Al-Watan (Saudi)

غزة في مجلس ا من: ذروة العبث والعدمية

- عبدالوهاب بدرخان

كان هناك رفض وإدانة للحرب الدائرة في غزّة ودعوات إلى وقفها من جانب روسيا والصين والدول التي باتت مصطفّة معهما في المعسكر القطبي »الجديد«، فبدت كأنها تعتبر رفضها للحرب كافيًا لإعفائها من أي مسؤولية، حتى عندما توظّف موقفها في الصراع بين الأقطاب وفي إغراق المعسكر الأمريكي- الغربي في ورطته الإسرائيلي­ة. لكن الملاحظ أن قلق هذه الدول إزاء المجاعة الزاحفة في قطاع غزّة كان متواضعًا، شكلًا ومضمونًا، إنْ لم يكن معدومًا، ربما لتجنّب أي تبعات من أي نوع قد تترتّب عليها، أو انسجامًا منها مع سياق سياساتها المعروفة عمومًا بأدنى اهتمام بالأوضاع الإنسانية لشعوبها والشعوب الأخرى.

في المقابل، كان هناك تأييد غربي مطلق للحرب، استنادًا إلى »حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب«، وما لبث هذا التأييد أن تحوّل لفترة طويلة من الصمت و»الإحراج المكتوم« حيال المجازر والدمار وسياسة العقاب الجماعي التي وُصمت أخيرًا باسمها الحقيقي، أي الإبادة الجماعية، ومع ذلك واصلت »دول القانون والديمقراط­ية« الصمت ولم تشأ الاعتراف بهذه التسمية، ولا بـ»جرائم حرب« أو »جرائم ضد الإنسانية«، على الرغم من تدفق الشهادات التي توثّق هذه الانتهاكات الجسيمة بالصوت والصورة. تعايش جميع المسؤولين الأمريكيين والغربيين بالتزام صارم مع تحريم التلفّظ بعبارة »وقف إطلاق النار«، إلى أن بدأت الإشارات تصدر عن واشنطن -لكن بعد فوات الأوان- بأن كَيل التوحّش الإسرائيلي قد طفح: أعداد الضحايا والمفقودين والمصابين تجاوز المئة ألف، هندسة متعمّدة للتجويع والتعطيش وللحرمان من أي رعاية طبّية كغاية محدّدة للحصار الشامل، ودمار لكل معالم الحياة ومقوّماتها...

معلومات الأجهزة الاستخباري­ة وتحليلاتها، برقيات السفارات وتقارير منظمات الأمم المتحدة، كانت كافية ووافية لتصويب البوصلة وبلورة أي توجّهات أكثر واقعية، غير أن الغرائز الاستعماري­ة أعمت العقول وغلّبت سياسة الإنكار. وعندما بدأ شيءٌ من البصيرة يُستعاد كانت الكارثة الشاملة قد وقعت ولم يعد في إمكان الغرب أن يكبح جماح الوحش الذي صنعه ورعاه حتى أصبح يمنع علنًا وصول الإغاثة الإنسانية ويقتل الساعين إلى الحصول عليها، بل يعود ثانيةً إلى المستشفيات ليُخرجها عن الخدمة متقصّدًا التسبب بموت المرضى، كما يمارس الإعدامات الميدانية وأبشع أنواع التعذيب لمن يعتقلهم... وهذا بعضٌ من فظائع وجد الغرب نفسه شريكًا فيها بعدما غضّ النظر وأجاز الكارثة التي رآها مبرمجة وتنفّذ أمام أنظاره. وحتى عندما راحت الإدارة الأمريكية تكثر من الضجيج حول المجاعة وتستَهْوِل جرائم القتل بعدما شكّكت في أرقامها، إلا أنها لم تتخلّ عن دعم »أهداف الحرب«، وكأن جميع هؤلاء الضحايا كانوا مجرد »أضرار جانبية«. كذلك عندما راحت تُنزل الإغاثة جوًا واعترفت بعدم كفايتها، فإنها لم تتراجع عن تجميد تمويلها لـ »الأونروا« ولم تدعُ إلى معاودة الاعتماد عليها واحترام حصانتها الديبلوماس­ية.

بين معسكري الغرب والشرق، وبين الأقطاب المتعددة والقطب الدولي الواحد، أطيحت أخيرًا فرصة لوقف إطلاق النار. أي، واحدة بواحدة، »فيتو« مقابل »فيتو«... قالت روسيا والصين »لا« لمشروع قرار أمريكي، بعد ثلاث »لاءات« أمريكية لمشاريع بينها اثنان للإمارات والجزائر، والأخيرة انضمّت إلى »الفيتو« الروسي- الصيني في مناكفة غير مكلفة وغير مجدية. في المرّات السابقة ادّعت واشنطن أن قرارًا في مجلس

معلومات ا@جهزة الاستخباري­ة وتحليلاتها، وتقارير منظمات ا@مم المتحدة، كانت كافية ووافية لتصويب البوصلة وبلورة أي توجّهات أكثر واقعية

الأمن قد يسيء إلى مساعٍ تفاوضية لهدنة مؤقّتة، وهذه المرّة اعتبرت موسكو وبكين أن النص الأمريكي مضلِّل وفيه إعادة ترويج لأهداف الحرب. »حماس« أيّدت هذا التفسير ورحّبت به. إسرائيل التي ترفض أي تدخّل لمجلس الأمن كانت ممتنّة لـ»الفيتو« المزدوج. وعدا أن هذه المبارزة الدولية نضحت بالكثير من العبث والعدمية على أرفع مستوى ديبلوماسي، فإنه يصعب تحديد مَن الفائز فيها وما الذي يكسبه. أما الخاسر فهم أهل غزّة في كل الأحوال. * ينشر بالتزامن مع موقع

»النهار العربي «

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia