ا داريات كفعل مقاومة
اكتســبت الجداريــات أهميــةً كبــيرة منــذ العهــود الأولى، كونهــا تُعَــد مــن أقَــدم أشــكال الإبــداع الفنــي والنحتــي والزخــرفي في التاريــخ، وفيهــا مــن الحوامــل الفنيــة مــا تَجعــل المســاحات الجامــدة تضــج بالحركــة والجمــال. فعــبرت عــن الحيــاة والمــوت، ووثقــت الطقــوس والعــادات الدينيــة، لكنهــا في الســنوات الأخــيرة بــرزتْ بشـكلٍ كبـير، وخصوصًـا في البلـدان التـي تعانـي الاحتـلال والظلـم، وتَشـهد حروبًـا وصراعـات، حيـث عـبر النـاس عـن قضاياهـم وآلامهـم وتوقهـم إلى الحريـة، ودافعـوا عـن عنفوانهـم وكرامتهـم كخطـوةٍ منهـم في إيصـال أصواتهـم، وكنَـوعٍ مـن التحـدي والصمـود والبقـاء. مـن هنـا اتخـذ فنانـون فلسـطينيون مـن الجـدران في المُـدن والقرى والمخيمـات، وحتـى جـدار الفصـل العنـصري، وسـيلةً للمقاومـة والثـورة والانتفاضـة؛ فمنهــم مــن رَسَــمَ القــدس والمســجد الأقــصى، ومنهــم مَــن رَسَــمَ صــورًا للشــهداء وحكايـات النضـال والبطولـة والفـداء، وبعضهـم اتخـذ منهـا وسـيلة لتسـليط الضـوء عـلى قضيـة الأسرى في السـجون الإسرائيليـة، فجسـدوا مُعاناتهـم وآلامهـم وتضحياتهـم. وهـذا الشـكل مـن فعـل المقاومـة ينسـحب حتـى إلى خـارج فلسـطين المحتلـة، وتحديدًا في المخيمـات الفلسـطينية في لبنـان، حيـث تَمتلـئ الجـدرانُ برسـوماتٍ مُختلفـة كنَـوعٍ مـن الاحتجـاج والصمـود والمُطالَبـة بحـق العـودة، إضافـة إلى تنـاول موضوعـات تعـزز الهويــة والــتراث الشــعبي الفلســطيني. ويُمكــن الإشــارة إلى بعــض الجداريــات التــي تضمنــت عبــارات ومقاطــع شــعرية للشــاعر الراحــل محمــود درويــش (هــذا البيــت لي/ هــذا الجــدار الرطــب لي/ هــذا الرصيــف ومــا عليــه لي)، (وعــلى هــذه الأرض مــا يســتحق الحيــاة)، وجداريــات أخــرى تُخاطِــب العالَــم وتتحــدى الاحتــلال (عائــدون، فلســطين باقيــة مــن بَحرهــا إلى نَهرهــا، قادمــون، مفتــاح العــودة، ســأقاوم، حتمًــا سـنعود، أنـا كالقيامـة ذات يـومٍ آتٍ..). وللقـدس مسـاحة كبـيرة مـن الفـن الجـداري لرمزيتهـا وتاريخهـا وهويتهـا (كل المقاومـة مـن أجـل القـدس.. القـدس – عاصمـة – فلسـطين.. حبـك ثـورة..)، هـذا فضـلًا عـن رسـوماتٍ ملونـة لقبـة الصخـرة ومسـجد الأقــصى.