Al-Watan (Saudi)

نقطة تحول لا تنهي الحرب بل تنقلها إلى خارج غزة

- عبدالوهاب بدرخان

ثلاثة أحداث حصلت في يوم واحد، هو الإثنين الأول من أبريل الحالي، وهي الانسحاب الإسرائيلي من مجمع الشفاء في غزة، والقصف الإسرائيلي لقافلة الإغاثيين الدوليين، والإغارة الإسرائيلي­ة على القنصلية الإيرانية في دمشق. وقد أظهرت جميعًا التفاوت الفادح في معايير التعامل الدولي، القانوني والإنساني والأخلاقي، حيال ما يجري في قطاع غزّة والصراع الأكبر في الشرق الأوسط. ويمكن إلحاق الاجتماع الإلكتروني الأمريكي- الإسرائيلي بهذه الأحداث، لأن محوره إيجاد نقطة تفاهم بين الطرفين حول رفح و»الجراحة« الحربية الفضلى للقضاء على الجناح العسكري لحركة »حماس« والفصائل الأخرى.

لم يتوقف المجتمع الدولي أمام ذلك الانسحاب الثاني بعد الاجتياح الثاني لـ »مجمع الشفاء الطبي« في غزة، حيث استمر القتال أسبوعين بين الأبنية التابعة له، كما في محيطه وفي حي الرمال حيث دمّر ما يقرب من 1050 منزلا، وكانت الصدمة في اكتشاف نحو 400 جثة، بعضٌ منها متحلّل، ولم تُعرف بالضبط ظروف مقتل أصحابها، وهل كانوا مقاتلين أم من النازحين الذين لجؤوا إلى المكان ظنٍّا منهم أنه صار »شبه آمنٍ« بعدما اجتاحه الإسرائيلي­ون (نوفمبر 2023) ثم تركوه، لكن شهودًا محليين أفادوا بأن كثيرين قضوا في إعدامات ميدانية لأنهم كانوا مقيّدين، كما أن عشرات الجثث هُشّمت بمرور الدبابات والجرافات فوقها. هذه المرّة لم يعد هناك مستشفى، فالأبنية مدمّرة أو محترقة، والمشهد »كأنه نهاية العالم«، بحسب إحدى الشهادات... نددت منظمة الصحة العالمية ومنظمات أممية أخرى بهذه الواقعة، وطالبت هيئات حقوقية بإجراء تحقيق خاص بها، لكنها لم تثر ردود الفعل الدولية المناسبة، كما لو أنها اعتُبرت من سياقات الحرب المستمرة.

على العكس، أحدث قتل موظفي »المطبخ المركزي العالمي« السبعة الصدمة الكبرى التي انتظرتها الحرب على غزة طوال ستة شهور، وكان يجب أن تحصل كي يبدأ شيء من التغيير الدولي (الأمريكي) في الموقف من الحرب ومجرياتها الوحشية. ستة أجانب وفلسطيني واحد كان يُعتقد أنهم يتمتعون بحصانة دولية، معنوية على الأقّل، ثم إنهم تحرّكوا بتنسيق كامل مع الجيش الإسرائيلي وبتحديد مسبق لكل تنقّلاتهم والعلامات التي تحملها سياراتهم. لم تأتِ بعثة »المطبخ المركزي« بشكل مفاجئ إلى القطاع، واستغرق وصولها شهورًا من الإعداد والاتصالات انطلاقًا من قبرص، ولم يسمح بدخولها إلا بعدما أصبحت »المجاعة« واقعًا معاشًا وخطرًا داهمًا استوجب ضغوطًا أمريكية وأوروبية. خلال أيام استطاعت أن تصنع فارقًا أوليًا سريعًا في مناطق شمال غزّة، وحين غادرت دير البلح بعدما وزّعت وجباتها هناك اصطادتها الطائرات الإسرائيلي­ة »بشكل ممنهج«، وفقًا لمؤسس »المطبخ« خوسيه أندريس، إذ »قصفت سياراتهم واحدةً تلو أخرى«، ولم تكن الضربات »خطأ« كما قال الجيش، ولا كانت »مما يحدث في الحروب« كما برّر بنيامين نتانياهو من دون أن يعتذر.

كانت بيانات وكالات »الأونروا« ومنظمات أممية أخرى أعلنت مرارًا أن مئات عدّة من عمال الإغاثة قتلوا خلال تأدية عملهم، ولم يهتمّ أحد بموتهم، بل قوبلت بمزيد من عرقلة عملياتها إلى حد شلّها والإحجام عن تمويلها بذريعة أن إسرائيل تتهم بعض موظّفيها بأنهم أعضاء في »حماس«. لكن ما الذي دفع الإسرائيلي­ين إلى قتل الإغاثيين الدوليين عمدًا؟ لأن هؤلاء جاؤوا بدعم دولي وكانوا على وشك إبعاد شبح المجاعة التي كانت أحد أهداف الحرب، وعلى وشك كسر الحصار الذي كان أحد وسائلها.

بعد مكالمة هاتفية متوتّرة بين جو بايدن ونتانياهو انعقد »مجلس الحرب« وقرر فتح »كل المعابر« أمام المساعدات، وشكّل ذلك دليلًا رسميًا على أن التجويع والتعطيش والحرمان من الدواء وغيرها كانت بـ »قرار حكومي« ووجب أن يستبدل بقرار آخر. لم يتسبب الغضب الدولي بمزيد من العزلة الدبلوماسي­ة لإسرائيل فحسب، بل أصبح الامتناع عن بيع أسلحة إليها مطلبًا عالميًا تبنّته منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، حتى أن الولايات المتحدة لوّحت به وربطته بإحراز تقدّم ملموس في تدفق المساعدات،

لم يتسبب الغضب الدولي بمزيد من العزلة الدبلوماسي­ة "سرائيل فحسب، بل أصبح الامتناع عن بيع أسلحة إليها مطلبًا عالميًا.

لكنها لن تصل إلى حدّ الموافقة على فرض عقوبات دولية على إسرائيل. وهكذا فإن قتل ستة أجانب هزّ الجمود الإنساني الدولي في حين أن قتل أكثر من 33 ألف فلسطيني لم يحرك ساكنًا. هل خسرت إسرائيل سلاح منع المساعدات واستهدافها وحتى استهداف منتظريها؟ وهل أن قتل موظفي »المطبخ« كان نتيجة »خطأ« ارتكبه الذكاء الاصطناعي الذي يعمل بما يلقّم به من معطيات؟ لا يزال الأمر يتطلّب تغيير طبيعة الأوامر الصادرة للجيش بالقتل من دون تمييز بين أهداف مدنية وأخرى عسكرية.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia