فانوس ومخور وغبقة ونغصة ومسحراتي ماذا بقي من الموروث الرمضاني
فوانيـس تزيّـن الشـوارع، ملابـس تراثيـة، وأوانٍ قديمـة تعـرض في الأسـواق، ورائحـة مأكـولات شــعبية في كل مــكان، ملبــس ومــأكل وعــادات وتقاليــد تميــز شــهر رمضــان، يظــل اســتذكارها حالـة مـن النسـتولوجيا »الحنـين للمـاضي«.
وتطغـى الفوانيـس المضيئـة، وأطبـاق الغبقـة، وطبلـة المسـحراتي، وأهازيـج القرقيعـان، وصوت مدفـع الإفطـار، والكـرم الرمضانـي، ومشـاركة الأهـل والجـيران، عـلى الأجـواء الرمضانيـة المحملة بعبـق المـاضي، لكنهـا تبـدو مثـل صـور معلقـة في إطـار قديـم تناقلتهـا أجيـال بعـد أجيـال، بعضهـا اندثـر ولـم يشـهد هـذا الجيـل منهـا إلا صـورا مـن زمـن الأبيـض والأسـود كمـا هـو حـال مدفـع الإفطـار، وجولـة المسـحراتي. وبعضهـا بـاقٍ، ولكـن بـأي حـال؟.
الفانوس الفاطمي باقٍ
قبــل رمضــان، تنشــط حركــة البلديــات في كل محافظــات المملكــة لتزيــين ينين الشــوارع بالفوانيــس التــي تبقــى طــوال الشــهر الكريــم شــاهداً تراثيــاً لزمــن اعتمــدت فيــه الإضــاءة والإنــارة عــلى الفانــوس الزجاجــي الملــون عاكســاً لنــور الشــمعة الخافــت التــي يحتضنهــا في داخلــه. وترجــع فكــرة الفانــوس للعهــد الفاطمــي في مــصر حيــث اســتمرت وانتـشرت في دول العالـم العربـي. تسـترجع نجيبـة قاسـم (تجـاوز عمرهـا الــ80 عامـاً) ذكرياتهـا مـع الفوانيـس، وتقـول »لـم يعـد للفانــوس أي داع للاســتخدام منــذ دخلــت الكهربــاء البيــوت في نهايــة ســتينات القــرن المــاضي، ومــا نــراه الآن مــن فوانيــس في الأســواق مختلــف تمامــاً عــن فوانيســنا التــي كنــا نســتخدمها قديمــاً، إلا أنهــا تشــبهها إلى حــد مــا«. وتضيــف »فوانيــس المــاضي كانــت نحاســية ثقيلــة الــوزن وتعتمــد عــلى الفتيــل والزيــت، أمــا مــا نــراه في الســوق الآن فهــو أنــواع خفيفــة تعمــل بالبطاريــات وبالكهربــاء، وتســتخدم للزينــة فقــط، حيـث تتزيـن بهـا الشـوارع والبيـوت والشرفـات، فيمـا كنا نسـتخدمها مصـدرا للإضـاءة منـذ غـروب الشـمس حتـى الــشروق، وكنــا نعتمــد في النهــار عــلى ضــوء الشــمس.« وتكمـل »في رمضـان كان الفانـوس أيضـا وسـيلتنا لإنـارة الطريــق في ظــلام الليــل، حيــث تخــرج فتيــات القريــة معـاً إلى منابـع العيـون لغسـيل الصحـون، أمـا في بعض ســاحات القريــة فتكــون الفوانيــس محيطــة بالمــكان وهنــاك تكــون ســاحة لعــب الأطفــال.« وعــلى الرغــم مــن توفــر الفوانيــس في الأســواق، إلا أنهــا تختلــف في الأســعار حســب نــوع الخــام المصنوعــة منــه، وشــكل التصميــم والتركيبــات المضافــة إليــه، وبحســب نــوع الاســتخدام، فهنــاك فوانيــس لا تعــدو أن تكــون لعبــة للأطفــال، وهنــاك فوانيــس للزينــة، وفوانيــس للديكــور الداخــلي والخارجــي. وكانــت أمانــة الطائــف نفــذت قبــل ســنوات الفانــوس الأكــبر عــلى مســتوى المملكــة بارتفــاع 16 مــتراً وبقاعــدة 4 أمتــار لتزيــين أحــد شــوارعها الرئيســة في شــهر رمضــان.
مخور وجلابية
تنبيه رمضاني خاص
تكثـر في الأسـواق حاليـا أنـواع مختلفـة من الملبوسـات الشــعبية التــي تنتعــش تجارتهــا في رمضــان، كنــوع مــن الطقــوس القديمــة الجديــدة؛ وشــهد لبــس المخــور الإقبــال الأكــبر عليــه مــن قبــل الســيدات، وهــو (نــوع مــن الجلابيــات النســائية بتطريــزات منقوشــة كبــيرة). وتقــول مصممــة الملابــس زهــرة عـلي »ينتعـش سـوق الجلابيـات بشـكل عـام في رمضــان، واللافــت الآن أنهــا تلقــى رواجــاً كبـيراً لـدى الشـابات عـلى وجـه الخصوص، ولعــل انتشــار بعــضالفعاليــات مثــل الغبقــات الرمضانيــة هــي الســبب حيــث رفعــت الرصيــد الاســتهلاكي للملبوســات الشــعبية«. والغبقــة هــي اجتمــاع عائــلي أو لمــة أصحــاب فيهــا بعــض الفعاليــات وتوزيــع للطعــام الــذي يكــون طعامــا شــعبيا فقــط. وتكمـل »يلقـى المخـور الإقبال الأشــد بينهــا فهــو يمــزج بــين الأذواق الخليجيــة معــاً، ويكــون نــوع القمــاش فيــه أنعـم وأخـف، فيمـا تنتـشر أيضــا أنــواع مختلفــة مــن الأقمشــة والتشــكيلات
تضــم تصا ميــم قد يمــة و حد يثــة معــاً « . مــن العــادات للصائــم. كان مدفـع الإفطـار يطلـق منبهـاً إلى وقـت الغـروب ودخـول وقـت الإفطـار، فيمـا كانـت طبلـة المسـحراتي منبهـاً لوقـت السـحور، وكانـت تصاحـب ضربـات الـدف والطبلـة أهازيـج يرددهـا المســحراتي الــذي غالبــا مــا كان يجــر وراءه عربــة يقودهــا حمــار، في وســط أزقــة الحــي، وبحسـب مـا ذكـر قاسـم الحكيـم كان يطلـق الأهازيـج لتنبيـه النائمـين للاسـتيقاظ وبـدء وجبـة الســحور وشرب المــاء قبــل ســاعة الإمســاك. ويضيــف الحكيــم »أتذكــر أن المســحر في ســيهات كان يقــوم قديمــا بمهامــه للتنبيــه، ويســتلم أجرتـه مـن أهـالي المدينـة بعـد منتصـف الشـهر أو في نهايتـه، وكانـت الأجـرة في الغالـب عبـارة عـن 2 كيلـو جـرام مـن الأرز التـي يحملهـا عـلى ظهـر عربتـه.« قبـل عـام ونصـف شـهدت مدينـة صفـوى وفـاة آخـر مـن عـرف عنـه أنـه من جيـل المسـحرين، وهـو الحـاج عـلي قاسـم آل سـليمان الـذي تـوارث المهنـة عـن أبيـه وأخيـه، وقـد أكمل مسـيرتهما في خدمــة الصائمــين إلى أن توقــف عــن ممارســتها فعليــاً مــع تطــور المدينــة، ودخــول وســائل التواصـل والتلفـاز، حيـث أصبحـت مهنـة المسـحراتي طقسـا مـن طقـوس الذكريـات التمثيليـة التــي تقــدم في مشــاركات اجتماعيــة كنــوع مــن الفعاليــات التــي تعيــد للذاكــرة أهزوجــات رمضـان وطبلـة المسـحراتي.
التــي اندثــرت مدفــع الإفطــار وطبلــة المســحراتي اللتــين كانتــا بمثابــة المنبــه