اﻟﻔﻦ وﺑﻬﺠﺔ اﳌﺄﺳﺎة ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪة ﻟﻴﻴﺘﺲ
ﺣﻮل اﳊﺮوب وﻣﺸﺎﻫﺪ اﻟﻌﻨﻒ إﻟﻰ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻣﻦ أﻫﻢ ﻣﺎ ﻛﺘﺐ ﺑﺎﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﻟﻴﺲ أﻳﺴﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﺎﻇﻤﻲ اﻟﻜﻼم ﻣﻦ أن ﻳﺤﻮﻟﻮا اﳊﺮوب واﻟﺪﻣﺎر إﻟﻰ ﻣﻴﻠﻮدراﻣﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻜﺎء أو اﻻﺳﺘﺒﺴﺎل اﻟﺒﻄﻮﻟﻲ ﻛﺎﻟﺪﻋﻮة إﻟﻰ إﻳﻘﺎف اﳊﺮب أو إﻟﻰ ﻫﺰﳝﺔ اﻷﻋﺪاء أو ﻏﲑ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻴﺸﻴﻬﺎت اﳌﻌﺮوﻓﺔ ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻷدب
ﻣـــﻨـــﺬ ﺗـــﻌـــﺮﻓـــﺖ ﻋـــﻠـــﻰ أﻋـــﻤـــﺎل اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻵﻳـﺮﻟـﻨـﺪي وﻟـﻴـﺎم ﻳﻴﺘﺲ أﻳــــــﺎم اﻟـــــﺪراﺳـــــﺔ اﻟــﺠــﺎﻣــﻌــﻴــﺔ وأﻧـــﺎ ﻻ أﺗـــﻮﻗـــﻒ ﻋـــﻦ اﻟـــﻌـــﻮدة إﻟــﻴــﻪ ﺑﲔ اﻟــﺤــﲔ واﻵﺧـــــــﺮ، ﺣــﺘــﻰ أﺻـﺒـﺤـﺖ اﳌــﻘــﺎﻻت واﻷوراق اﻟﺒﺤﺜﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﺖ ﺣﻮﻟﻪ ﺗﻠﻔﺖ اﻟﻨﻈﺮ ﻟﻜﺜﺮﺗﻬﺎ ﺑــﺎﻟــﻨــﺴــﺒــﺔ ﳌـــﺎ ﻛــﺘــﺒــﺘــﻪ ﻋـــﻦ ﻏــﻴــﺮه. واﻟﺤﻖ أن اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟــﻜــﺒــﻴــﺮ ﻻ ﺗــﺤــﺘــﺎج إﻟـــــﻰ ﺗــﺒــﺮﻳــﺮ؛ ﻓﺄﻫﻤﻴﺘﻪ اﻹﺑـﺪاﻋـﻴـﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺤﻞ ﺷـــﻚ، ﻟـﻜـﻦ اﻫــﺘــﻤــﺎم ﻳـﻴـﺘـﺲ، اﻟــﺬي ﻋﺮﻓﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻻﺣﻘﺔ، ﺑﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺛﻢ ﻣﺎ ﺗﺒﲔ ﻟﻲ ﻣﻦ ﻣﻮاﻗﻔﻪ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻻﺣـــﺘـــﻼل اﻹﻧــﺠــﻠــﻴــﺰي ﻵﻳــﺮﻟــﻨــﺪا، اﻟـــﺬي ران ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟــﺒــﻼد ﻃــﻮال ﻣــﺎ ﻳــﻘــﺎرب اﻟـــــ٠٢١ ﻋـﺎﻣـﴼ ﺗﺨﻠﻠﺘﻬﺎ ﺛـﻮرات وأﻋﻤﺎل ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻧﻌﻜﺴﺖ ﻓــﻲ اﻷدب واﻟــﻔــﻦ، وﻛـــﺎن ﻟﻴﻴﺘﺲ ﻧــﺼــﻴــﺐ ﻓــﻴــﻬــﺎ. ﻓــﻌــﻠــﻰ اﻟـــﺮﻏـــﻢ ﻣﻦ ﻧـــــﺰوع ﻳــﻴــﺘــﺲ ﻟــﻠــﺴــﻠــﻢ وﻣــﻨــﺎداﺗــﻪ ﺑــﺎﳌــﻘــﺎوﻣــﺔ اﻟــﺴــﻠــﻤــﻴــﺔ ﻋـــﻦ ﻃــﺮﻳــﻖ إﺣﻴﺎء اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻵﻳﺮﻟﻨﺪﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ واﳌﻮروث اﻟﺨﺎص وﻏﻴﺮﻫﻤﺎ، ﻓﻘﺪ ﻛــﺘــﺐ ﻋــــﺪدﴽ ﻣــﻦ اﻟــﻨــﺼــﻮص اﻟـﺘـﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻣـﻌـﺎﻧـﺎة اﻵﻳـﺮﻟـﻨـﺪﻳـﲔ وأﻟـﻢ اﻟــﺸــﺎﻋــﺮ ﳌــﺎ ﻛــﺎﻧــﺖ ﺗﻌﻴﺸﻪ ﺑــﻼده ﻣﻦ ﻗﻤﻊ ﺗﺤﺖ اﻟﺤﻜﻢ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي.
ﺗـــﻤـــﺜـــﻞ ﺟــــﺎﻧــــﺐ ﻣـــــﻦ اﻟــﻘــﻴــﻤــﺔ اﻟــﺸــﻌــﺮﻳــﺔ اﻟــﻌــﺎﻟــﻴــﺔ ﻟــﻴــﻴــﺘــﺲ ﻓـﻲ ﻗــــﺪرﺗــــﻪ اﻟـــﺨـــﻼﻗـــﺔ ﻋـــﻠـــﻰ ﺗــﺤــﻮﻳــﻞ اﻟــــــــﺤــــــــﺮوب وﻣــــــﺸــــــﺎﻫــــــﺪ اﻟـــﻌـــﻨـــﻒ وﻧـﺘـﺎﺋـﺠـﻪ اﳌــﺄﺳــﻮﻳــﺔ إﻟــﻰ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﺻــــــﺎرت ﻣـــﻦ أﻫـــــﻢ ﻣـــﺎ ﻓـــﻲ اﻟــﺸــﻌــﺮ اﳌﻜﺘﻮب ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ، وﻻ أﻗﻮل اﻟﺸﻌﺮ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ﺑﺤﻜﻢ أن ﻳﻴﺘﺲ ﻟــﻢ ﻳـﻜـﻦ إﻧـﺠـﻠـﻴـﺰﻳـﴼ. »وﻗــﺪ اﻟﺘﻔﺖ اﻟﺸﺎﻋﺮ واﻟﻨﺎﻗﺪ اﻷﻣﻴﺮﻛﻲ ت. س. إﻟﻴﻮت إﻟـﻰ ﻫـﺬه اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﻓﻘﺎل إن ﺷﻌﺮ ﻳﻴﺘﺲ ﻟﻴﺲ ﺟـﺰءﴽ ﻣــﻦ اﻟـــﺘـــﺮاث اﻹﻧــﺠــﻠــﻴــﺰي ﻣــﻊ أﻧــﻪ، أي ﻳــﻴــﺘــﺲ، أﻫـــــﻢ ﺷــــﻌــــﺮاء اﻟــﻠــﻐــﺔ اﻹﻧـــﺠـــﻠـــﻴـــﺰﻳـــﺔ اﳌــــﺤــــﺪﺛــــﲔ، ﺣـﺴـﺐ إﻟﻴﻮت«. واﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﺬي أﺷﻴﺮ إﻟﻴﻪ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﺴﻬﻞ، ﻓﻠﻴﺲ أﻳﺴﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﺎﻇﻤﻲ اﻟﻜﻼم أن ﻳﺤﻮﻟﻮا اﻟﺤﺮوب واﻟــــــﺪﻣــــــﺎر إﻟــــــﻰ ﻣــــﻴــــﻠــــﻮدراﻣــــﺎ ﻣــﻦ اﻟﺒﻜﺎء أو اﻻﺳﺘﺒﺴﺎل اﻟﺒﻄﻮﻟﻲ، ﻛـﺎﻟـﺪﻋـﻮة إﻟــﻰ إﻳــﻘــﺎف اﻟــﺤــﺮب، أو إﻟــﻰ ﻫﺰﻳﻤﺔ اﻷﻋـــﺪاء، أو ﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣـــﻦ اﻟــﻜــﻠــﻴــﺸــﻴــﻬــﺎت اﳌـــﻌـــﺮوﻓـــﺔ ﻓﻲ ﺗــﺎرﻳــﺦ اﻷدب. اﻷﺻــﻌــﺐ ﻣــﻦ ذﻟـﻚ ﻫـــﻮ اﻟــﻨــﻈــﺮة اﻟــﺘــﻲ ﺗــﻤــﺘــﺰج ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺑﺎﳌﺨﻴﻠﺔ اﻟﻘﺎدرة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻘﺎط اﳌﺸﺎﻫﺪ وﻧﻘﻠﻬﺎ ﺑﻠﻐﺔ ﻣــﺜــﻘــﻠــﺔ ﺑـــﺎﻟـــﺼـــﻮر واﳌـــــﺠـــــﺎزات أو اﻟــﺮﻣــﻮز اﳌـﻮﺣـﻴـﺔ، ﺑــﺪﻻ ﻣـﻦ اﻷﻧـﲔ أو اﻟﺼﺮاخ اﳌﺒﺎﺷﺮ.
ﻣﻦ أﺟﻤﻞ اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺴﺎق ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق ﻗﺼﻴﺪة ﻟـﻴـﻴـﺘـﺲ ﻛـﺘـﺒـﻬـﺎ ﺣـــﻮل ﻗـﻄـﻌـﺔ ﻣﻦ اﻷﺣــــــﺠــــــﺎر اﻟــــﻜــــﺮﻳــــﻤــــﺔ اﳌــــﻌــــﺮوﻓــــﺔ ﺑﺎﻟﻼزورد أﻫﺪﻳﺖ إﻟﻴﻪ وﻫﻲ ﺗﺤﻤﻞ رﺳــﻮﻣــﺎت ﺣـﻔـﺮﻫـﺎ ﻓـﻨـﺎن ﺻﻴﻨﻲ، ﺣـــﺴـــﺐ ﻣــــﺎ ذﻛــــــﺮ ﻳــﻴــﺘــﺲ ﻧــﻔــﺴــﻪ، ﻳـﺘـﻤـﺜـﻞ ﻓـﻴـﻬـﺎ ٤ أﺷـــﺨـــﺎص أﻋـﻤـﻞ ﻓﻴﻬﻢ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺧﻴﺎﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺒﺪو ﻓﻘﺎل إﻧﻬﻢ ٣ ﺗﻼﻣﻴﺬ وﻣﺘﺼﻮف. وﻣﻊ أﻫﻤﻴﺔ أوﻟﺌﻚ واﻟﺤﺠﺮ اﻟﺬي رﺳﻤﻮا ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﺈن اﻟﻘﺼﻴﺪة ﺗﺤﻤﻞ رؤﻳﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ ﺣﻮل ﻋﻼﻗﺔ اﻟــﻔــﻦ ﺑــﺎﻟــﺪﻣــﺎر، ﻗــــﺪرة اﻟــﻔــﻦ ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻠﻮد وﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻣﺎ ﺗﺴﺒﺒﻪ اﻟــﺤــﺮوب ﻣـﻦ ﺧـــﺮاب، ﻛﻤﺎ اﻋﺘﺪﻧﺎ أن ﻧﺠﺪ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻤﺎ ﻛﺘﺐ ﺣﻮل ﻫﺬا اﳌﻮﺿﻮع، وإﻧﻤﺎ ﻗﺪرﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺒﻞ اﻟﻔﻨﺎء ﺑﺮﺣﺎﺑﺔ وﻋﺪم ﺗﺬﻣﺮ. وﻫﺬه ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻤﺎ اﻋﺘﺪﻧﺎ ﺳــﻤــﺎﻋــﻪ ﻣـــﻦ أن اﻟــﻔــﻦ ﻗـــــﺎدر ﻋﻠﻰ اﻟــﺒــﻘــﺎء، وﻣـــﻊ أﻧــﻬــﺎ ﻟـﻴـﺴـﺖ ﻓﺼﻞ اﳌﻘﺎل ﻷن ﺷﻮاﻫﺪ اﻟﺒﻘﺎء ﻣﻮﺟﻮدة، ﻓـــﺈﻧـــﻬـــﺎ ﺗــﻨــﻈــﺮ ﻟـــﻸﻣـــﺮ ﻣــــﻦ زاوﻳـــــﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺟﺪﻳﺮة ﺑﺎﻟﺘﺄﻣﻞ، وﻛﺬﻟﻚ ﺑﺎﻻﺳﺘﻤﺘﺎع ﺑﻤﺎ ﻓـﻲ اﻟـﺼـﻮر ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻖ واﻟﺠﻤﺎل.
ﻳــــــﺒــــــﺪأ ﻳــــﻴــــﺘــــﺲ ﻗـــﺼـــﻴـــﺪﺗـــﻪ ﺑـــــــﺎﻹﺷـــــــﺎرة إﻟـــــــﻰ ﺧـــــــﻮف اﻟـــﻨـــﺎس اﻟـــــﻬـــــﺴـــــﺘـــــﻴـــــﺮي ﻣــــــــﻦ اﻟــــــــﺤــــــــﺮوب، واﺣــﺘــﻘــﺎرﻫــﻢ ﻟــﻠــﻔــﻨــﻮن اﻟــﺘــﻲ ﺗﻌﺪ ﻣــﻀــﻴــﻌــﺔ ﻟـــﻠـــﻮﻗـــﺖ: »ﺳـــﻤـــﻌـــﺖ أن اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻬﺴﺘﻴﺮﻳﺎت ﻳﻘﻠﻦ - إﻧﻬﻦ ﻗﺪ ﻣﻠﻠﻦ ﻣﻦ ﻟـﻮح اﻷﻟــﻮان وﻗﻮس اﻟﻜﻤﺎن - ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮاء اﳌﺒﺘﻬﺠﲔ ﺑـﺎﺳـﺘـﻤـﺮار«. اﻟﺒﻬﺠﺔ ﻫــﻲ ﻣﻴﺴﻢ اﻹﺑــــــــﺪاع ﺣــﺴــﺐ ﻗــﺼــﻴــﺪة ﻳـﻴـﺘـﺲ »اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻌﻤﻞ ﻛﻠﻤﺔ (gay) اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻨﻲ اﻟﺒﻬﺠﺔ أو اﻟﺴﺮور، ﺛـــﻢ ﺗـــﺤـــﻮل ﻣــﻌــﻨــﺎﻫــﺎ ﻓـــﻲ اﻟــﻌــﻘــﻮد اﻷﺧـﻴـﺮة ﻟﺘﺸﻴﺮ إﻟـﻰ ﻣﻦ ﻳﻌﺮﻓﻮن اﻵن ﺑﺎﳌﺜﻠﻴﲔ«. اﻟﺒﻬﺠﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻧﺠﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﺂﺳﻲ ﺷﻜﺴﺒﻴﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺑﻤﻮت أﺑـﻄـﺎل اﳌﺴﺮﺣﻴﺔ. ذﻟـــﻚ اﳌــــﻮت اﳌــﺤــﺘــﻢ ﻻ ﻳــــﺆدي إﻟــﻰ ﻓـــــﺰع اﻟــﺸــﺨــﺼــﻴــﺔ ﻛـــﻤـــﺎ ﺻــﺎﻏــﻬــﺎ اﻟﻜﺎﺗﺐ، ﺑﻞ إن اﳌﺸﺎﻫﺪ ﺗﺴﻴﺮ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻣﻄﻤﺌﻨﺔ إﻟــﻰ ﺣﺘﻔﻬﺎ ﺑﻼ ﺑﻜﺎء أو ﻋﻮﻳﻞ )أي ﻋﻠﻰ ﻧﻘﻴﺾ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻬﺴﺘﻴﺮﻳﺎت(: ﻛﻠﻬﻢ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺪورﻫﻢ اﳌﺄﺳﻮي، ﻫﻨﺎك ﻳﺘﺒﺨﺘﺮ ﻫﺎﻣﻠﺖ، وﻫﻨﺎ ﻟﻴﺮ، وﺗﻠﻚ أوﻓﻴﻠﻴﺎ، وﺗﻠﻚ ﻛﻮردﻳﻠﻴﺎ؛ وﻣــــﻊ ذﻟــــﻚ، ﻓــﺤــﲔ ﻳــﺄﺗــﻲ اﳌـﺸـﻬـﺪ اﻷﺧﻴﺮ،
وﺗﻜﻮن اﻟﺴﺘﺎرة ﻋﻠﻰ وﺷﻚ اﻟﻨﺰول ﻓﻲ اﳌﺴﺮح اﻟﻜﺒﻴﺮ،
إذا ﻛـــﺎﻧـــﻮا ﺟــﺪﻳــﺮﻳــﻦ ﺑــــﺄدوارﻫــــﻢ اﻟﺒﺎرزة ﻓﻲ اﳌﺴﺮﺣﻴﺔ،
ﻓــﺈﻧــﻬــﻢ ﻻ ﻳـﻘـﻄـﻌـﻮن ﻧﺼﻮﺻﻬﻢ ﻟﻴﺒﻜﻮا.
ﻳـــــﻌـــــﺮﻓـــــﻮن أن ﻫـــــﺎﻣـــــﻠـــــﺖ وﻟـــﻴـــﺮ ﻣﺒﺘﻬﺠﺎن؛ اﻟﺒﻬﺠﺔ ﺗﻐﻴﺮ ﻛﻞ ذﻟﻚ اﻟﺮﻋﺐ. ﻛــــــﻞ اﻟــــــﻨــــــﺎس ﺳــــــﻌــــــﻮا، ﻛـــﺴـــﺒـــﻮا وﺧﺴﺮوا...
اﻟــﺒــﻬــﺠــﺔ ﻫــــﻲ ﺑــﺎﻟــﻄــﺒــﻊ ﻣـﺎ ﻳــــﻮﺟــــﻪ ﻣــﺨــﻴــﻠــﺔ اﻟـــﻜـــﺎﺗـــﺐ وﻫـــﻮ ﻳـﺼـﻮغ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ، ﻣـﺎ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻳﺮى أن اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ اﳌﻔﺠﻌﺔ اﻛﺘﻤﺎل ﻟﻠﻌﻤﻞ اﻟﻔﻨﻲ اﻟﺬي ﻳﻔﺘﺮض ﺑﻪ أن ﻳﺒﻌﺚ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻬﺠﺔ ﻟﺪى اﳌﺘﻠﻘﻲ، ﺳــــــــــﻮاء ﻓــــــﻲ اﳌــــــﺴــــــﺮح أو ﻋــﻠــﻰ ﺻـﻔـﺤـﺎت اﻟــﻜــﺘــﺎب. ﺑـﻬـﺠـﺔ اﻟـﻔـﻦ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻻ ﺗــﺆدي إﻟـﻰ اﻟﻨﻬﺎﻳﺎت اﻟﺴﻌﻴﺪة، وﻻ إﻟﻰ اﻟﻔﺮح اﳌﻔﺘﻌﻞ ﻹرﺿـﺎء اﻟﻮﻫﻢ ﺑﺎﻟﺨﻠﻮد. وأﻇﻦ ﻳــﻴــﺘــﺲ ﻟـــﻢ ﻳـﺒـﺘـﻌـﺪ ﻋــﻤــﺎ ﻗـﺼـﺪه اﳌﺘﻨﺒﻲ ﻓـﻲ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ اﻟﺸﻬﻴﺮة ﺣﲔ ﻗﺎل:
أﻳﻦ اﻟﺬي اﻟﻬﺮﻣﺎن ﻣﻦ ﺑﻨﻴﺎﻧﻪ ﻣﺎ ﻗﻮﻣﻪ، ﻣﺎ ﻳﻮﻣﻪ، ﻣﺎ اﳌﺼﺮع؟ ﺗﺘﺨﻠﻒ اﻵﺛﺎر ﻋﻦ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﺣﻴﻨﴼ وﻳﺪرﻛﻬﺎ اﻟﻔﻨﺎء ﻓﺘﺘﺒﻊ ﻳــﻘــﺘــﺮب ﻳــﻴــﺘــﺲ ﻣــﻤــﺎ ﻗــﺼــﺪه اﳌــﺘــﻨــﺒــﻲ ﻓـــﻲ اﳌــﻘــﻄــﻊ اﻟــﺘــﺎﻟــﻲ ﻣﻦ ﻗـــﺼـــﻴـــﺪﺗـــﻪ ﺣـــﻴـــﺚ ﻳـــﺘـــﺄﻣـــﻞ وﺿـــﻊ اﻟﺤﻀﺎرات اﻟﺘﻲ آﻟﺖ إﻟﻰ اﻟﻔﻨﺎء: »ﺟﺎءوا ﻋﻠﻰ أﻗﺪاﻣﻬﻢ، ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻔﻦ، ﻋـــﻠـــﻰ ﻇــــﻬــــﻮر اﻟــــﺠــــﻤــــﺎل، ﻇــﻬــﻮر اﻟﺨﻴﻞ... ﺣﻀﺎرات ﺗﺤﺎرﺑﺖ ﻋﻨﺪﺋﺬ اﻧﺪﺛﺮت واﻧﺪﺛﺮت ﺣﻜﻤﺘﻬﺎ«. ﺛﻢ ﻳﺴﻮق أﻣﺜﻠﺔ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ: »ﻟـــﻢ ﻳــﺒــﻖ ﻋــﻤــﻞ ﻳــــﺪوي واﺣــــﺪ ﻣﻦ ﻛﺎﻟﻴﻤﺎﺧﻮس
اﻟــﺬي ﻋـﺎﻟـﺞ اﻟــﺮﺧــﺎم ﻛﻤﺎ ﻟـﻮ ﻛﺎن ﺑﺮوﻧﺰﴽ
ﺻﻨﻊ ﺳﺘﺎﺋﺮ ﺑــﺪت ﻛﻤﺎ ﻟـﻮ أﻧﻬﺎ ﺗﺮﺗﻔﻊ ﺣـــــﲔ ﺗـــﻬـــﺐ رﻳــــــﺢ اﻟـــﺒـــﺤـــﺮ ﻋــﻠــﻰ اﻟﺰاوﻳﺔ«.
ﻟﻜﻦ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﻳﺘﺒﲔ اﻟﻔﺮق ﺑــــﲔ اﻟـــﺸـــﺎﻋـــﺮ اﻟـــﻌـــﺮﺑـــﻲ ﺑــﻨــﻈــﺮﺗــﻪ اﻟـﺴـﺎﺧـﺮة إﻟــﻰ اﳌــﺄﺳــﺎة اﻟـﺘـﻲ ﺗﻠﻒ اﻹﻧــــﺴــــﺎن وﻣــﻨــﺘــﺠــﺎﺗــﻪ، ودﻋـــﻮﺗـــﻪ اﻟﻀﻤﻨﻴﺔ ﻟﻼﺗﻌﺎظ ﺑﺬﻟﻚ، واﻟﺸﺎﻋﺮ اﻵﻳﺮﻟﻨﺪي اﻟﺬي ﻳﺮى أن اﻻﺑﺘﻬﺎج ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺠﺐ أن ﺗﺘﺴﻢ ﺑﻪ رؤﻳﺘﻨﺎ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻔﻨﺎء اﳌﺤﺘﻮم.
ﻓـــــــﻲ اﳌــــﻘــــﻄــــﻊ اﻷﺧـــــــﻴـــــــﺮ ﻣــﻦ ﻗــﺼــﻴــﺪﺗــﻪ ﻳــﺪﺧــﻞ اﻟــﺸــﺎﻋــﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ اﳌﺸﻬﺪ ﺣﲔ ﻳﺸﻴﺮ إﻟﻰ ﺣﺠﺮ اﻟﻼزورد ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﺜﺎﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻦ اﻟﺒﻬﻴﺞ. ﻟﻜﻦ اﻟﻘﺼﻴﺪة ﺗﻨﺒﻬﻨﺎ إﻟﻰ أن اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻳـﻤـﺎرس ﻓﻌﻞ اﻟﺘﺨﻴﻞ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺒﺎﺷﺮ: ﻛﻞ ﺧﺪش ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺠﺮ، ﻛﻞ ﺣﻔﺮ أو ﻛﺪﻣﺔ ﺗﺒﺪو ﻣﺠﺮى ﳌﺎء أو اﻧﻬﻴﺎرﴽ ﻟﺜﻠﺞ، أو ﻣﻨﺤﺪرﴽ ﻋﺎﻟﻴﴼ ﺣﻴﺚ اﻟﺜﻠﺞ ﻣﺎ زال ﻳﺴﻘﻂ
ﻣـﻊ أن ﻏﺼﻦ ﻛــﺮز أو ﺑـﺮﻗـﻮق ﻣﺎ زال دون ﺷﻚ
ﻳـــﺤـــﻠـــﻲ اﻟـــﺒـــﻴـــﺖ اﻟـــﺼـــﻐـــﻴـــﺮ ﻋــﻨــﺪ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﳌﺴﺎﻓﺔ
اﻟـــﺬي ﻳﺼﻌﺪ اﻟﺼﻴﻨﻴﻮن ﻧـﺤـﻮه، وﻳﺒﻬﺠﻨﻲ أن أﺗﺨﻴﻠﻬﻢ ﺟﺎﻟﺴﲔ ﻫﻨﺎك؛ ﻫﻨﺎك، ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺒﻞ واﻟﺴﻤﺎء، ﻋﻠﻰ ﻛـﻞ اﳌﺸﻬﺪ اﳌـﺄﺳـﺎوي اﻟـﺬي ﻳﺤﺪﻗﻮن ﻓﻴﻪ. ﻳﻄﻠﺐ اﳌﺮء أﻏﺎﻧﻲ ﺣﺰﻳﻨﺔ؛ ﺗﺒﺪأ أﺻﺎﺑﻊ ﻣﺮﻫﻔﺔ ﺑﺎﻟﻌﺰف. أﻋﻴﻨﻬﻢ ﺑــﲔ اﻟـﺘـﺠـﺎﻋـﻴـﺪ اﻟﻜﺜﻴﺮة، أﻋﻴﻨﻬﻢ،
أﻋـــﻴـــﻨـــﻬـــﻢ اﻟـــﺸـــﺎﺋـــﺨـــﺔ، اﻟـــﻠـــﻤـــﺎﻋـــﺔ، ﻣﺒﺘﻬﺠﺔ.
ﻧـﻨـﺘـﺒـﻪ إﻟـــﻰ أن اﻟــﺸــﺎﻋــﺮ دﺧــﻞ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﻓﻲ ﻟﻌﺒﺔ اﻟﺼﻴﺎﻏﺔ اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺤﻮل ﺑﻬﺎ اﻟﺤﺠﺮ إﻟﻰ ﻣﻨﺤﻮﺗﺔ ﺷﻌﺮﻳﺔ، ﻓﻬﻮ ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﺛﻠﺞ »ﻣﺎ زال ﻳﺴﻘﻂ« و»ﻏﺼﻦ ﻛﺮز أو ﺑﺮﻗﻮق ﻣﺎ زال دون ﺷﻚ / ﻳﺤﻠﻲ اﻟﺒﻴﺖ« »وﺗﻜﺮار )ﻣﺎ زال( ﻣﻘﺼﻮد ﻟــﺘــﻌــﻤــﻴــﻖ اﻟـــــﺪﻻﻟـــــﺔ«. إﻧـــــﻪ ﻳــﺨــﺘــﺮع ﺻﻮرﴽ ودﻻﻻت وﻳﺨﺒﺮﻧﺎ أﻧﻪ ﻳﻔﻌﻞ ذﻟﻚ. وإن ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﺬﻟﻚ دون أن ﻧﻨﺘﺒﻪ ﻓﺈن ﻗﻮﻟﻪ: »ﻳﺒﻬﺠﻨﻲ أن أﺗﺨﻴﻠﻬﻢ ﺟﺎﻟﺴﲔ ﻫﻨﺎ« ﻳﺤﻤﻞ ﻣﻦ اﻟﻮﺿﻮح ﻣـــﺎ ﻳــﻜــﻔــﻲ ﻟــﺠــﻌــﻞ ﻧــﺼــﻪ ﺟــــﺰءﴽ ﻣﻦ اﻟـــﻔـــﻦ اﳌــﺒــﻬــﺞ؛ اﻟـــﻔـــﻦ اﻟـــــﺬي ﻳﺒﻌﺚ ﻋــﻠــﻰ اﻟــﺒــﻬــﺠــﺔ رﻏـــﻢ اﳌـــﺄﺳـــﺎة اﻟـﺘـﻲ ﻳﺸﺎﻫﺪﻫﺎ، ﻣﺜﻞ أﻋـﻤـﺎل ﺷﻜﺴﺒﻴﺮ وﻛﺎﻟﻴﻤﺎﺧﻮس وﻏﻴﺮﻫﻤﺎ.