Asharq Al-Awsat Saudi Edition

»السباق الرباعي« عنوان الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية

أسبوع حاسم والكلمة الفصل للمترددين

- باريس: ميشال أبو نجم

لم يعد يفصل الفرنسيين عن الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية سوى ٥ أيام؛ إذ سيتوجه الناخبون البالغ عددهم ٤٧ مليون شخص إلى صناديق الاقتراع يوم الأحد المقبل للفصل بين المرشحين ال١١. واختيار اثنين منهم سيصبح أحدهما الرئيس الثامن للجمهورية الخامسة.

والحال أنه رغم قصر المدة المتبقية وبعكس كل الانتخابات السابقة، فإن مؤسسات استطلاع الرأي تجد نفسها عاجزة عن تحديد هوية المرشحين المفضلين، حيث إن ٤ منهم هم: إيمانويل ماكرون، ومارين لوبن، وفرنسوا فيون، وجان لوك ميلونشون، يتصدرون السباق وكل منهم قادر على التأهل للدورة الثانية، وفق نتائج أحدث استطلاعات الرأي.

حتى بداية الشهر الحالي، كانت مارين لوبن، مرشحة اليمين المتطرف، وإيمانويل ماكرون، مرشح الوسط، ينامان على حرير الشعبية، وكانا واثقين بأنهما سيتنافسان يوم ٧ مايو (أيار) المقبل على المنصب الرئاسي. وكانت هذه الصورة بحد ذاتها جديدة على المسرح السياسي الفرنسي؛ إذ إنها المرة الأولى التي يغيب فيها مرشحا اليمين الكلاسيكي واليسار الاشتراكي عن حلبة الجولة الحاسمة؛ الأول فرنسوا فيون، بعد أن تنعم طويلا بموقع الأوفر حظا عقب اختياره مرشحا عن حزبه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فقد مصداقيته لدى الناخبين بعد الفضائح المتتالية التي ارتبط بها اسمه. والثاني، عانى من الانقسامات الحادة التي تضرب الحزب الاشتراكي والانفصال شبه التام بين جناحيه اليساري والليبرالي. وكانت النتيجة أن فيون فقد مرتبته المتميزة لصالح إيمانويل ماكرون.

أما ماكرون، فأسس الصيف الماضي حركة سياسية سماها »إلى الأمام«، متجاوزا الانقسام التقليدي في فرنسا بين اليمين واليسار، الأمر الذي لاقى صدى إيجابيا لدى الشباب والكوادر العليا والوسطى. ويحظى ماكرون اليوم بالمرتبة الأولى في استطلاعات الرأي، التي تتوقع أن يحصل على ما بين ٢٢ و٢٣ في المائة.

أما المرشح الاشتراكي بونوا هامون، الذي كان فوزه بمواجهة رئيس الوزراء السابق مانويل فالس مفاجأة كبيرة، فقد أخفق في تعبئة القاعدة الكلاسيكية للحزب الاشتراكي لأنه كان أحد أشد المعارضين لسياسة الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند. فضلا عن ذلك، فإن برنامجه السياسي والاقتصادي أبعد عنه قسما كبيرا من الاشتراكيي­ن. والتحق الليبراليو­ن منهم بإيمانيول ماكرون. في المقابل، فإن الناقمين من الاشتراكيي­ن على سياسة هولاند طيلة السنوات الخمس الماضية، فضلوا اللحاق بجان لوك ميلونشون، مرشح »فرنسا المتمردة« الذي يمثل اليسار المتشدد والذي يتمتع بأفضل دينامية سياسية من بين كل المرشحين.

هكذا، ووفق آخر استطلاعات الرأي، فإن الأربعة القادرين على التأهل للجولة الثانية باتوا في مواقع متقاربة؛ ماكرون ولوبن قد يحصلان على ٢٢ إلى ٢٣ في المائة، يليهما مباشرة ميلونشون وفيون بنحو ١٩ إلى ٢٠ في المائة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار هامش الخطأ في استطلاعات الرأي، وهو ما بين نقطتين وثلاث نقاط، فإن للأربعة حظا في التأهل للدورة الثانية.

لذا، فإن الطبقة السياسية والمحللين ووسائل الإعلام تبدي حذرا كبيرا في توقع النتائج، خصوصا أن ثلث الناخبين يؤكدون أنهم لم يقرروا بعد ما إذا كانوا سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع أم لا. فضلا عن ذلك، فإن نسبة مؤثرة من الذين عبروا عن خياراتهم، خصوصا لصالح ماكرون وميلونشون، ليسوا متأكدين من أنهم لن يغيروا رأيهم في آخر لحظة.

بناء على كل ما تقدم، تبدو نتائج هذه الانتخابات »مفتوحة«. والنتيجة المباشرة أن الأربعة سيضاعفون، في الأسبوع الأخير من الحملة الانتخابية، جهودهم ويكثفون المهرجانات الانتخابية لتعبئة المترددين. ويعود قصب السبق لميلونشون الذي يجدد أساليبه لجهة الاستخدام المكثف والفاعل لوسائل التواصل الاجتماعي، ولكن خصوصا لتمكنه من استخدام تكنولوجيا تتيح له »الوجود« في أكثر من مهرجان انتخابي في وقت واحد، عبر ما يسمى »الهولوغرام«. وهكذا، فإنه سيكون اليوم حاضرا في الوقت نفسه في ٧ مدن، بفضل هذه التقنية التي تختلف كليا عن نقل الصورة التقليدية.

بيد أن التقنية ليست وحدها »الرافعة« التي يعول عليها ميلونشون؛ فقد أخذ يهاجم منافسيه الذين ركزوا عليه حملاتهم، ووصفوا برنامجه ب »الشيوعي«، كما سعى إلى طمأنة الناخبين الذين يزداد بينهم عدد مؤيديه. ويعتقد ميلونشون أن »الموجة« التي حملته إلى الصدارة في الدورة الأولى، ستكون قوية إلى درجة إيصاله إلى الجولة الثانية. وإذا تم له ذلك، فإن استطلاعات الرأي تفيد بأنه قادر على التغلب على مارين لوبن وفرنسوا فيون، لكنه سيخسر المنافسة فقط بوجه إيمانويل ماكرون.

من جهتها، تعول لوبن على الموضوعات الرئيسية التي بنت الجبهة الوطنية صعودها عليها؛ وهي: الإسلام، والهجرة، وإعطاء الأفضلية للفرنسيين في التوظيف، والمساعدات الاجتماعية. وتتخوف لوبن، التي خسرت ٤ نقاط في الأسابيع الأخيرة، من أن يستمر »نزوح« عدد من مؤيدها نحو مرشح اليمين فيون، أو نحو ميلونشون بسبب التقارب في برامجهما الاقتصادية والاجتماعي­ة.

لكن مشكلة لوبن لا تكمن في الجولة الأولى التي تبدو الأفضل حظا من بين الأربعة للتأهل لها، بل في الجولة الثانية؛ حيث إن التوقعات ترجح فشلها بها مهما كانت هوية خصمها. ولعل السبب الأهم هو أن الفرنسيين ليسوا بعد مستعدين لتقبل زعيمة اليمين المتطرف على رأس جمهوريتهم، لما لذلك من انعكاسات اجتماعية واقتصادية وعلى صعيد العلاقة مع أوروبا.

أما ماكرون، فإن الصعوبة التي يواجهها مختلفة جذريا؛ إذ إن استطلاعات الرأي تجعله الأوفر حظا في الفوز برئاسة الجمهورية في الجولة الثانية، شرط أن ينجح في التأهل لها. والحال أن نسبة مؤيديه تراجعت في الأسبوعين الأخيرين.

هكذا، تظهر صورة الانتخابات الفرنسية اليوم مشوشة، وقابلة لكل الاحتمالات. وبعد أن كان فيون قد اطمأن لتربعه على عرش الإليزيه، فقد تراجعت فرصه لصالح ماكرون. أما لوبن، فتحلم بأن تكون أول من أوصل اليمين المتطرف إلى السلطة في أوروبا، بينما ميلونشون يريد العودة إلى الحكم اليساري التقليدي الأصيل. لكن تبقى الكلمة الفصل للناخبين، بخاصة للمترددين منهم الذين يمسكون بأياديهم مصير المرشحين ومعهم مصير بلادهم.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia