ﺟﺪل اﻟﺪﻳﻦ واﻟﺘﺮاث... ﺑﻌﺪ آﺧﺮ
ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﳌﺜﻴﺮ ﻟﻠﺠﺪل »ﺑﺴﻂ اﻟـﺘـﺠـﺮﺑـﺔ اﻟــﻨــﺒــﻮﻳــﺔ«، ﺧــﺼــﺺ ﻋﺒﺪ اﻟـــﻜـــﺮﻳـــﻢ ﺳـــــــﺮوش ﻓــــﺼــــﻼ ﻣــﻮﺳــﻌــﴼ ﻟـﺘـﻔـﺼـﻴـﻞ رؤﻳـــﺘـــﻪ ﺣــــﻮل ﻣـــﺎ ﻳﺼﻔﻪ ﺑﺎﻟﺬاﺗﻲ واﻟﻌﺮﺿﻲ ﻓﻲ اﻷدﻳﺎن.
واﻟـــــﺤـــــﻖ أن ﻣـــﻌـــﻈـــﻢ ﻣـــﻘـــﻮﻻت ﺳﺮوش ﺗﺘﺠﺎوز اﻟﺤﺪود اﳌﺘﻌﺎرف ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻟﻠﻨﻘﺎش ﻓـﻲ ﻗﻀﺎﻳﺎ اﻟـﺪﻳـﻦ. ﻓﻬﻲ ﺗﻄﺮح ﺗﺤﺪﻳﺎت ﻋﺴﻴﺮة ﳌﻌﻈﻢ ﻣـــﺎ أﻟــﻔــﻨــﺎه ﻣـــﻦ ﻣــﺴــﻠــﻤــﺎت، ﻧــﻘــﺮأﻫــﺎ داﺋﻤﴼ أو ﻧﺴﻤﻌﻬﺎ، ﺛﻢ ﻧﻌﻴﺪ ﻗﻮﻟﻬﺎ ﻣــﻦ دون أن ﻧﺘﻮﻗﻒ ﻟﺤﻈﺔ ﻟﻠﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ أو ﻣﺮاﻣﻴﻬﺎ اﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ، أو ﻗــﺎﺑــﻠــﻴــﺘــﻬــﺎ ﻟــﻠــﺼــﻤــﻮد ﻓـــﻲ وﺟــﻪ اﳌــﺴــﺎﺟــﻠــﺔ اﻟــﻌــﻘــﻠــﻴــﺔ اﳌـــﺘـــﺤـــﺮرة ﻣـﻦ اﻟـــــﺸـــــﻮق ﻟـــﻠـــﻘـــﺒـــﻮل أو اﻟــــﺮﻏــــﺒــــﺔ ﻓــﻲ اﻟﺘﺒﺮﻳﺮ.
ﻳـــــــﺮﺟـــــــﻊ ﻣــــــﻔــــــﻬــــــﻮم »اﻟــــــــﺬاﺗــــــــﻲ واﻟـﻌـﺮﺿـﻲ« ﻓـﻲ اﻷﺷـﻴـﺎء واﻷﻓـﻜـﺎر، إﻟـــﻰ ﻧــﻘــﺎﺷــﺎت اﻟـﻔـﻠـﺴـﻔـﺔ اﻟـﻴـﻮﻧـﺎﻧـﻴـﺔ اﻟـﻘـﺪﻳـﻤـﺔ ﺣــﻮل اﻟـﺠـﻮﻫـﺮ واﻟــﻌــﺮض. ﻓــﺎﻟــﺠــﻮﻫــﺮ ﻋــﻨــﺪ أرﺳـــﻄـــﻮ ﻣــﺜــﻼ ﻫﻮ ﺣــﻘــﻴــﻘــﺔ اﻟــــﺸــــﻲء وﻋــــﻤــــﺎد وﺟــــــﻮده، اﻟﻘﺎﺑﻞ ﻟﻠﺘﺤﺪﻳﺪ واﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﻤﻔﺮده، واﻟــــﺬي ﻻ ﻳـﺤـﺘـﺎج ﻓــﻲ وﺟــــﻮده إﻟـﻰ ﻋﺎﻣﻞ ﺧﺎرﺟﻲ ﻳﻌﺮﻓﻪ أو ﻳﺤﺪده. أﻣﺎ اﻷﻋﺮاض ﻓﻬﻲ ﻣﺎ ﻳﻠﺘﺤﻖ ﺑﺎﻟﺬات أو اﻟﺠﻮﻫﺮ، ﻟﻴﻠﻌﺐ دورا إﺿﺎﻓﻴﺎ، ﻣﺜﻞ اﻟـﺘـﺤـﺴـﲔ أو اﻹﻳـــﻀـــﺎح أو اﻟــﺮﺑــﻂ. وﻫﻲ أدوار ﻻ ﺗﺆﺛﺮ ﻓﻲ وﺟﻮد اﻟﺬات أو اﻟــﺠــﻮﻫــﺮ، ﻟـﻜـﻨـﻬـﺎ ﺗـﻨـﻈـﻢ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑــــﺎﻟــــﺬوات واﻷﻋـــــــﺮاض اﻷﺧـــــﺮى ﻓﻲ ﻣﺤﻴﻄﻪ.
أراد ﺳــــــﺮوش ﻣــــﻦ وراء ﻫـــﺬه اﳌﺴﺎﺟﻠﺔ إﻳﻀﺎح اﻟﻔﺎرق ﺑﲔ اﻟﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ، واﻟﺘﺮاث اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ، أي »ﻣﺠﻤﻮع اﳌــﻌــﺎرف اﻟﺘﻲ ﻧــﺸــﺄت ﺣــــﻮل اﻟـــﺪﻳـــﻦ، ﻣـــﻦ ﺗـﻔـﺎﺳـﻴـﺮ وآراء واﺟﺘﻬﺎدات وﺗﺠﺎرب وﺗﺎرﻳﺦ وﺛــﻘــﺎﻓــﺔ ﺷـﻌـﺒـﻴـﺔ وﻓــﻠــﻜــﻠــﻮر، وﻏـﻴـﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﳌﻜﻮﻧﺎت اﳌﺎدﻳﺔ واﻟﻨﻈﺮﻳﺔ واﻟﺬﻫﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺪور ﻓﻲ ﻓﻠﻚ اﻟﺪﻳﻦ، ﻟـﻜـﻦ ﻻ وﻇـﻴـﻔـﺔ ﻟـﻬـﺎ ﻣــﻦ دوﻧــــﻪ، وﻟـﻢ ﺗـﺤـﺼـﻞ ﻋـﻠـﻰ وﺻـﻔـﻬـﺎ اﻟــﺨــﺎص أو ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﻗﺒﻞ ارﺗﺒﺎﻃﻬﺎ ﺑﻪ«.
أﻇـــــــﻦ أن ﻛــــﺜــــﻴــــﺮا ﻣـــــﻦ اﻟــــﻨــــﺎس ﻳﻮاﻓﻘﻮن ﺳــﺮوش ﻓـﻲ ﻫــﺬه اﻟـﺮؤﻳـﺔ، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻌﻤﻮم ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ، ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﻊ ذﻟـﻚ واﺟﻬﺖ ﻣﻌﺎرﺿﺔ ﺷﺪﻳﺪة، ﻓـﻬـﻲ، ﻓــﻲ ﻧـﻬـﺎﻳـﺔ اﳌــﻄــﺎف، ﺗـﻘـﻮل إن اﳌــﻌــﺎرف اﳌـﺮﺗـﺒـﻄـﺔ ﺑــﺎﻟــﺪﻳــﻦ، ﻟﻴﺴﺖ ﺟﺰءا ﻣﻨﻪ، وﻻ ﺗﻤﻠﻚ ﺻﻔﺔ اﻹﻃﻼق واﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻪ. ﻫﺬا ﻳﻌﻨﻲ ﺑـﺒـﺴـﺎﻃـﺔ أن ﻣــﺎ أﻧــﺘــﺠــﻪ اﻟـﺴـﺎﺑـﻘـﻮن وﻣﺎ ﻳﻨﺘﺠﻪ اﳌﻌﺎﺻﺮون، أي ﻣﺠﻤﻮع اﳌـــﻌـــﺎرف اﻟــﺘــﻲ اﻋــﺘــﺪﻧــﺎ ﻓــﻬــﻢ اﻟــﺪﻳــﻦ ﻣــﻦ ﺧـﻼﻟـﻬـﺎ، ﻟﻴﺴﺖ ﺳــﻮى ﻣـﻌـﺎرف ﻋــﺎدﻳــﺔ، ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ أن ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻨﻬﺎ، دون أن ﻳﻠﺘﺰم ﺑﺘﺄوﻳﻼﺗﻬﺎ، ﻛﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻪ أن ﻳﻀﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺮف ﻓﻼ ﻳﺴﺄل ﻋﻨﻬﺎ.
ﺑﺪﻳﻬﻲ أن اﻷﻏﻠﺒﻴﺔ اﻟﺴﺎﺣﻘﺔ ﻣــﻦ اﳌﺸﺘﻐﻠﲔ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ اﻟـﺪﻳـﻨـﻲ، ﻟﻦ ﻳﻨﻈﺮوا ﻟﻬﺬه اﻷﻗـﻮال ﺑﻌﲔ اﻟﺮﺿﺎ. ﻓﻬﻢ اﻋﺘﺎدوا ﻋﻠﻰ ﻓﻬﻢ اﻟﺪﻳﻦ، ﻧﺼﺎ وﻓﻜﺮا، ﺑﺎﻟﺮﺟﻮع إﻟﻰ أﻓﻬﺎم اﻟﺴﺎﺑﻘﲔ وﺗﻔﺴﻴﺮاﺗﻬﻢ. وﻫﻢ ﻻ ﻳﻨﻜﺮون ﻧﺴﺒﻴﺔ ﻫﺬه اﻷﻓﻬﺎم، ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻳﺮوﻧﻬﺎ أﺑﻮاﺑﺎ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﺟﻮﻫﺮ اﻟﺪﻳﻦ دون ﻋﺒﻮرﻫﺎ. ﺑﻞ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل إن ﻛﻼ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻀﻄﺮ إﻟﻰ ﻫﺬه اﻷﺑـــﻮاب، ﻷﻧـﻪ ﻻ ﻳﻌﺮف ﻏﻴﺮﻫﺎ وﻟﻢ ﻳﻌﺘﺪ ﻋﻠﻰ ﺳـﻮاﻫـﺎ. وﻫــﺬه ﺣــﺎل ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﺎ. ﻧﺤﻦ ﻧﻔﻬﻢ اﻷﺷﻴﺎء ﻷﻧﻨﺎ ﻧﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ زواﻳﺎ ﻣﺤﺪدة، ﺗﺼﻒ ﻟﻨﺎ ﻣﺎ ﻧﺮاه وﺗﺒﺮره، وﻟﻮ ﻧﻈﺮﻧﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ زواﻳﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﻧﻌﺮف ﻣﺎ ﻧﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ.
ﻟــﻜــﻦ ﺳـــــﺮوش ﻻ ﻳــﺘــﻮﻗــﻒ ﻋﻨﺪ ﻫﺬه اﻟﻨﻘﻄﺔ. ﻓﻬﻮ ﻳﺄﺧﺬ اﻟﻘﺎرئ إﻟﻰ ﻏـــﻮر ﺑـﻌـﻴـﺪ، ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑـﺎﻟـﻨـﺺ ذاﺗـــﻪ، ﺣــﲔ ﻳـﻀـﻊ أﻣــﺎﻣــﻪ اﻟــﺴــﺆال اﳌﺤﻴﺮ: ﻫـــﻞ اﻟــﻨــﺺ ﺑـــﺬاﺗـــﻪ ﻫـــﻮ ذات اﻟــﺪﻳــﻦ أو ﺟــﺰء ﻣــﻦ ذات اﻟــﺪﻳــﻦ، أم ﻫــﻮ ﻣﻦ أﻋـﺮاﺿـﻪ؟ ﺑﻌﺒﺎرة أﺧــﺮى: ﻫﻞ ﺟﺮى اﺧﺘﻴﺎر ﻟﻐﺔ اﻟﻨﺺ واﻟﻘﺼﺔ واﳌﺜﺎل وﻧﻈﺎم اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻌﻤﻠﺖ ﻓﻲ اﻟﻨﺺ، ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺟﺰء ا ﻣﻦ ذات اﻟـﺪﻳـﻦ وﺟــﻮﻫــﺮه، أم إن دورﻫــﺎ وﻇــﻴــﻔــﻲ ﺑــﺤــﺖ، ﻣــﺜــﻞ اﻟــﻈــﺮف اﻟــﺬي ﺗﻘﺪم ﻓﻴﻪ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ، أو اﻟﻄﺒﻖ اﻟﺬي ﻳﻘﺪم ﻓﻴﻪ اﻟﻄﻌﺎم؟