفًا للتدين يبقى موجودًا وملاحظًا بقوة ولا يختفي في المجتمع السعودي عبر الزمن، ولمحاولة فهم أشكال الحضور التديني الغالب على الساحة السعودية، لا بد من تحقيب تاريخ التدين في المجتمع السعودي، ومن الممكن اقتراح أربع مراحل زمنية للتدين في المجتمع السعودي الحديث، هي:

مرحلة ما بعد »السبلة، 1929«، إلى منتصف الستينيات.

مرحلة التكوين والانتشار التديّني الصحوي في كامل عقدي الستينيات والسبعينيا­ت.

مرحلة الصحوة، من الثمانينيا­ت إلى ما بعد الربيع العربي بست سنوات.

مرحلة ما بعد الصحوة، والتي بدأت من أواخر 2017.

وما يهمني في هذا المقال وما بعده، هو »مرحلة ما بعد الصحوة«، والتي باتت الآن بعد مضي ما يزيد عن خمس سنوات من التحقيب المقترح، عبارة عن حالة من المراجعة لكثيرٍ من أفكار الصحوة، والنكوص عنها لا أكثر، ولم تصل إلى مرحلة بناء مشروع تديني متكامل يمكن له أن يحمي مسيرة التدين في المجتمع السعودي »لمرحلة ما بعد الصحوة«، عبر الانتقال إلى الخطاب الديني الاجتهادي المنفتح، وتطوير أدواته ومساراته بما يتوافق مع المرحلة التنموية التي تمر بها البلاد، وبما يتوافق مع المتغيرات العالمية في التقنية والاقتصاد والاستثمار والسياسة، ويدلل على قولنا أن »مرحلة ما بعد الصحوة« لم تتوافر على سياقات بنيوية متكاملة، أو مشروع نهضوي تديني، وأن هذه المرحلة شهدت كذلك تطورًا في أفكار الصحوة ومشروعاتها، والتي ظهرت في قوالب جديدة وحديثة، لمحاولة مقاومة الإلغاء والتهميش، ويمكن ملاحظة ذلك في مثال واحد بسيط على سبيل الدلالة على تغير إستراتيجيا­ت وتكتيكات »الصحوية«، وهو تلاشي الاحتشاد الجماهيري مع بقاء حضور الفكر الصحوي مسيطرًا على قطاع عريض من المجتمع، ويبرز ذلك في إثارة الجدل حول برامج الاستثمار، وبرامج هيئة الترفيه، أو البرامج السياحية وغيرها.

وعطفًا على تدين الأجيال المتعاقبة في المجتمع السعودي، والآثار التي صاحبت تلك التدينات عبر المراحل الأربعة المقترحة، يبقى السؤال المهم: ماذا عن تدين جيل 2010؟! والذي ينبغي قياسه ومراقبته، في ظل المتغيرات والاختلافا­ت الثقافية.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia