Al-Watan (Saudi)

أمريكا وإسرائيل وإيران: من يتحمّل المسؤولية؟

- عبدالوهاب بدرخان

بدأت إرهاصات ما بعد الحرب على غزّة لدى الأطراف جميعاً. إسرائيل تواجه مرغمة الأسئلة الأمريكية عن »اليوم التالي« وسط استعدادها للمعركة الأخيرة في رفح. القيادة السياسية لـ »حماس« قصدت طهران للتشاور قبل تحديد خياراتها المقبلة ومواجهة مآلاتها. واشنطن كطرف ثالث في الحرب تعود شيئاً فشيئاً الى الواقع لكن مع الإصرار على »إنقاذ إسرائيل من نفسها« وعلى أمل »إنقاذ ولاية ثانية« لجو بايدن. الحلفاء الأوروبيون لإسرائيل يراوحون بين »خيبة الأمل« والرغبة في معاقبة هذا الحليف على تهوّره. السلطة الفلسطينية اعتمدت حكومة تكنوقراطية لا سياسية وتعوّل على الدعم أولاً وأخيراً لتتمكّن من حكم القطاع وسط معارضة إسرائيلية. والدول العربية الأساسية آخذة في بلورة توجّهاتها معتمدة على إدارة أمريكية ليس واضحاً إذا كانت هذه الإدارة ستبقى لتفي بأي وعود والتزامات. أما إيران و«محور الممانعة« أو »المقاومة«، الطرف الرابع في الحرب، فتُجري حسابات صعبة ومعقّدة لحصر مكاسبها وخسائرها، واستطراداً لإعادة تعريف وظائف ميليشياتها.

مع امتناع الولايات المتحدة عن إشهار »الفيتو« ضد قرارٍ لمجلس الأمن يطلب وقف إطلاق النار في غزّة، وامتناع رئيس وزراء إسرائيل عن إرسال وفده إلى واشنطن للتشاور في شأن دخول رفح وتفادي المجاعة، ثبتت جدية الخلاف بين الحكومتَين، تحديداً بين بايدن وبنيامين نتانياهو. لكن أي تباعد سياسي بينهما لا يسمح بشقاق بين »البنتاجون« وآلة الحرب الإسرائيلي­ة، ولذا تُرك لوزيري الدفاع أن يتصارحا ويتفاهما طالما أن »الأهداف المشتركة« لحربهما لا تزال قائمة، وقد شكّل تفاهمهما أساساً لمجيء الوفد الإسرائيلي إلى واشنطن وربما لاستعادة التطابق السياسي، ولو من دون الوثوق بنتنياهو وأجنداته الداخلية (البقاء في منصبه) والأمريكية (العمل على إفشال إعادة انتخاب بايدن).

حصل الجانب الإسرائيلي على مزيد من الأسلحة التي طلبها، لكنه تلقّى توبيخاً من »البنتاجون« مباشرةً وإشارات تلامس »الخطّ الأحمر« بالنسبة الى حاجاته العسكرية، وعلى رغم أنها لم تبلغ درجة الإنذار والتهديد فإنها تكفي لأخذها في الاعتبار. لكن إلى أي حدّ، وكيف سيتعامل معها نتنياهو وحلفاؤه المهووسون بمواصلة الحرب، أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، إذ يطالبون باجتياح رفح »الآن«، خلافاً للخطط الأمريكية البديلة، كما يسعون إلى أكبر قدر من »تغيير الواقع« في الضفة الغربية مع توسيع الاستيطان وزيادة درجة الهيمنة على السلطة الفلسطينية.

ما يحسم الحرب على غزّة توافق واشنطن وإسرائيل على أسلوب السيطرة على رفح، باعتبارها المعقل الأخير لـ »حماس« وقادة »كتائب القسّام« والمكان المفترض لآخر ما لديها من قدرات عسكرية ومصانع للصواريخ. واشنطن ليست ضدّ »القضاء على »حماس« عسكرياً، فهذا من صميم حمايتها الدائمة لـ »أمن إسرائيل«، لكنه يعني أيضاً انتزاع ورقة مهمة من إيران وإستراتيجي­تها التي جعلت من القضية الفلسطينية شعاراً ورأس حربة لمدّ نفوذها الإقليمي. لم تقرّر واشنطن بعد كيفية قبول »حماس« السياسية، باعتبارها »جزءاً من الشعب الفلسطيني«، لكن كل شيء سيتوقف على صدقية تطبيقها لـ »حلّ الدولتين« ومدى نجاحها في دفع إسرائيل ليس فقط إلى قبول دولة فلسطينية إلى جانبها، بل خصوصاً الى إلزامها بوقف الاستيطان والتخلّي عن احتلال أراضٍ فلسطينية. صحيح أن واشنطن بنت كل خطط »اليوم التالي« على أساس إقناع العرب بالمقايضة بين »دولة فلسطينية« و »تطبيع مع إسرائيل«، إلا أن أسرع الطرق الى هذه »الدولة« تبدو طويلة ومزروعة بالعقبات، فيما يواظب مسؤولو الإدارة على تصوير الطرق الى »التطبيع« على أنها أقصر وأسرع، كما لو أنه غير مشروط وغير مرتبط تلقائياً بـ »الدولة«. من الواضح أن أمريكا وإسرائيل لا تبديان أي استعداد لتحمّل مسؤولية الاستقرار في المنطقة.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia