Al-Watan (Saudi)

ا من السيبراني والذكاء الاصطناعي ديناميكيات معقدة

- نعمة خورامي معهد واشنطن *

تدور المناقشات والمناظرات المعنية باستخدام الفضاء الإلكتروني والذكاء الاصطناعي وأهميتهما في إيران بشكل أساسي حول منظورين رئيسيين، هما: اعتبارهما عناصر أساسية من إستراتيجية الأمن القومي، وفهم القدرات السيبرانية والذكاء الاصطناعي كأدوات أساسية لحماية المصالح الوطنية. وفي سياق عقيدة الدفاع المتقدم التي تحظى بتغطية إعلامية واسعة النطاق في طهران، من المنطقي أن نتوقع من طهران تطوير قدرات إلكترونية هجومية (بمساعدة الذكاء الاصطناعي) تسمح لها باختراق أنظمة خصومها وتنفيذ إجراءات استباقية ضد التهديدات الملموسة. ومن الشروط الأساسية الحاسمة للقيام بذلك تطوير قدرات مراقبة قوية من شأنها تنبيه المسؤولين إلى أي هجوم قادم محتمل. لكن الأدلة المتاحة تشير إلى نقص حاد في هذه القدرات، لا سيما بسبب تعرض البنية التحتية الحيوية لإيران لهجمات إلكترونية متكررة يُزعم أن مصدرها إسرائيل.

وبالإجمال، ترتكز إستراتيجية الأمن القومي الإيرانية على ركيزتين أساسيتين. الركيزة الأولى هي الاستفادة من ميزتها الجغرافية لبناء قدرة هجومية تتمحور حول صواريخ متوسطة وطويلة المدى قادرة على ضرب أهداف قريبة وبعيدة. أما الركيزة الثانية فتعتمد على تعزيز موقف الردع من خلال دعم الجماعات المتحالفة معها أيديولوجيًا والمعادية للمصالح الأمريكية والإسرائيل­ية في المناطق المجاورة لها. ويتوافق هذا الجانب الأخير مع هدف طهران المتمثل بممارسة النفوذ بدلًا من السعي إلى السيطرة الكاملة.

فيما يعترف المسؤولون بأهمية الأدوات السيبرانية والذكاء الاصطناعي في السياسة الخارجية، فإنهم يدركون تمامًا القيود المالية والعلمية في البلاد والتي تحد بشدة من استخدامهما بشكل كامل في هذه المجالات. وبالتالي، يُنظر إلى الفضاء الإلكتروني والذكاء الاصطناعي بشكل أساسي كأدوات لتعزيز خطاب الحكومة، وتوجيه التصورات العامة ومساعدة الحكومة في الحفاظ على سيطرتها المطلقة على المجتمع. وفي مقابلة أجريت بتقنية »التزييف العميق« DEEPFAKE)،( تم بثها مؤخرًا مع نجم كرة القدم البرتغالي كريستيانو رونالدو، ناقش التحديات المالية التي يواجهها، محاولًا على ما يبدو تطبيع الصراعات المتمثلة بإدارة نفقات الأسرة وتراجع قيمة الريال الإيراني.

بالإضافة إلى ذلك، وربما الأهم من ذلك هو أن الاستثمار في قدرات المراقبة السرية يوفر وسيلة أكثر سرية، وبالتالي أكثر فعالية لممارسة النفوذ. على سبيل المثال، إنّ برنامج »آي سباي« EYESPY)( الذي تم الكشف عنه مؤخرًا، وهو شبكة افتراضية. فعزل إيران عن سلاسل التوريد العالمية اضطرّها إلى إنشاء بنية تحتية تكنولوجية محلية لتلبية متطلباتها الأمنية والتجارية. ومع العوامل الإضافية المتمثلة بضعف العملة، وانخفاض تكاليف العمالة والإنتاج، وتساهل سياسات التصدير، والموقف الاستباقي لناحية الاستفادة من خبرتها لتحقيق المكاسب المالية والنفوذ، تُعتبر طهران الآن في وضع مناسب للترويج لتكنولوجيت­ها كبديل أوفر عما يوفره نظراؤها الغربيون.

بصورة عامة، يعكس نهج إيران تجاه الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي ديناميكيات معقدة تتقاطع فيها إستراتيجية الأمن القومي والسيطرة المحلية والقيود على الموارد. وفي حين تشير عقيدة الدفاع المتقدم للبلاد إلى الحاجة إلى قدرات إلكترونية هجومية قوية، دفع واقع الموارد المحدودة والسخط العام الواسع النطاق المسؤولين الإيرانيين إلى اعتبار الأدوات السيبرانية وسيلة منفصلة وفعالة التكلفة لتعزيز قبضتهم المحكمة أصلًا على المجتمع.

مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن إمكانية تجديد بعض تقنيات المراقبة لخدمة

يعكس نهج إيران تجاه ا,من السيبراني والذكاء الاصطناعي ديناميكيات معقدة تتقاطع فيها إستراتيجية ا,من القومي والسيطرة المحلية والقيود على الموارد.

أهداف السيطرة الداخلية والسياسة الخارجية المحتملة، تؤكد على درجة عالية من البراغماتي­ة لدى الإستراتيج­يين الإيرانيين الذين لم يترك لهم كفاحهم على مدى عقد من الزمن ضد العقوبات الغربية أي خيار سوى التفكير والتصرف بشكل مبتكر. من هذا المنطلق، ومن أجل فهم تطور واستخدام الفضاء الإلكتروني والذكاء الاصطناعي في إيران بشكل أفضل، لا بد من الإضاءة ليس فقط على الضرورات الإستراتيج­ية، بل أيضًا على الأجندة الأوسع للنظام والقيود التي يواجهها على الساحة الدولية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia