Asharq Al-Awsat Saudi Edition

ﰲ ﺑﻼد اﳋﺒﺰ واﳉﱭ

-

ﺗﺤﻤﻠﻨﻲ اﻷﺳﻔﺎر ﻛﻞ ﻋﺎم ﺗﻘﺮﻳﺒﴼ إﻟﻰ ﺟﺒﺎل اﻷﻟﺐ. وإذا ﻛﻨﺖ ﺗﺴﺎﻓﺮ ﻓﻲ أوروﺑــﺎ ﺑــﺮﴽ، ﻓﺎﻷﻟﺐ ﻣﺜﻞ ﺻﻨﻌﺎء ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪة اﻹﻣـﺎم اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ، ﻻ ﺑﺪ ﻣﻨﻪ. ﻳﻄﻞ اﻷﻟﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎرة ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن. وﻧﻌﺒﺮ اﻵن أﻧﻔﺎﻗﻪ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎرة، واﻷﺿﻮاء اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻖ اﻟﻌﺘﻢ، ﻧﺘﺬﻛﺮ أن ﻫﻨﻴﺒﻌﻞ ﻋﺒﺮ ﻗﻤﻤﻪ ﻋﻠﻰ اﻷﻓﻴﺎل ﻃﺎﻟﺒﴼ رأس روﻣـﺎ وﻣﺠﺪﻫﺎ. وﺑﻌﺪ ﻋﻘﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﺼﺎر واﻟﻜﺮ، ﺧﺬﻟﻪ ﻋﺪد اﻷﻓﻴﺎل اﻟﺘﻲ ﻣﻌﻪ، ﻓﻬﺰم وﺣﺰن، ﻟﻜﻦ ﻣﺤﺎوﻟﺘﻪ ﻇﻠﺖ إﺣﺪى ﺑﻄﻮﻻت اﻟﺤﺮوب اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ. وﻗﺎﻫﺮ اﻷﻟﺐ اﻵﺧﺮ ﻛﺎن ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن، وﻣﻌﻪ ٠٤ أﻟﻒ ﺟﻨﺪي. وﻫﻮ أﻳﻀﴼ ﻋﺒﻘﺮﻳﺔ ﺣﺮﺑﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة، وﻫﺰﻳﻤﺔ ﻛﺒﺮى ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻄﺮﻳﻖ.

وﻧﺤﻦ ﻻ ﻫﺬا وﻻ ذاك. ﻓﻜﻞ ﻣﺮادﻧﺎ ﻣﻦ رﺣﻠﺔ اﻷﻟﺐ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ واﻟﺠﱭ، اﻟﺘﻲ اﺷﺘﻬﺮ ﺑﻬﺎ أﻫﻞ أودﻳﺘﻪ. وﻣﺎ زﻟﺖ أﻋﺠﺐ ﻛﻴﻒ ﻳﻘﻄﻦ اﻷﻟﺒﻴﻮن ﻫﺬه اﻷودﻳﺔ اﻟﺴﺤﻴﻘﺔ، ﻳﻘﻄﻨﻮن ﺳﻔﻮح اﻟﺠﺒﺎل واﻟـﺘــﻼل اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪو ﻓـﻲ اﻟﻠﻴﻞ ﻗﻄﻌﺔ ﻣـﻦ ﻧﺠﻮم اﻟﺴﻤﺎء ﺳﻘﻄﺖ وﺗﻨﺎﺛﺮت ﻓﻮق ﺑﻘﻊ ﺗﺼﻌﺐ ﻋﻠﻰ اﳌﺨﻴﻠﺔ، ﻟﻜﻦ ﻳﺒﺪو أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺼﻌﺐ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺬي ﻳﻄﻠﺐ ﺳﻜﻨﴼ ورزﻗﴼ. وإذ ﻳﺼﻞ وﻳﺒﻨﻲ وﻳﺰرع وﻳﺮﺳﻞ اﳌﺎﺷﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻔﺎﻓﻲ اﻟﺼﺨﻮر، ﻳﻜﺘﺸﻒ أن ﺛﻤﺔ إﻧﺴﺎﻧﴼ آﺧﺮ ﻳﺮﻳﺪ ﻣﻨﺰﻟﻪ اﻟﺨﺸﺒﻲ وﻗﻄﻌﺎن اﻷﺑﻘﺎر. ﻋﻠﻰ ﻣﺪى ﻗﺮون ﺗﻘﺎﺗﻞ اﻷوروﺑﻴﻮن ﻋﺒﺮ اﻷﻟﺐ، ﻛﻤﺎ ﺗﻘﺎﺗﻠﺖ ﺷﻌﻮب اﻷرض ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺎري واﻟﺒﺤﺎر واﻷﺟﻮاء. واﻟﺠﺒﺎل ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ، ﺻﺨﻮر رﻫﻴﺒﺔ اﻷﺣﺠﺎم ﺗﻐﻄﻴﻬﺎ اﻟﺜﻠﻮج، ﻓﻴﺴﻬﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺠﺮ أن ﻳﻨﺒﺖ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ، وﻳﻜﻮن ﻣﻦ اﳌﺎء ﺣﻴﺎة ﺣﺘﻰ ﺣﻴﺚ ﻳﺼﻌﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻴﻮر أن ﺗﺤﻠﻖ وﻋﻠﻰ اﻟﻨﺴﻮر أن ﺗﺼﻴﺪ.

ﻫﺬه اﻟﺴﻨﺔ ﺟﺌﺖ إﻟﻰ اﻷﻟﺐ اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ، وﻗﺪ ﺷﺎﻫﺪت ﻗﺒﻞ أﺷﻬﺮ اﻟﺠﺰء اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ »ﻛﻮﻛﺐ اﻷرض« اﻟﻮﺛﺎﺋﻘﻲ اﻟﺬي ﺻﻮره اﻟﺴﻴﺮ دﻳﻔﻴﺪ اﺗﻨﺒﻮرو وﻓﺮﻳﻘﻪ اﳌﺬﻫﻞ ﺑﲔ أﻋﺎﻟﻲ ﻫﺬه اﻷﻋﺎﻟﻲ. ﻟﻢ أر ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻓﻦ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻳﺒﻠﻎ ﻫﺬه اﻟـﺬروة اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺎوزت ذروة اﻷﻟﺐ. أو أي ذروة أﺧﺮى.

ﻟﻌﻠﻨﻲ أﺷﺮت إﻟﻰ ذﻟﻚ ﻓﻲ زاوﻳﺔ ﺳﺎﺑﻘﺔ، ﻓﺄرﺟﻮ اﳌﻌﺬرة ﻋﻠﻰ ﻃﺎﻗﺔ اﻟﺬاﻛﺮة. إن ﺣﻴﺎة اﻹﻧﺴﺎن واﳌﺨﻠﻮﻗﺎت اﻷﺧـﺮى ﻓﻮق ﻫﺬه اﻟﻬﻮاﺋﻞ اﻟﺠﺒﺎرة، أﻣﺮ ﻣﺬﻫﻞ رﻏﻢ ﻣﺎ ﺻﺎر ﻳﺒﺪو ﻋﺎدﻳﴼ. ﻋﺎﻟﻢ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ﻳﻌﻴﺶ ﻣﻦ اﻟﺜﻠﻮج وﻓﺼﻠﻬﺎ اﻟﻘﺼﻴﺮ. ﺑﺎﺋﻊ اﻟﺤﻠﻴﺐ، وﺑﺎﺋﻊ اﻟﺨﺒﺰ، وﺑﺎﺋﻊ اﻟﺼﺤﻒ. وﺑﻌﻜﺲ ﻛﻞ اﳌﻨﺎﻃﻖ اﻷﺧﺮى، ﺗﻔﺮغ ﻫﺬه اﻟﻘﺮى ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺒﺪأ اﻟﺮﺑﻴﻊ، ﻓﺘﻘﻔﻞ اﳌﻘﺎﻫﻲ واﻟﻔﻨﺎدق، وﻳﺬﻫﺐ اﻟﻌﻤﺎل واﳌﻮﻇﻔﻮن إﻟﻰ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺸﻤﺲ ﻛﻲ ﻳﻜﻤﻠﻮا ﻫﻨﺎك ﻋﻤﻞ اﻟﺴﻨﺔ. وﻓﻲ اﻟﺸﻤﺲ ﺗﺒﺪو اﻟﺤﻴﺎة أﻛﺜﺮ ﺳﻬﻮﻟﺔ، واﻷرض أﻛﺜﺮ اﻧﺒﺴﺎﻃﴼ، واﻟﻨﺎس أﻗﻞ ﺗﺒﺮﻣﴼ ﺑﻬﺬه اﻟﺴﻠﺴﻠﺔ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﺎل، اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪو ﻣﺜﻞ أﺳﺮ ﻫﺎﺋﻞ ﻣﻌﻠﻖ ﺑﲔ اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia