SRMG وروح العصر

كوني صحفّيا أعمل في منصة صحفية عريقة (الرجل) كانت وال تزال رائدًة في مجالها، ُيمكن أن أقول إن التحدي األكبر للمشتغلين في صناعة اإلعالم اليوم ودون منازع يكمن في «مواكبة روح العصر )Zeitgeist( أو تلك التي يمكن أن نختصرها بأنها القيم والقوى التي ُتسهم في تشكيل األحداث والتطورات ووجه الحياة: الطموحات والتطلعات في مجتمع ما خالل فترة معينة. وفي مواكبة تلك الروح فيما يتعلق بمؤسسات رصينة ذات رصيد يمتد لعقود، يتضاعف التحدي ويصبح أكثر وعورًة، ويتطلب جرأة وجسارة ورؤية ثاقبة. الشاهد من كالمي ما اختارته المجموعة السعودية لألبحاث واإلعالم »SRMG« من أن ترقمن مجموعة من إصداراتها العريقة الشهر الفائت، ولعل ذلك لم يأت من باب التجريب أو ادعاء الحداثة. نحن نتكلم عن مؤسسة عمرها يقارب نصف قرن، ولديʇها تقاليد وجمهور ومصداقية، لديʇها وسائل إعالم وصحف عريقة شكلت ذاكرة جمعية للجمهور العربي في لحظات حاسمة من تاريخه، وهذا بالضبط ما يجعل عملية التحول التي خاضتها ليست فقط استشراًفا للمستقبل، بل مشاركة في صناعته. اجتراح وجرأة محسوبة في تحديث األدوات وطرق الوصول ومخاطبة الجمهور، دون المساومة على جودة المضامين وإثرائها والتمسك بالتقاليد المهنية. العالم يتغير بوتيرة متسارعة، كل نقطة تفتح على مسارات جديدة وتتولد سرعات مختلفة عما سبقها. المجموعة السعودية لألبحاث واإلعالم )SRMG( تمتلك البنى التحتية والمطابع والهياكل وكل مستلزمات اإلعالم التقليدي الكالسيكي، وهي مؤسسة ذات ربحية عالية، لكنها قررت االنعطاف حيث روح العصر ألنها محكومة برؤية، وتتطلع إلى المستقبل بعين العقل وشغف الصانع الماهر، وتدرك جيًدا أن األدوات القديمة التي كلفتها مبالغ طائلة، في أحسن األحوال سيكون مكانها المتاحف يوًما. نحن ال ننفي استمرار المطبوع؛ تاريخ تطور وسائل االتصال واإلعالم يشير بوضوح إلى أن في كل مرحلة هناك من يتسيد المشهد، في يوم ما طرد الراديو من الصالون إلى المطبخ، وحل محله التلفزيون، ثم أتى من يطيح بمركزية التلفزيون وبفكرة الصالونات من أساسها. نحن في عالم تغمره األلياف الضوئية التي تنقل البيانات بسرعات هائلة، والهواتف الذكية والتطبيقات والذكاء االصطناعي والخوارزميات، وتتصدره منصات وسائل التواصل االجتماعي في عملية الوصول إلى المحتوى اإلعالمي وتشكيله والتفاعل معه. الشهر الفائت انضمت صحيفة «االقتصادية» العريقة أحد إصدارات »SRMG« إلى سرب التحول الرقمي، وهي أيًضا مطبوعة عمرها يناهز الـ03 عاًما، وتتمتع بتكامل واندماج مع «اقتصاد الشرق بلومبرغ» المنصة التي تديرها أيًضا SRMG الشركة المالكة للمنصتين، والوعد هو «رفع الجودة وضبط المحتوى واستثمار الكوادر البشرية بذكاء وبراعة». يكفي أن نشير إلى آخر ما أنتجته المجموعة، بإطالق «الشرق ديسكفري» التي تمكنت خالل ثالثة أشهر فقط من تقديم محتوى جديد ومشوق وباللغة العربية من خالل برامج مهنية وخفيفة الظل وتنفذ إلى عمق القصد وغاية التحديث. إذن، في الوقت الذي تتحول فيه إصدارات عريقة إلى نسخ رقمية في المجموعة بغاية مواكبة روح العصر، يبزغ نجم منتجات جديدة ليست الشرق ديسكفري آخرها فهناك قائمة من المشاريʇع الرائدة ستسهم في رسم مشهد جديد لإلعالم العربي.