Al-Watan (Saudi)

الاستجابة الخجولة

- رويدا مصطفى * معهد واشنطن

يمر الحكم الذاتي لإقليم كردستان العراق بمرحلة حرجة فاقمها حكمان رئيسيان أصدرتهما المحكمة الاتحادية العراقية العليا في فبراير وشكلا تحولًا كبيرًا في التوترات المالية بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية في بغداد.

في الحكم الأول، أمرت المحكمة حكومة إقليم كردستان بتسليم مسؤولية دفع رواتب الموظفين الحكوميين إلى الحكومة الاتحادية بعد أن كانت من مسؤوليات أربيل. وسيتم خصم الأموال من مخصصات ميزانية حكومة إقليم كردستان، ما سيؤدي بالتالي إلى إحكام سيطرة بغداد على الموارد المالية الإقليمية والحد من الاستقلالي­ة المالية لحكومة إقليم كردستان.

ألزمت المحكمة أيضًا حكومة إقليم كردستان بتقديم تقارير شهرية إلى بغداد تتضمن تفاصيل صرف الرواتب ومصادر الإيرادات كافة أيضًا، بما في ذلك المصادر النفطية وغير النفطية. وتهدف زيادة الشفافية هذه إلى معالجة مخاوف بغداد بشأن الإدارة المالية لحكومة إقليم كردستان، ولكنها تسهم أيضًا في الحد من سلطة حكومة إقليم كردستان في إدارة شؤونها المالية وفي التدخل في شؤون المنطقة.

هذان الحكمان هما الأحدث في سلسلة تطورات تعيد تشكيل العلاقة بين أربيل وبغداد منذ أن سجل الاستفتاء حول استقلال كردستان في عام 2017 نقطة تحول في ما يتعلق بالحكم الذاتي لحكومة إقليم كردستان. ومنذ هذه المحاولة الفاشلة للاستقلال كليًا عن بغداد، يشهد الحكم الذاتي في إقليم كردستان العراق تراجعًا تدريجيًا ثابت الخطى يُعزى جزئيًا إلى مجموعة أحكام مثيرة للخلاف أصدرتها المحكمة الاتحادية العراقية، ولم يكن الحكمان الصادران في فبراير سوى أحدثها. وقد أدت هذه الأحكام إلى تقويض سلطة حكومة إقليم كردستان في مجالات رئيسية، علمًا أن الكثيرين في حكومة إقليم كردستان يعتبرونها مسيسة.

غير أن الحكمين الأخيرين يمسان بصميم الحكم الذاتي لحكومة إقليم كردستان إذ لا يعدّ توزيع رواتب موظفي الخدمة المدنية في حكومة إقليم كردستان مجرد معاملة مالية. في حين تدير عادة الحكومات المحلية في أجزاء أخرى من العالم رواتب موظفي الخدمة المدنية في مناطق الحكم الذاتي لما فيه من دلالة على التحكّم بجانب أساسي من الحكم، فإن الحكم الأخير الصادر عن المحكمة الاتحادية العراقية يقوض بشكل مباشر استقلالية حكومة إقليم كردستان نظرًا لأنه يكلف المصارف الخاضعة لسيطرة بغداد بصرف هذه المدفوعات. ولعل الغضب الشعبي من هذا التحول أقل حدة مما كان عليه قبل عشر سنوات، أي في الفترة التي شهدت قدرًا أكبر من الاستقرار، إلا أن المخاوف بشأن النظام الجديد تنتشر. ومن ناحية أخرى، تعود الاستجابة الخجولة إلى حد ما إلى التصور السائد بأن الأحزاب الحاكمة في حكومة إقليم كردستان قد فشلت في إرساء نظام ثابت وموثوق لدفع الرواتب. بالإضافة إلى ذلك، قلّما يؤثر احتمال تأخر بغداد أو تدخلها في دفع الرواتب بالأكراد، إذ واجه عامة الناس إجراءات تقشف وتأخيرًا في دفع الرواتب لسنوات.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia