Asharq Al-Awsat Saudi Edition

أميركا وشن الحرب على »داعش«

- إيلي ليك*

لو أنك استمعت إلى حديثه خلال الحملة الانتخابية، فآخر ما تتوقع أن يفعله دونالد ترمب بصفته رئيساً للبلاد هو أن يشعل حرباً على الأرض في الشرق الأوسط. فقد فاز بترشيح حزبه لخوض الانتخابات الرئاسية بفضل حملة الهجوم التي شنها على الحرب التي خاضها جورج بوش في العراق وباراك أوباما في ليبيا.

لكن، حسبما أظهرت الفترة القصيرة التي مرت على تولي ترمب الرئاسة، فإن كثيراً من مواقف السياسة الخارجية لم تكن بالصلابة التي تمناها أنصاره. فالأمر لا يقتصر فقط على توجيه ترمب ضربة للنظام السوري عقب استخدامه الأسلحة الكيماوية ضد معارضيه، ولا تحول مواقفه من استقطاب العملة الصينية مؤخرا ومن حلف شمال الأطلسي (الناتو)؛ إذ إن كبرى مفاجآت الرئيس فيما يخص السياسة الخارجية لم تحدث بعد.

وقد أبلغني كبار مسؤولي البيت الأبيض والإدارة الأميركية أن مستشار ترمب لشؤون الأمن القومي، الجنرال ماكماستر، مارس ضغوطاً على زملائه للتأكد من مواقفهم إزاء فرضية شن حرب على تنظيم داعش بالاستعانة بقوات برية محدودة على الأرض في سوريا. غير أن منتقدي ماكماستر داخل الإدارة قالوا: »إنه يريد إرسال عشرات الآلاف من القوات البرية إلى وادي نهر الفرات«، فيما يصر أنصاره على أنه يسعى فقط إلى تحسين مستوى الشراكة والتعاون الداخلي في سبيل تطوير استراتيجية ترمب الجديدة الهادفة لإلحاق الهزيمة ب »داعش« التي بات يسيطر على أجزاء من العراق وسوريا.

فالقوات الأميركية الخاصة وبعض الوحدات التقليدية توجد بالفعل في العراق وسوريا منذ عام ٢٠١٤، وذلك بعد أن غير أوباما موقفه وأمر بشن حملة جوية جديدة على تنظيم داعش. لكن الوجود الأميركي على الأرض حتى الآن أصغر وأهدأ إيقاعا من كثير من الحملات العسكرية التقليدية، بخاصة فيما يخص سوريا. فالفارق هنا كالفارق بين من يسير على الأرض مرتديا خفاً ومن يسير مرتديا حذاء. فترمب نفسه تباينت مواقفه في هذا الشأن؛ فقد وعد خلال حملته الانتخابية بإعداد خطة لتدمير تنظيم داعش، وفي مناسبات أخرى قال خلال الحملة إنه يفضل إرسال قوات برية إلى سوريا لتنفيذ تلك المهمة. لكن ترمب صرح لقناة »فوكس بيزنس« مؤخرا بأنه ليس ضمن خطته محاربة النظام السوري، وهو ما عبر عنه بقوله : »لن نذهب إلى سوريا «، وماكماستر نفسه واجه معارضة لفكرة إرسال قوات برية أكبر حجما إلى سوريا؛ ففي اجتماعين لأعضاء مجلس الأمن القومي الأميركي، المعروف اختصارا باسم »لجنة المديرين،« جريا في نهاية فبراير (شباط) الماضي، فشل كبار مستشاري ترمب في الوصول إلى إجماع بشأن استراتيجية محاربة تنظيم داعش. فمسؤولو البيت الأبيض والإدارة الأميركية أفادوا بأن وزير الدفاع جيمس ماتيس، ورئيس الأركان العامة جوزيف دنفورد، والجنرال جوزيف فوتيل، المسؤول عن القيادة المركزية، جميعهم يعارضون فكرة إرسال مزيد من القوات البرية إلى سوريا. كذلك سخر ستيفن بانون، كبير مخططي استراتيجية البيت الأبيض، من محاولات إقناع ماكماستر زملاءه، واصفا إياها بمحاولات لشن حرب جديدة في العراق، بحسب مصادر بالبيت الأبيض.

ولأن أعضاء لجنة ترمب للأمن القومي لم يصلوا بعد إلى إجماع، فإن خطة محاربة تنظيم داعش لا تزال قيد النقاش حاليا من قبل أعضاء اللجنة، وأيضا من قبل مجموعة تنسيق أخرى اجتمعت بوزارة الخارجية وضمت خبراء، بهدف إعداد مقترحات للعرض على »لجنة المديرين« وأيضا على »لجنة النواب،« وهي لجنة تضم في عضويتها أعضاء لجنة الأمن القومي، بالإضافة إلى أعضاء لجنة التعاون بين الوكالات الأميركية، وبعد ذلك سيعرض القرار على الرئيس لاتخاذ القرار النهائي.

في الحقيقة، يرجع السبب في اشتعال كل هذا الجدل إلى تصرف صدر عن ترمب في أيامه الأولى بالبيت الأبيض، وكان ذلك تحديدا عندما طلب من البنتاغون إعداد استراتيجية لمحاربة داعش. فأول مستشاري ترمب للأمن القومي، مايكل فلين، عارض فكرة إرسال قوات تقليدية لمناطق حرب معقدة يسهل استهدافهم فيها من قبل تنظيمات مثل »القاعدة«، و»داعش«، وإيران، وروسيا. فخلال فترة عمله القصيرة مستشاراً لترمب، أيد فلين اتفاقا مع روسيا للعمل معاً في مواجهة »داعش« وفرع »القاعدة« في سوريا، وهو اتفاق يشبه ذلك الاتفاق الذي حاول وزير الخارجية في عهد أوباما، جون كيري، الوصول إليه، لكنه فشل في إقناع موسكو بقبوله.

وداخل البنتاغون، يفضل القادة العسكريون نموذجاً أكثر حزماً من الاستراتيج­ية المتبعة في مواجهة »داعش«، وكان ذلك مزيجاً من الضربات الجوية وعمليات القوات الخاصة التي تتولي تدريب ودعم القوات المحلية هناك. كذلك يفضل القادة العسكريون رفع القوانين المقيدة لمشاركة القوات الأميركية الخاصة وزيادة الدعم الجوي باستخدام الطائرات المروحية مستقبلا في مواجهة »داعش« بمدينة الرقة التي اتخذها التنظيم عاصمة ل »دولة الخلافة .«

غير أن ماكماستر يتشكك في هذا النهج، فلكي تبدأ، عليك أن تعتمد بدرجة كبيرة على الميليشيات الكردية السورية لكي تنجح في الغزو والسيطرة على منطقة تسكنها أغلبية عربية. واعترف لي جاك كين، جنرال متقاعد بالجيش قريب من ماكماستر، الأسبوع الحالي، بأن القوات الكردية تتطلع إلى قتال »داعش«، فيما كان تركيز الميليشيا العربية على قتال قوات نظام الأسد. وقال كين في وصفه المقاتلين الأكراد : »رجال القوات التي تتولى عملياتنا الخاصة تدريبها يفكرون بطريقة مشروعة، ولذلك فقد أثبتت تلك القوات قدرتها على القتال. ورغم أنه قد يكون لذلك معنى من الناحية التكتيكية، فليس له معنى من الناحية الاستراتيج­ية. فتلك الأراضي عربية، ولن يترك العرب أرضهم للأكراد ليستولوا عليها. فعندما تحدد خيارا عسكريا، عليك أن تحدد الأهداف السياسية التي سيدعمها هذا الخيار. وللأسف، فإن هذا الخيار يضعنا على طاولة الرسم مجددا.«

وأبلغني كين، الذي أكد أنه لم يكن يتحدث بلسان ماكماستر، أنه يفضل خطة تبدأ الولايات المتحدة بمقتضاها عملية عسكرية على امتداد وادي نهر الفرات؛ »فالخيار الأفضل هو أن تبدأ العملية في الجنوب الشرقي على امتداد وادي نهر الفرات، ثم يجرى إنشاء قاعدة عمليات أميركية، ثم نعمل مع شركائنا في التحالف العربي السني نظرا لجهودهم المتواصلة لمساعدتنا في مواجهة النظام وأيضا في مواجهة (داعش). لقد تجاهلناهم جميعا خلال فترة إدارة أوباما«، وفق كين، مضيفا أن القوات التقليدية الأميركية ستكون المرساة لتلك الخطوة، التي قال »إنها ستتطلب نحو ١٠ آلاف مقاتل تقليدي أميركي، مع توقع أن القوات العربية الحليفة في المنطقة ستقدم قوات أكثر للقوات التي تقودها الولايات المتحدة. الرئيس يسعى لهزيمة (داعش)، فهو يريد أن ينتصر. وما يحتاجه هو قوة تحالف برية تقليدية تقودها الولايات المتحدة بمقدورها الاستيلاء على الرقة وتنظيف وادي نهر الفرات من (داعش)، وصولا إلى الحدود العراقية «، بحسب كين. وأضاف أن »التعبير عن الهلع من إرسال قوات برية إلى سوريا كان بمثابة التعويذة لإدارة أوباما. لكن الوقت قد حان للسعي بإخلاص لإعداد استراتيجية عسكرية تنتهي بتحقيق الانتصار.«

كذلك أبلغني مسؤولو البيت الأبيض والإدارة الأميركية القريبون من الجدل الدائر، بأنه ليس هناك إجماع بشأن عدد القوات التي سترسل إلى سوريا والعراق؛ فقد علمت من مصدرين أن إحدى الخطط المطروحة ترى إرسال نحو ٥٠ ألف جندي أميركي. لكن المدون وواضع نظرية المؤامرة مايك كيرنوفيتش كتب في ٩ أبريل (نيسان) الحالي أن ماكماستر كان يريد إرسال ١٥٠ ألف جندي بري إلى سوريا، لكن المسؤولين الأميركيين الذين تحدثت معهم أفادوا بأن هذا الرقم أكبر مما ينبغي، وأنه لم يجر التفكير أو طرح خطة تتضمن هذا العدد.

جرى الكشف عن تلك المعلومات بعد سحب أوباما جميع القوات الأميركية من العراق نهاية عام ٢٠١١. وأوباما نفسه لم يعتذر مطلقا عن ذلك القرار، رغم أنه اضطر إلى إرسال قوات عمليات خاصة للعراق مجددا في صيف عام ٢٠١٤ بعدما استولى »داعش« على الموصل، ثانية كبرى المدن العراقية، فقد جادل أوباما بأن القوات الأميركية في العراق كان من الممكن أن تقع في شرك الحرب الأهلية حال استمر وجودها هناك. لكن نطاق النصائح التي تلقاها ديفيد بترايوس، المدير السابق لوكالة الاستخبارا­ت الأميركية (سي آي إيه)، من مستشاريه كان ذا وجهة مختلفة، فقد رأى مستشاروه أن تجاهل الولايات المتحدة العراق أعطى الأغلبية الشيعية هناك تصريحا بمواصلة أجندتهم الطائفية التي فتحت نافذة ووفرت فرصة سياسية وعسكرية لتنظيم داعش، فالوجود النشط للولايات المتحدة في العراق كان من شأنه كبح جماح كل تلك الجماعات الطائفية.

أحد هؤلاء المستشارين كان ماكماستر، والأمر الآن يعتمد على ترمب ليقرر ما إذا كان سيختبر نظرية معسكر بترايوس أم سيحاول هزيمة »داعش« في سوريا بأن يطأ بقدم خفيفة الأرض السورية. لكن هناك طريقة أخرى، وهي أن يقرر ترمب ما إذا كان يريد شن حرب كالتي شنها بوش، أم أن يواصل حرب أوباما.

* بالاتفاق مع »بلومبيرغ«

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia