ﺣﺪﻳﺚ »ﻳﺴﺪ اﻟﻨﻔﺲ«

ﻛــﻨــﺖ ﻓـــﻲ ﺣـــﺪﻳـــﺚ ﻃـــﻮﻳـــﻞ ﻣـــﻊ ﻣــﺴــﺎﻓــﺮ ﺻــــﺎدف اﻟــﺤــﻆ أﻧــﻨــﻲ أﺟــﻠــﺲ ﺑــﺠــﺎﻧــﺒــﻪ ﻓﻲ رﺣﻠﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺑﺎﻟﻄﺎﺋﺮة. اﻟﺮاﻛﺐ اﻟﺬي ﻳﺠﻠﺲ ﺑﺠﺎﻧﺒﻲ ﻛــﺎن ﻣــﻬــﺎﺟــﺮا ﻋـﺮﺑـﻴـﺎ ﻗـﻀـﻰ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ ﻋﻘﻮد ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﻐﺮب، وﺳﺄﻟﻨﻲ ﻋﻦ رأﻳــﻲ ﻓﻲ ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت اﻷﻣــﻴــﺮﻛــﻴــﺔ ﻋـﻠـﻰ ﻣـﻨـﻄـﻘـﺔ اﻟــﺸــﺮق اﻷوﺳـــﻂ. ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ ﻣﺒﺘﺴﻤﺎ: وﻣــﺎ اﻟــﺬي ﻳﻌﻨﻴﻚ وأﻧـﺖ أﺻﺒﺤﺖ ﺗﻘﻴﻢ ﺧــﺎرج اﳌﻨﻄﻘﺔ؟ ﻗــﺎل ﻟـﻲ إن أﻣﻴﺮﻛﺎ ﻻ ﺗﺰال اﻟﺒﻠﺪ اﻷﻗﻮى ﻋﺎﳌﻴﺎ واﻷﻛﺜﺮ ﻗﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ وإﺣﺪاث اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ.

ﺗـﻤـﻬـﻠـﺖ ﻗــﻠــﻴــﻼ ﻗــﺒــﻞ أن أﺟــﻴــﺐ اﻟــﺮﺟــﻞ وﺗﻨﻬﺪت وﻗﻠﺖ ﻟﻪ: أﻋﺘﻘﺪ أن ﻫﻨﺎك »ﺗﺄﺛﺮا« ﺳﻴﺼﻴﺐ اﳌﻨﻄﻘﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﺤﺎﻻت. ﻗﺎﻃﻌﻨﻲ وﻗـــــﺎل ﻟــــﻲ: ﻟـــﻢ أﻓـــﻬـــﻢ.. أرﺟـــــﻮ ﻣــﻨــﻚ اﻟــﺘــﻜــﺮم ﺑﺎﻟﺘﻮﺿﻴﺢ. ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: ﺳﺄوﺿﺢ ﻟﻚ ﻣﻘﺼﺪي. ﻓﻲ ﺣﺎل اﻧﺘﺨﺐ اﻷﻣﻴﺮﻛﺎن ﻫﻴﻼري ﻛﻠﻴﻨﺘﻮن ﻓـــﺈن ﻣــﺸــﺮوع اﻟــﺮﺑــﻴــﻊ اﻟــﻌــﺮﺑــﻲ ﺳـﻴـﺘـﻮاﺻـﻞ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﺪﻳﺪ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺰءا ﻣﻦ اﳌﻄﺒﺦ اﻟــﺴــﻴــﺎﺳــﻲ ﺣـــﲔ ﺗـــﻢ إﻃـــﻼﻗـــﻪ ﻣــﻨــﺬ ﺳــﻨــﻮات ﻣﻀﺖ، وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺳﺘﻜﻮن اﳌﻨﻄﻘﺔ ﻣﺘﺮﻗﺒﺔ وﺣـــﺬرة ﻣﻤﺎ ﺳﻴﻜﻮن ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻜﻞ »ﺗﻜﻤﻠﺔ« اﻟﺮﺑﻴﻊ ﻣﻊ ﻋﺪم إﻏﻔﺎل ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﺟﺪا، وﻫﻲ أن ﻫﻴﻼري ﻛﻠﻴﻨﺘﻮن رﻏﻢ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺗﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ اﻟﺤﺰب اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺿﻤﻦ ﻣﻦ ﺻﻮﺗﻮا ﺑﺘﺄﻳﻴﺪ ﻗـــﺮار اﻟـﺮﺋـﻴـﺲ اﻟـﺠـﻤـﻬـﻮري ﺟــﻮرج ﺑـــﻮش اﻻﺑــــﻦ ﺑــﻐــﺰو اﻟـــﻌـــﺮاق. أﻣـــﺎ ﻓــﻲ ﺣـﺎﻟـﺔ اﻧـﺘـﺨـﺎب اﻷﻣــﻴــﺮﻛــﺎن ﻟﻠﻤﺮﺷﺢ اﻟﺠﻤﻬﻮري اﳌﺜﻴﺮ ﻟﻠﺠﺪل دوﻧﺎﻟﺪ ﺗﺮاﻣﺐ ﻓﺴﻴﻜﻮن اﻷﺛﺮ ﻣﺨﺘﻠﻔﺎ، وﻓــﻲ ﺣــﲔ ﻳـﻜـﻮن ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻫﻴﻼري ﻛـﻠـﻴـﻨـﺘـﻮن ﺗــﺄﺛــﻴــﺮا ﻟـــ»اﻟــﺨــﺎرج« ﻓـــﺈن ﺗﺄﺛﻴﺮ دوﻧــــﺎﻟــــﺪ ﺗـــﺮاﻣـــﺐ ﺳــﻴــﻜــﻮن إﻟــــﻰ »اﻟــــﺪاﺧــــﻞ« ﺑـــﺘـــﺸـــﺮﻳـــﻌـــﺎت وﺳــــﻴــــﺎﺳــــﺎت ﻳـــﺘـــﻢ اﻟــﺘــﻤــﻴــﻴــﺰ واﻟــﺘــﻀــﻴــﻴــﻖ ﻣــــﻦ ﺧـــﻼﻟـــﻬـــﺎ ﻋـــﻠـــﻰ اﻟــﺠــﺎﻟــﻴــﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﳌﺴﻠﻤﲔ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻘﺼﻮد ﺗﺤﺖ ﻣﻈﻠﺔ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﻦ ﺑﺸﻜﻞ »اﺳﺘﺒﺎﻗﻲ واﺣــﺘــﺮازي«، وﻫــﺬا ﺳﻴﻜﻮن ﻟـﻪ اﻧﻌﻜﺎﺳﺎت ﺳﻠﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻣـﻊ اﳌﻨﻄﻘﺔ ﻋﻤﻮﻣﺎ واﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﺸﻜﻞ أﻛﺒﺮ.

ﺗﻀﺎﻳﻖ اﻟﺮﺟﻞ وﺑﺪا ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ اﻟﺘﻜﺪر ووﺿﻊ ﻳﺪه ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ، وأﺿﻔﺖ أن ﻫﻨﺎك وﺿﻌﺎ ﺟﺪﻳﺪا ﻟﻠﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ وإﻋـــﺎدة اﻟﺘﻤﺮﻛﺰ ﻓـﻲ دورات زﻣﻨﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﻐﺮﻳﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻳﻘﺮأ اﻟﺘﺎرﻳﺦ. اﳌﻨﻄﻘﺔ ﻳﻌﺎد ﺗﺸﻜﻴﻠﻬﺎ ﺳـــﻮاء ﻣــﻦ اﻟـﻨـﻮاﺣـﻲ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ ﺑﺘﻘﺴﻴﻤﺎت ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻄﻴﺎت إﺛﻨﻴﺔ وﻋﺮﻗﻴﺔ ودﻳﻨﻴﺔ وﻃﺎﺋﻔﻴﺔ وﻣﺬﻫﺒﻴﺔ أو ﻣـــﻦ ﻧـــــﻮاح أﺧـــــﺮى ﺗــﻌــﺘــﻤــﺪ ﻋــﻠــﻰ ﺗـﻔـﺮﻳـﻎ اﻟﺴﻜﺎن ﻣﻦ ﺑﻼد أﺻﻠﻴﺔ إﻟﻰ ﺑﻼد »أﺧﺮى«. ﺗﻤﻌﻦ ﻓﻴﻤﺎ ﺣﺼﻞ ﳌﻮاﻃﻨﻲ اﻟﻴﻤﻦ وﻟﺒﻨﺎن واﻟﻌﺮاق وﺳﻮرﻳﺎ واﻟﺴﻮدان اﻟﺬﻳﻦ ﺧﺮﺟﻮا ﻃﻮﻋﺎ وﻛﺮاﻫﺔ ﻣﻦ ﺑﻼدﻫﻢ وأﺻﺒﺤﻮا أرﻗﺎﻣﺎ وﻧﺴﺒﺎ ﻓﻲ ﺑـﻼد أﺧــﺮى ﺗﺸﻜﻞ وزﻧــﺎ وﺛﻘﻼ ﻣﺜﻞ أوﺿﺎﻋﻬﻢ ﻓﻲ اﻷردن وﻟﺒﻨﺎن وﺗﺮﻛﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﳌﺜﺎل ﻻ اﻟﺤﺼﺮ، ﻛﻞ ذﻟﻚ ﺟﺰء ﻣﻦ إﻋــﺎدة اﻟﺘﺸﻜﻴﻞ اﻟﻨﺎﻋﻢ. اﳌﻨﻄﻘﺔ ﺗﺮﻛﺖ ﺗـﺸـﺘـﻌـﻞ ﻷن اﻟــﺠــﻤــﺎﻋــﺎت اﳌــﺘــﻄــﺮﻓــﺔ وﻇـﻔـﺖ ﻧـﻔـﺴـﻬـﺎ ﳌـــﻌـــﺎداة اﻟــﻄــﺮف اﻵﺧــــﺮ واﳌــﺨــﺎﻟــﻒ ﻋﻘﺎﺋﺪﻳﺎ داﺧـﻞ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻮاﺣﺪ ﻧﻔﺴﻪ، وﻫﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺗﻔﻲ ﺑﺎﳌﻄﻠﻮب ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻳﻬﻤﻪ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻹرﻫﺎب اﻟﺬي ﺗﻘﻮم ﺑﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت اﳌــﻮﺗــﻮرة، ﻓﻬﻲ »ﺑـــﺮرت« ﻛــﻞ اﻷﻋــﻤــﺎل اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﺑﻬﺎ ﺿﺪ اﳌﺴﻠﻤﲔ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑـﺄن ﻫﺬا ﻳﻘﻊ ﻣﻦ ﺿﻤﻦ »ﻓﻘﻪ اﻷوﻟﻮﻳﺎت«. اﻷرﺿﻴﺔ ﻻ ﺗﺰال ﻣﻬﻴﺄة وﺟﺎﻫﺰة ﻟﻜﻲ ﻳﺘﻢ »اﻟﻠﻌﺐ ﻓﻴﻨﺎ«، ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻫﺬا اﻟﻜﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﻘﻰ ﻓﻬﻞ ﻟﻨﺎ أن ﻧﻠﻮم ﻏﻴﺮﻧﺎ إذا ﻟﻌﺒﻮا ﺑﻨﺎ؟

ﻧﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺮاﻛﺐ اﻟﺬي ﻳﺠﻠﺲ ﺑﺠﻮاري ﻧــﻈــﺮة ﻃــﻮﻳــﻠــﺔ وأﺷـــــﺎر ﺑــﻴــﺪه إﻟـــﻰ اﳌﻀﻴﻔﺔ ﻃـﺎﻟـﺒـﺎ ﻣﻨﻬﺎ أن ﺗــﺄﺧــﺬ اﻟـﻄـﻌـﺎم ﻣــﻦ أﻣــﺎﻣــﻪ، وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ: »وﻟﻜﻨﻚ ﻟﻢ ﺗﺄﻛﻞ ﺷﻴﺌﺎ« ﻓﺄﺟﺎب ﺑﺼﻮت ﺧﺎﻓﺖ: »أﻋﻠﻢ ﻷن ﻧﻔﺴﻲ اﻧﺴﺪت ﻋﻦ اﻟﻄﻌﺎم«.