Al-Watan (Saudi)

من مخيم النصيرات ورفح مريم بين الشعر والحرب

-

يعذبني الليل يا أبتاه! سأحمل ليلَك فوق ذراعي وأمضي إلى بيتنا في الرمالْ: ثقيلٌ عليكَ كأثقل ما قد تكون الرمالْ: وأثقل منه بنيَّ الخيامْ يسير أبى للشمالْ وقد أغمض المقلتينِ، يقول: بُني تأملْ عميقًا تأمّلْ فشارعنا خلف مئذنة الياسمينْ بجانب كليةِ الهندسةْ تأمل بنيَّ هناك المنازلُ أضلاعُها من رخامٍ وأنفاسها سوسنةْ تذكر بنيَّ.. مقابل شرفتِنا مصنعٌ للحريرِ.. بجانبه بائعُ الأمنياتِ إذا ما وصلتَ هناكَ تبصّرْ فمنزلُنا يا بنيَّ حوار عتيق عتيقْ أتذكرُ شرفتَنا [الليلكيةَ] خلف ظلالِ العقيقْ أتذكر [حاكورةَ] البيتِ، والياسمينُ يغازلُ نافورةً من زجاج رقيقْ إذا ما وصلتَ بنيّ لمنزلِنا فادخلِ البيتَ، سلّم على صورة في الجدارْ فصورة جدك منذ زمان بعيد تضمّد حزن الجدارْ وقل للجدارْ: أتيتُ إليكَ لئلا تظلَ غريبًا لئلا تخر العناكبُ من سقفِ منزلنا في العراءْ أتيت إليكَ! على كتفي خيمةٌ لأبي.. أأورث أطفاليَ اليوم برد الخيامْ أريد هنا أن أعيشَ أريد هنا أن أموتَ فما أصعب الليل تحت رداء الخيامْ]

هذا النص الحزين من قصيدة للشاعرة الفلسطينية مريم قوش كتبتها في مخيم النصيرات في وسط مدينة غزة، الذي يعطي فكرة دقيقة على قسوة الحياة في تلك المدينة، فالقتل والتدمير والترهيب وإثارة الرعب وفرض سياسة التمييز العنصري يجري بصورة يومية في هذه المدينة المكلومة. فعندما يأخذ الاحتلال الإسرائيلي القانون في يديه ويمارس الإبادة الجماعية، بطريقة عدمية ومجانية وباردة، فهذه هي الكارثة بعينها، فالعدوانية مكون بنيوي في العقل الأسرائيلي، والشاهد على ذلك هذه الحرب البشعة على غزة.

يعتقد الإسرائيلي المحتل، أن وحود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية يشكل له مصدر قلق، واضطرابا دائما، وخطرا يهدد وجوده، هذا الفكر العنصري العدواني، المتذرع بالاستعلاء هو مبعث الحقد والانتقام والضغينة، الذي يحاول من خلاله المحتل الإسرائيلي أن يروض الإنسان الفلسطيني لكي ينسى ثقافته وأرضه فقد صمم الفكر الصهيوني أساليب القهر العنصري في محاولة لمحو الجذور والتاريخ والثقافة الفلسطينية في القدس ومعظم المدن والقرى الفلسطينية وذلك عن طريق فرض سياسة العنف والبطش والعزل والترويع والتنكيل والاغتراب والتهجير والقهر العنصري ولكنه على الرغم من كل ذلك خلقت الأرض الفلسطينية إنسانًا وأنجبت شاعرة مكافحة [مريم قوش]، إذ لم تكن تركيبة المجتمع الصهيوني، تسمح بأن يبدع العرب الفلسطينيو­ن أدباً يطلع عليه العالم، ولكن على الرغم من كل هذا نجم أدب فلسطيني، تقول الشاعرة مريم قوش:

[قد كان لي وطن أشد بظهره كفي يرنو إلى موج الشموس حفي وآتيه خلفك كي أراك على مرايا الروح... يا موطني إني عشقتك ذقت دونك صابرًا حتفي] ولدت الشاعرة مريم قوش في مخيم النصيرات، درست المتوسطة والثانوية في مدارس المخيم، وفي عام 2011 حصلت على البكالوريو­س في اللغة العربية من الجامعة الاسلامية في غزة، وفي عام 2022 حصلت على الماجستير في الأدب والنقد من جامعة الأقصى، والآن تحضر للدكتوراه.

تقول مريم: [أتذكر في صبايَ أنّني كنتُ مزيجًا من الهدوء المخملي الذي ينمو في بواطنه شغبُ العصافير واندفاع المطر وارتياح الوادي بعد انتهاء الفصول.. كانت تتوهج القصيدة بي حين وقفتُ وجدي أمام السنابل الممتدة من بيتنا وحتى نهاية الأفق، كنت أسأل جدي. ماذا وراء تلك الحقول؟ فكان يبتسم ويقول: هناك الحقيقة الكامنة في مناقير الصباح. فأسأله: وما هي الحقيقة يا جدي! فيقول لي إن خلف السنابل وطنًا، وخلف مناقير الصباح أحلاما تحنّ للمروج!

منذ أنْ لامستُ حقيقة الوطن وضياع الإنسان، توهجّت في روحي القصيدةَ، وباتت الكلمةُ تقودني لأختزل في معناي وطنًا وحمائم تغني للحرية، ونمت على كتفيَّ عنادل من ضياءٍ واعشوشبت في أناملي أنهار الغناء، فكانت بي أسئلة المزاريب بعد الهطول، وكانت بي أجوبة الغيم بعد الجفاف، وكان لي حنين المرايا بعد تقلص المجاذيف، بي كل شيءٍ يُسمى وطنا أو حقيقة!

 ?? ?? عبدا3 الزازان
عبدا3 الزازان

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia