Al-Watan (Saudi)

التقاليد الاجتماعية في بعض المجتمعات ا سيوية

-

استكمالًا لحديثي السابق حول المحاضرة العلمية التي ألقيتها في [ مركز تعارفوا للإرشاد الأسري] عن الأسرة في بعض المجتمعات الآسيوية الهند والصين واليابان ، وكانت قد قدمت للمحاضرة وأدارت محاور الأسئلة الدكتورة منى الحمود.

وقد تناولت في المحاضرة التحولات التي مرت بها الأسرة في كل من: الهند والصين واليابان ، إذ يوجد تشابه كبير بين تلك المجتمعات وبخاصة وحدة النظام الاجتماعي والذي يستند على تقاليد النظام الأبوي سواء في نطاق الأسرة المشتركة أو الأسرة النووية ، فقد كانت الأسرة المبنية على النظام الأبوي تعكس المطالب المؤسسية للأسرة حيث تعتبر الأسرة المصدر الحقيقي للنظام الاجتماعي في المجتمعات الآسيوية، وهو موضوع اختلاف واضح جداً بين الثقافتين الآسيوية والغربية ، فهذا الترابط الأسري التي تنظر له المجتمعات الآسيوية أنه أساسياً في نظام الأسرة، لا يحظى بنفس هذه النظرة في المجتمعات الغربية، بل ينظر له كعبء يحول دون الاستمتاع بالحياة، حيث يوجد خلاف حاد بين الثقافتين الآسيوية والغربية في كثير من المفاهيم الفاعلة في البناء الاجتماعي [لنأخذ مثلاً شاباً آسيوياً يعيش مع والديه بعد تخرجه من الجامعة في منزل أسرته، هذا الشاب لا يرى أدنى بأساً في ذلك، بل يشعر بالسعادة والاطمئنان على والديه، لقربه منهما، ومعرفته بأحوالهما، ويشعران هما أيضاً بالاطمئنان عليه وعلى مستقبلهما في أيام الكهولة، هذا الأمر غير وارد مطلقاً على تفكير الشاب الغربي، وإذا وجد شاب غربي يعيش مع والديه بعد تخرجه من الجامعة، فإن هذا يعتبر موقفاً مثيراً للسخرية هذا إن وجد.]

فالتقاليد العائلية المحافظة راسخة في أوساط المجتمعات الهندية والصينية واليابانية، وإن كان التطور الاقتصادي والاحتكاك بالغرب ، أثر على العادات الاجتماعية، فالتحول من الأسر المشتركة، الى الأسرة الواحدة الصغيرة ومن المجتمع الزراعي، الى المجتمع الصناعي أثر على النظام العائلي، حيث شقت بعض العائلات طريقها الى الحياة العصرية.

فإذا ما نظرنا إلى الهيكل العائلي للأسرة الهندية نجد أن العائلة الهندية تقوم على تقاليد نظام الأسرة المشتركة وعادة ما يكون الأب رأس نظام العائلة الهندية المشتركة وإليه تعود جميع قرارات العائلة.

ونتيجة لتفاعل البيئة بالمجتمع في الهند فإن الثقافة الهندية تشجع أن يقيم الأبناء المتزوجون في مقر الأسرة الكبير. وهذا الترتيب الاجتماعي له مغزاه في المجتمع الهندي وله آثاره وأسبابه المتعلقة بقيم المجتمع في رعاية المسنين، وفي ترابط الأسرة عمومًا، ومع التسليم بأن المجتمع الهندي يشهد تحولًا تدريجيًا نحو الاستقرار النووي، إلا أن الروابط ما تزال قوية بين الأسرة الجديدة والاسرة الأصل.

ففي دراسة سكانية أجريت عام 1966 قام بها كل من أورنشتاين وميكلين، توصلا إلى أن احجام الأسر الهندية ظلت متماثلة خلال الفترة 1911-1951 ومع التوسع الحضاري والتنمية الاقتصادية شهدت الهند انفصال الأسر المشتركة إلى الأسر النووية، وإن كانت لا زالت الأسرة المشتركة قائمة في بعض أنحاء الهند ويرجع ذلك الى التقاليد الثقافية وميل الشباب في الطبقات الاجتماعية - الاقتصادية الدنيا إلى البقاء مع أسرهم، إلا أنه مع انتشار التعليم ونمو الاقتصاد بدأ التوجه لصالح الأسرة النووية في ارتفاع.

وتاريخيًا فقد أحدث الاستعمار البريطاني تغييرًا جذريًا في النظام الاجتماعي الهندي حين أذاب الاستعمار النظام الاجتماعي والثقافة الهندية في النظام الاجتماعي والثقافة البريطانية وذلك بعدما قضى على نظام الطبقات الذي كان سائداً في الهند والذي كان يخضع لترتيبات هرمية اجتماعية وعرقية ودينية ويمثل المصدر الاجتماعي لكثير من مفردات السلوك الاجتماعي.

وإن كان لكل مجتمع بشري نظامه الاجتماعي الخاص والذي يختلف باختلاف درجة رقي ذلك المجتمع وتقدمه أو تخلفه فحتى المجتمعات الأوروبية تقوم على نظام طبقي

فانعدام الطبقية في الهند الحديثة يعود في أصوله الأولى للبريطانيي­ن والذين قضوا على السيادة التاريخية لنظام الطبقات والذي هو تقسيم طبقي قضى على نظام العائلة حيث يقوم على التمييز العرقي، هذا كان في شبه القارة الهندية ، أما في الهند الحديثة فقد أصبح كل ذلك من الماضي ، فقد أفسحت التحولات الاقتصادية والحضارية نقلة نوعية في نظام الأسرة ، حيث طرأ على الأسرة الهندية تغيير جوهري ، نجم عنه وعي جديد تخطى جميع الحواجز الطبقية ،فأخذ نظام الطبقات في التداعي ، وحدث تغيير جوهري في التقاليد الأسرية .

وفي الصين جاء في تعاليم كونفوشيوس [ إذا قام البيت على أساس سليم أمن العالم ] كانت تعاليم كونفوشيوس العقيدة الفكرية التي تدور حولها معظم الفلسفات الصينية، والتي كانت لها السيادة العقلية في الصين فلا شيء وجّه تاريخيًا الحياة الاجتماعية في الصين وأثر في مسارها مثل فلسفة كونفوشيوس، فهي العقيدة المفتاح للفكر الصيني، والتي برهنت على قوتها وعبرت عن أسمى ما وصل إليه التصور الفلسفي الإنساني في الصين ؛ وفي نفس الوقت تعد تعاليم كونفوشيوس الفكرة المركزية في تأسيس نظام العائلة الصينية.

فقد اعتبرت فلسفة كونفوشيوس وعبادة الأسلاف الضامنة لدوام تقاليد الأسرة الصينية ووحدة نظامها إلى الأبد ما دام الأبناء يتوارثون عن ابائهم تلك التعاليم.

لقد حافظت عبادة الأسلاف على تسلسل الأسرة جيلًا بعد جيل، وذلك ناتج عن ضرورة حاجه كل أب على الدوام في أن يقرب أبناؤه القرابين له ولأسلافه.

في كتابه قصة الحضارة يقول ول وايريل ديورانت بأن البيت الصيني يقوم على قواعد المجاملة العاطفية كالحب والحنان والرقة واللين والمرونة الاجتماعية والتعاون والتآزر بين أفراد الأسرة مما جعل من البيت الصيني مكانًا طبيعيًا ومستقرًا صالحًا للأسرة، وكانت المرأة تستمتع بكامل حقها وقد جعلت من البيت الصيني مربى للأطفال ومدرسة ومصنعًا للأبناء.

ويعد البيت الصيني مثلًا وقدوةً في طاعة الأبناء لآبائهم وإخلاصهم ووفائهم لهم، وفي احترام الصغار للكبار وعنايتهم عن رضاً واختيار.

فالصيني رجل مسالم رحيم ومجد ومثابر، بسيط في أسلوب حياته، لا يحب التظاهر والتصنع، فقد أكسبته أخلاقه أدبًا ولباقةً ورقيًا وسهولةً واتزانًا وكرامةً، وحسن تربية واحترامًا للنفس.

 ?? ?? عبدا5 الزازان
عبدا5 الزازان

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia