Asharq Al-Awsat Saudi Edition

ﻣﻄﺒﺦ ﰲ اﳌﻤﺮ

-

وﻟﺪ ﻓﻼدﻳﻤﻴﺮ ﻓﻼدﻳﻤﻴﺮوﻓﻴ­ﺘﺶ ﺑﻮﺗﲔ ﻷب ﺑﺴﻴﻂ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﻌﻤﺎﻟﻴﺔ وأم أﺷﺪ ﺑﺴﺎﻃﺔ. ﻛﺎن اﻷﺑﻮان ﻗﺪ ﻓﻘﺪا وﻟﺪﻳﻦ ﻗﺒﻞ إﻃﻼﻟﺘﻪ ﻓﻲ ٧ أﻛﺘﻮﺑﺮ )ﺗﺸﺮﻳﻦ اﻷول( ٢٥٩١ ﻓﻲ ﻟﻴﻨﻴﻨﻐﺮاد، اﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪت أﻋﻈﻢ ﻣﻌﺎرك اﻻﺳﺘﻘﻼل اﻟﺴﻮﻓﻴﺎﺗﻴﺔ، وأﺳﻮأ ﺣﺮوب ﻫﺘﻠﺮ اﻟﻬﻤﺠﻴﺔ ﺧﺎرج ﺑﻼده. ﻣﻠﻴﻮن ﻗﺘﻴﻞ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﺳﻤﻲ »اﻟﺤﺮب اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﻜﺒﺮى«. وﻗﺪ ﻋﺎش اﻷب واﻷم ﻓﻲ ﺷﻘﺔ ﻣﻦ ﻣﺒﻨﻰ ﺗﻌﺎوﻧﻲ ﺗﺒﻠﻎ ﻣﺴﺎﺣﺘﻬﺎ ٧٫٦١ ﻣﺘﺮ ﻣﺮﺑﻊ. ﻛﺎن اﳌﻄﺒﺦ ﻣﺸﺘﺮﻛﺎ ﻓﻲ اﳌﺒﻨﻰ اﳌﺆﻟﻒ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﺔ ﻃﻮاﺑﻖ، واﻟﺤﻤﺎم ﻣﺸﺘﺮﻛﺎ أﻳﻀﺎ، واﳌﻤﺮ ﺑﻼ ﻧﻮاﻓﺬ. وﺿﻤﺖ ﻓﻴﻪ ﻃﺒﺎﺧﺔ ﻏﺎز واﺣـﺪة. ﻋﻨﺪﻣﺎ رزﻗﺖ ﻓﻼدﻳﻤﻴﺮ وﻫﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﺎدﻳﺔ واﻷرﺑﻌﲔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ، اﻋﺘﺒﺮت ﻣﺎرﻳﺎ ﺑﻮﺗﲔ أن أﻋﺠﻮﺑﺔ ﻗﺪ ﺣﺪﺛﺖ ﻟﻬﺎ. وراﺣــﺖ ﺗﻀﺎﻋﻒ أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ ﻓــﻲ ﺗﻨﻈﻴﻒ اﳌـﺒـﺎﻧـﻲ وﻏـﺴـﻞ اﳌـﺨـﺘـﺒـﺮ­ات اﻟﻄﺒﻴﺔ وﺗــﻮزﻳــﻊ اﻟـﺨـﺒـﺰ، وﺟﻤﻴﻌﻬﺎ أﻋﻤﺎل ﺗﻤﻨﺤﻬﺎ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻜﺎﻓﻲ ﻟﻼﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﻄﻔﻞ اﻟﺠﺪﻳﺪ. ﻛﺎن ﻓﻼدﻳﻤﻴﺮ اﻟﻄﻔﻞ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻓﻲ اﳌﺒﻨﻰ اﻟﺘﻌﺎوﻧﻲ، وﻟﺬﻟﻚ، ﺣﻈﻲ ﺑﺮﻋﺎﻳﺔ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻌﺎﺋﻼت ﻓﻲ اﻟﺸﻘﻖ اﳌﺠﺎورة. وﻣﻨﻬﺎ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻳﻬﻮدﻳﺔ ﺣﺮص ﻋﻠﻰ زﻳﺎرﺗﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺪس ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎم ﺑﺄول زﻳﺎرة ﻹﺳﺮاﺋﻴﻞ.

ﻛﺎن اﳌﺒﻨﻰ اﻟﺘﻌﺎوﻧﻲ رﻣﺰا ﻣﻦ رﻣﻮز اﻟﻔﻘﺮ واﻟﻌﻮز ﻓﻲ اﳌﺪﻳﻨﺔ اﻟﺨﺎرﺟﺔ ﻣﻦ ﺳﻨﻮات اﻟﺤﺼﺎر واﳌـﻮت. وﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺒﺎﺋﺲ، ﻋﺎش ﻓﻼدﻳﻤﻴﺮ ﺳﻨﻮاﺗﻪ اﻷوﻟﻰ، دون أن ﻳﺬﻫﺐ إﻟﻰ روﺿﺔ اﻷﻃﻔﺎل، ﺑﺴﺒﺐ ﺣﺮص ﻣﺎرﻳﺎ ﻋﻠﻴﻪ. وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳــﺮزق ﺑﺎﺑﻨﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ، ﺗﻘﺘﺮح زوﺟـﺘـﻪ ﻟﻮدﻣﻴﻼ أﺳـﻤـﺎء ﻛﺜﻴﺮة ﻟﻬﺎ، ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳـﺘـﺰﺣـﺰح: »ﺳـــﻮف ﺗﺤﻤﻞ اﺳــﻢ أﻣـــﻲ، ﻣــﺎرﻳــﺎ«. وﺗــﺤــﺪث ﻓــﻲ ﻣـﺬﻛـﺮاﺗـﻪ ﻋــﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﲔ، ﻓﻘﺎل إﻧﻪ ﻛﺎن ﻃﻔﻼ ﺷﻘﻴﺎ. وﻣﻊ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺶ ﺳﻨﻮات اﻟﺤﺼﺎر اﻟﻨﺎزي ﻓﻘﺪ ﺳﻤﻊ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻋﻨﻬﺎ. وﻗﺮأ ﺑﺎﻛﺮا رواﻳﺔ »اﻟﺪرع واﻟﺴﻴﻒ« اﻟﺘﻲ ﺳﺤﺮت ﺷﺒﺎب ذﻟﻚ اﻟﺠﻴﻞ وﻣﻸﺗﻬﻢ ﺑﺎﻟﺮوح اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ وﺣﺐ اﻻﻧﺘﻘﺎم. وﺣﻠﻢ ﺑﻮﺗﲔ ﺑﺘﻘﻠﻴﺪ ﺑﻄﻞ اﻟﺮواﻳﺔ اﳌﻘﺪم أﻟﻜﺴﻨﺪر ﺑﻴﻠﻮف، ﺿﺎﺑﻂ اﻻﺳﺘﺨﺒﺎرات، اﻟﺬي ﻳﺨﺘﺮق ﺻﻔﻮف اﻟﻨﺎزﻳﲔ وﻳﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﺿﺎﺑﻂ ﻓﻲ ﺟﻴﺶ اﻟﺼﺎﻋﻘﺔ. وﻳﻘﺮر أﻧﻪ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻜﻮن ﺷﻴﺌﺎ آﺧــﺮ، ﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺬﻫﺐ ﻟﻠﺘﻄﻮع ﻓﻲ اﻟﺠﻬﺎز، ﻳﻘﺎل ﻟﻪ إن اﳌﺆﺳﺴﺔ ﻻ ﺗﻘﺒﻞ اﳌﺘﻄﻮﻋﲔ، وإﻧـﻤـﺎ ﻫـﻲ ﻣـﻦ ﺗﺒﺤﺚ ﻋـﻦ رﺟﺎﻟﻬﺎ ﻓـﻲ أوﺳــﺎط اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت وﺑﲔ ﺿﺒﺎط اﻟﺠﻴﺶ. إﻻ أن ﺷﻴﺌﺎ ﻟﻦ ﻳﺜﻨﻲ ﺑﻮﺗﲔ ﻋﻦ ﺣﻠﻤﻪ، ﻓﺎﻧﻀﻢ إﻟﻰ ﻛﻠﻴﺔ اﻟﺤﻘﻮق ﻳﺪرس اﻟﻘﺎﻧﻮن ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﻃﺮﻳﻘﺎ إﻟﻰ اﻟﻜﻲ ﺟﻲ ﺑﻲ. ﺑﺪأت أﺣﻼﻣﻪ ﻋﺎم ٨٦٩١ وﺳﻂ اﻻﺿﻄﺮاﺑﺎت اﻟﺘﻲ ﺣﻤﻠﺖ اﺳﻢ رﺑﻴﻊ ﺑﺮاغ. وﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺒﺪو أذواق ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﺸﺎﺋﻌﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ﻣﺜﻞ أﻏﺎﻧﻲ اﻟﺒﻴﺘﻠﺰ، اﻟﺘﻲ ﺳﻮف ﻳﺼﻔﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺑـ »أﻧﻬﺎ ﻣﻨﻌﺸﺔ ﻣﺜﻞ ﻧﺴﻴﻢ ﻋﻠﻴﻞ«. وﻋﺰف ﺑﺪوره اﻷﻛﻮردﻳﻮن واﻟﻐﻴﺘﺎر اﻟﺬي أﻫﺪاه إﻟﻴﻪ واﻟﺪه. وﻋﻨﺪﻣﺎ رﺑﺤﺖ أﻣﻪ ورﻗﺔ ﻳﺎﻧﺼﻴﺐ ﺑﻘﻴﻤﺔ ٠٠٥٣ روﺑﻞ، أﻋﻄﺘﻪ اﳌﺒﻠﻎ ﻛﺎﻣﻼ، ﻓﺎﺷﺘﺮى ﺑﻪ ﺳﻴﺎرة ﺻﻐﻴﺮة ﺗﻘﻠﻪ إﻟﻰ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ أﻣﺎم إﻋﺠﺎب اﻟﻄﺎﻟﺒﺎت وﺣﺴﺪ اﻟﻄﻼب. ﻓﺎﻟﺴﻴﺎرة اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻻﺗﺤﺎد اﻟﺴﻮﻓﻴﺎﺗﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻳﻮﻣﻬﺎ ﺣﻠﻤﺎ ﻻ ﻳﺤﻘﻘﻪ ﻛﺜﻴﺮون. إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ دروﺳﻪ، ﻣﺎرس اﻷﻟﻌﺎب اﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام، وﻋﻤﻞ ﻓﻲ أﺷﻐﺎل ﻛﺜﻴﺮة ﺧﻼل اﻟﻌﻄﻞ، ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻗﻄﻊ اﻷﺧﺸﺎب ﻓﻲ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ ﺟﻮرﺟﻴﺎ. وﻣﺮة ﺗﺴﻠﻞ ﻣﻊ رﻓﺎق ﻟﻪ إﻟﻰ ﺑﺎﺧﺮة ﻣﺒﺤﺮة إﻟﻰ ﻣﻴﻨﺎء أودﻳﺴﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺳﻮد، وﻇﻞ ﻣﺨﺘﺒﺌﺎ ﻓﻲ ﻗﺎرب ﻟﻠﻨﺠﺎة ﻃﻮال ﻳﻮﻣﲔ.

إﻟﻰ اﻟﻠﻘﺎء..

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia