اﻟﺤﻮار واﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻹرﻫﺎب واﻟﺘﻄﺮف
ﻣﻦ اﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎن إﻟﻰ اﻷزﻫﺮ
ورﺑــﻤــﺎ ﻳـﺘـﺤـﺘـﻢ ﻋـﻠـﻴـﻨـﺎ أن ﻧـﺬﻛـﺮ اﻟﺠﻤﻴﻊ أﻳﻀﴼ ﺑﻤﺎ ﻗﺎﻟﻪ أدﻳـﺐ ﻓﺮﻧﺴﺎ اﻟـﻜـﺒـﻴـﺮ أﻧـــﺪرﻳـــﻪ ﻣــﺎﻟــﺮو ذات ﻣـــﺮة ﻣﻦ ﺳـﺘـﻴـﻨـﺎت اﻟــﻘــﺮن اﳌــﺎﺿــﻲ، ﻣـﺘـﺴـﺎﺋـﻼ: »ﻫــــــــﻞ ﺳـــﻴـــﻀـــﺤـــﻰ اﻟــــــﻘــــــﺮن اﻟـــــﺤـــــﺎدي واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻗﺮﻧﴼ دﻳﻨﻴﴼ أم ﻻ؟«.
ﻫــﻨــﺎك ﺑــﻌــﺾ اﻟــﺤــﻘــﺎﺋــﻖ اﻟــﺘــﻲ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﻣﻮاﺟﻬﺘﻬﺎ وﻣﺠﺎﺑﻬﺘﻬﺎ ﻟﻨﻔﻬﻢ أﻫﻤﻴﺔ اﻟـﺪور اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺬي ﻳﻘﻮم ﻋﻠﻴﻪ رﺟﺎل اﻟﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﺣﺎﺿﺮات أﻳﺎﻣﻨﺎ.
اﻟـــــﺸـــــﺎﻫـــــﺪ أن ﻫـــــﻨـــــﺎك ﻣــــﻔــــﺎرﻗــــﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﳌﺴﻴﺮة اﻷدﻳــﺎن ﺑﲔ اﻟﺸﺮق واﻟﻐﺮب، ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺎﻧﺒﲔ، ﻓﻬﻨﺎك ﻓﻴﻤﺎ وراء اﻟﺒﺤﺎر ﺗﻤﺖ ﺗﻨﺤﻴﺔ اﻟـﺪﻳـﻦ إﻟﻰ اﻟﺨﻠﻔﻴﺔ ﻟﻌﺪم اﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻴﻪ ﻇﺎﻫﺮﻳﴼ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﺘﻨﻮﻳﺮ واﻟﺸﺮوط اﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ، اﻟــﺘــﻲ ﻓــﺮﺿــﺖ ﺑـﺘـﺄﺛـﻴـﺮ اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ واﻻﻗــــﺘــــﺼــــﺎد ورأس اﳌــــــﺎل واﻟــﻌــﻠــﻮم اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﺑﻘﻮاﻧﻴﻨﻬﺎ اﻟﺼﺎرﻣﺔ.
وﻓـــﻲ اﻟــﺸــﺮق ﻷﺳــﺒــﺎب ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﺣﺪﺛﺖ ردة ﻓﻜﺮﻳﺔ إﻟﻰ اﻟﻮراء، ﻋﺰزﺗﻬﺎ اﻟـــﻌـــﻮﳌـــﺔ واﻟــــﺨــــﻮف ﻣـــﻦ اﻟـــﺘـــﻼﻗـــﻲ ﻣـﻊ اﻵﺧﺮ، ﻓﻌﺎدت ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻴﺎرات اﳌﻐﺮﻗﺔ ﻓﻲ اﳌﺎﺿﻲ ﻟﺘﺘﺴﻴﺪ اﳌﺸﻬﺪ.
وﻣﺎ ﺑﲔ ﺗﻄﺮﻓﲔ، أﻗﺼﻰ اﻟﻴﻤﲔ، وأﻗـــﺼـــﻰ اﻟـــﻴـــﺴـــﺎر، ﺑــــﺪا ﻛــــﺄن اﻟــﻬــﺪف اﻟــﺤــﻘــﻴــﻘــﻲ ﻟـــــﻸدﻳـــــﺎن ﻳـــﻀـــﻴـــﻊ وﺳـــﻂ اﻟﺰﺣﺎم، ﻟﺘﺤﻞ ﻣﺤﻠﻪ ﻧﻈﺮﻳﺎت اﻟﺼﺪام وﺗــﻌــﻠــﻮ راﻳـــــﺎت اﻟـــﺤـــﺮب واﳌــﻮاﺟــﻬــﺎت اﻟﺪﻣﻮﻳﺔ، ﻋﻠﻰ أن اﻟﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﺟﻮﻫﺮه، وﻛﻤﺎ ﻳـﺘـﺮاءى ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ﻓـﻲ اﻟﺴﻨﻮات اﻷﺧﻴﺮة، ﻳﻌﻮد ﻟﻠﻈﻬﻮر ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺑﻌﺪﴽ آﺧﺮ، ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻺﻧﺴﺎن أن ﻳﻤﻨﺢ ﺣﻴﺎﺗﻪ أﺻـــﻼ وﻫــﺪﻓــﴼ وإﻃــــﺎرﴽ ﺛـﺎﺑـﺘـﴼ، وﺷـﻜـﻼ ﻓﺎﻋﻼ ﺑﲔ اﳌﻴﻼد واﳌﻮت.
ﻫﻞ ﻟﻸدﻳﺎن ﺑﻤﻔﻬﻮﻣﻬﺎ اﻟﻌﻤﻴﻖ أن ﺗـــﻜـــﻮن ﺣـــﺎﺋـــﻂ ﺻـــﺪ ﻓـــﻲ ﻣــﻮاﺟــﻬــﺔ اﻷﺻﻮﻟﻴﺎت اﻟﻈﻼﻣﻴﺔ ﻋﻠﻰ أي ﺟﺎﻧﺐ ﻛﺎﻧﺖ؟
اﻟــﺸــﺎﻫــﺪ أﻧـــﻪ ﻳـﻤـﻜـﻦ ﻟــﻠــﺪﻳــﻦ، ﻛﻤﺎ ﻳﺸﻴﺮ إﻟـﻰ ذﻟـﻚ اﳌﻔﻜﺮ اﻷﳌـﺎﻧـﻲ ﻫﺎﻳﻨﺰ ﻳﻮاﻛﻴﻢ ﻓﻴﺸﺮ، أن ﻳﻮﻟﺪ ﻗﻨﺎﻋﺔ ﺧﺎرج اﳌــــﻈــــﺎﻫــــﺮات اﻟـــﺠـــﺪﻟـــﻴـــﺔ، ﻓــﺎﻟــﻘــﻨــﺎﻋــﺎت ﺳــﻮاء ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻈﺮﻳﺔ أم ﻋﻤﻠﻴﺔ، ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻨﺒﻊ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻟﻺﻧﺴﺎن، وأن ﺗﺘﻮﻟﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻗﻮة ﻟﻠﺤﻴﺎة، ﻛﺎن ﻗﺪ ﺻـﻘـﻠـﻬـﺎ اﻟــﺘــﻨــﻮﻳــﺮ وﻧـﺤـﺘـﺘـﻬـﺎ اﻟـﻌـﻠـﻮم ﺗﺪرﻳﺠﻴﴼ ﺧـﻼل ﻗﺮﻧﲔ وﻧﺼﻒ اﻟﻘﺮن ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن. وﻋﻠﻰ ﻫﺬا، ﺗﻈﻬﺮ اﻷدﻳﺎن ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻗﻮة وﻗﻨﺎﻋﺔ ﺗﻨﺸﺊ وﺗـﻮﻃـﺪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت اﻟﺴﻮﻳﺔ ﺑﻌﻴﺪﴽ ﻋﻦ اﳌﻐﺎﻻة واﻟﺘﻄﺮف.
ﻗﺒﻞ ﻣﺠﻴﺌﻪ إﻟﻰ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﺑﺒﻀﻌﺔ أﻳــــﺎم، وﺟـــﻪ اﻟــﺒــﺎﺑــﺎ ﻓـﺮﻧـﺴـﻴـﺲ رﺳـﺎﻟـﺔ إﻟـﻰ »ﺷﻌﺐ ﻣﺼﺮ اﻟﺤﺒﻴﺐ«، ﺑﺤﺴﺐ اﻟﻨﺺ، أﺷﺎر ﻓﻴﻬﺎ إﻟﻰ ﻋﺪة أﻣﻮر ﻫﺎﻣﺔ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻬﺎ أن ﺗﺴﻮد اﳌﺸﻬﺪ اﻹﻳﻤﺎﻧﻲ، ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻟـﺪى أﺑﻨﺎء اﻟﻨﺒﻲ إﺑــﺮاﻫــﻴــﻢ، إن أردﻧــــﺎ ﺧــﻼﺻــﴼ ﺣﻘﻴﻘﻴﴼ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﻇﻼﻣﻴﺔ اﳌﻮت اﻟﺬي ﻳﻤﺮ ﺑﻪ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻲ اﻷوﻗﺎت اﻷﺧﻴﺮة.
ﺑـــﺪاﻳـــﺔ اﻋــﺘــﺒــﺮ أﺳـــﻘـــﻒ روﻣــــــﺎ أن اﻟﺰﻳﺎرة ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ رﺳﺎﻟﺔ ﺻﺪاﻗﺔ وﺗﻘﺪﻳﺮ ﻟــﺠــﻤــﻴــﻊ ﺳـــﻜـــﺎن ﻣـــﺼـــﺮ وﻟــﻠــﻤــﻨــﻄــﻘــﺔ، ﻓﺎﳌﻘﺒﻞ ﻣـﻦ ﺑﻌﻴﺪ وﻋــﻦ ﺣـﻖ ﻳــﺪرك أن اﻟـــﺼـــﺪاﻗـــﺔ ﻣــﻔــﺘــﺎح ﻟــﻠــﻘــﻠــﻮب اﻟـﻨـﻈـﻴـﻔـﺔ اﻟـــــﺮاﻏـــــﺒـــــﺔ ﻓـــــﻲ اﻟـــﺘـــﻌـــﺎﻳـــﺶ اﻟـــــﻮاﺣـــــﺪ، ﺑﻌﻴﺪﴽ ﻋﻦ ﻣـﻔـﺮدات اﻟﻌﺰل واﻹﻗـﺼـﺎء، واﻻﺳـﺘـﺒـﻌـﺎد واﻟـﺘـﺨـﻮﻳـﻦ اﻟـﺘـﻲ ﺗﻌﻠﻲ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ اﻷﺻﻮﻟﻴﺎت اﳌﺘﻄﺮﻓﺔ، ﺛﻢ وﻫــــﺬا ﻫـــﻮ اﻷﻫــــﻢ ﻓـــﻲ اﻟـــﺮﺳـــﺎﻟـــﺔ، أﻧـﻬـﺎ ﻃـﺮﻳـﻖ ﻟﻠﻤﺼﺎﻟﺤﺔ ﺑــﲔ ﺟﻤﻴﻊ أﺑـﻨـﺎء إﺑﺮاﻫﻴﻢ، وﻳﺨﺼﺺ اﻟﺒﺎﺑﺎ ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺘﻪ اﻟـــﻬـــﺪف...»إﻧـــﻪ اﻟــﻌــﺎﻟــﻢ اﻹﺳـــﻼﻣـــﻲ«... اﻟﺬي ﺗﺤﺘﻞ ﻓﻴﻪ ﻣﺼﺮ ﻣﻜﺎﻧﺔ رﻓﻴﻌﺔ.
ﻳــﻤــﻜــﻦ اﻟــﻘــﻄــﻊ ﺑــــﺄن ﻫــﻨــﺎك ﻓــﺎرﻗــﴼ ﺷـﺎﺳـﻌـﴼ ﺑــﲔ رؤﻳـــﺔ اﻟـﺒـﺎﺑـﺎ اﻟــﻘــﺎدم ﻣﻦ اﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎن إﻟﻰ اﻷزﻫـﺮ، ورؤى أﺳﻼﻓﻪ ﻗـﺒـﻞ ﻧـﺤـﻮ ٠٠٨ ﻋـــﺎم، وﻓـــﻲ ﻫـــﺬا رﺑﻤﺎ درس وﻋــﺒــﺮة ﻟﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﳌﺴﻠﻤﲔ ﻓﻲ اﻟــﺸــﺮق، ﻓـﻨـﻘـﺪ اﻟــــﺬات اﻟـــﺬي ﺟـــﺮى ﻓﻲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻗﺎدﻫﺎ إﻟــﻰ رؤى وأﻃــﺮوﺣــﺎت ﺗﻘﺪﻣﻴﺔ ﻳﻐﻠﺐ ﻋـﻠـﻴـﻬـﺎ اﻟــﻄــﺎﺑــﻊ اﻹﻧــﺴــﺎﻧــﻮي اﻷﺷــﻤــﻞ واﻷﻋﻢ.
وﻫـــــﻨـــــﺎ ﺑـــﺎﻟـــﻔـــﻌـــﻞ ﻳــــﻘــــﻒ اﻟـــﻌـــﺎﻟـــﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ اﻵوﻧﺔ اﻟﺮاﻫﻨﺔ ﺑﺈﻟﺤﺎح ﺑـﺎﻟـﻎ أﻣــﺎم ﻣﻬﻤﺔ ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻛــﺎﻧــﺖ ﻣــﺎﺛــﻠــﺔ أﻣــــﺎم أﻋـــﲔ اﳌﺴﻴﺤﻴﲔ ﻣﻨﺬ ﻋﺼﺮ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ، وﻗﺪ وﺟﺪ اﳌﺠﻤﻊ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻟﻠﻔﺎﺗﻴﻜﺎن ﺑﺨﺼﻮﺻﻬﺎ ﺣﻠﻮﻻ ﻣﺤﺪدة ﺑﺪﻗﺔ، وﻛﺎن ذﻟﻚ ﺛﻤﺮة ﻟﻠﺒﺤﺚ ﳌﺪة ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺧﻼل اﻧﻌﻘﺎد ﺟﻠﺴﺎﺗﻪ ﺑﲔ ﻋﺎﻣﻲ ٢٦٩١ و٥٦٩١.
ﻛــــــﺎن اﻟـــﻨـــﻘـــﺪ اﻟـــــﺬاﺗـــــﻲ اﻟـــﺪاﺧـــﻠـــﻲ ﻟـﻠـﻜـﻨـﻴـﺴـﺔ اﻟــﺮوﻣــﺎﻧــﻴــﺔ اﻟـﻜـﺎﺛـﻮﻟـﻴـﻜـﻴـﺔ وإﻋــــﺎدة ﺗـﺼـﻮﻳـﺐ اﳌــﺴــﺎر اﻹﻧــﺴــﺎﻧــﻲ، ﻳﻠﻘﻰ وﻻ ﺷﻚ ﻣﻮاﺟﻬﺎت ﻣﻦ أﺻـﻮات أﺻــﻮﻟــﻴــﺔ ﻓـــﻲ اﻟـــﺪاﺧـــﻞ، ﻏــﻴــﺮ أن ﻗــﻮى اﻟـــﺘـــﻘـــﺪم واﻻﻋــــــﺘــــــﺪال اﺳـــﺘـــﻄـــﺎﻋـــﺖ أن ﺗـﺘـﺠـﺎوز اﳌـﺸـﻬـﺪ، ﻟﺘﺼﻞ إﻟــﻰ اﳌﻌﻨﻰ واﳌﺒﻨﻰ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻠﺤﻮار ﻣﻊ اﻟﻨﻔﺲ وﻣﻊ اﻵﺧﺮ.
ﻳــــــﺪرك ﺿــﻴــﻒ اﻷزﻫـــــــﺮ اﻟــﻜــﺒــﻴــﺮ، اﻟـﺮﺟـﻞ ذو اﻟـــﺮداء اﻷﺑــﻴــﺾ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺘﻪ، أن ﻋﺎﳌﻨﺎ ﻣﻤﺰق ﻣﻦ اﻟﻌﻨﻒ اﻷﻋـﻤـﻰ... ﻫﻞ أرادت ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت اﳌﻐﺮﻗﺔ ﻓﻲ اﳌـﻮت ﻗﻄﻊ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻋﻠﻰ اﻟـــﺒـــﺎﺑـــﺎ وﻣـــﻨـــﻌـــﻪ ﻣــــﻦ اﻟـــــﻮﺻـــــﻮل إﻟـــﻰ اﻷزﻫﺮ؟
ﺣﻜﻤﴼ ﻫــﺬا ﻣــﺎ ﺟــﺮت ﺑــﻪ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ اﳌــﻘــﺎدﻳــﺮ، ﻓــﺎﻟــﺬﻳــﻦ ذﻫــﺒــﻮا ﻓــﻲ ﻃـﺮﻳـﻖ ﺗــﻔــﺠــﻴــﺮ ﻛــﻨــﺎﺋــﺲ اﻷﻗــــﺒــــﺎط ﻳــــﻮم أﺣــﺪ اﻟــﺴــﻌــﻒ، ﻛــــﺎن ﻣـــﻦ ﺑـــﲔ أﻫـــﺪاﻓـــﻬـــﻢ أن ﻳﺒﺎدر اﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎن إﻟﻰ إﻟﻐﺎء ﻫﺬه اﻟﺰﻳﺎرة اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ، ﻏﻴﺮ أن اﻟﺒﺎﺑﺎ رﻓﺾ اﻟﻘﺒﻮل أو اﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﺑﻤﺎ ﺗﺮﻳﺪه ﻗﻮى اﻟﻜﺮاﻫﻴﺔ، ﻓﺎﻟﺠﻤﻴﻊ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺗﺸﻜﻞ ﻓﻴﻪ اﻻﻋـﺘـﺪاءات ﺟـﺰءﴽ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة، وإﻟﻐﺎء اﻟﺰﻳﺎرة ﻳﻌﻨﻲ اﻟﺨﻀﻮع ﻹرادة اﻟﺸﺮ، وﻫﺰﻳﻤﺔ ﻣﻌﺴﻜﺮ اﻟﺨﻴﺮ.
واﻟﺜﺎﺑﺖ أن أﺳﻘﻒ روﻣﺎ اﳌﺎﺿﻲ ﻗﺪﻣﴼ إﻟـﻰ اﻷزﻫــﺮ اﻟﺸﺮﻳﻒ ﺑﻤﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ أﻫــﻤــﻴــﺔ وﻗــــﻮة إﻗــﻨــﺎع أدﺑــــﻲ وﻣـﻌـﻨـﻮي ﺣﻮل اﻟﻌﺎﻟﻢ، إﻧﻤﺎ ﻳﺪرك أن ﻫﺬا ﺗﺠﻤﻊ ﺗﺎرﻳﺨﻲ ﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﺆﻣﻨﻮن ﺑﺎﻟﻠﻪ وﻛﺘﺒﻪ وﻣﻼﺋﻜﺘﻪ ورﺳﻠﻪ، وأن رﺳﺎﻟﺔ اﻟﺴﻼم اﻟﺘﻲ ﺳﺘﻮﺟﻪ ﻣـﻦ ﻗﺒﻞ ﺗﻠﻚ اﳌﺆﺳﺴﺔ اﻟﻌﺮﻳﻘﺔ ﺳﺘﺰﺧﻢ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺼﻨﺎع ﺳﻼم، وﺑﺄﺷﺨﺎص أﺣﺮار ﻣﺤﺮرﻳﻦ، وﺻﻔﻬﻢ ﺑــﺄﻧــﻬــﻢ أﺷـــﺨـــﺎص ﺷــﺠــﻌــﺎن ﻳـﻌـﺮﻓـﻮن ﻛـﻴـﻒ ﻳـﺘـﻌـﻠـﻤـﻮن ﻣــﻦ اﳌــﺎﺿــﻲ ﻟﻴﺒﻨﻮا اﳌﺴﺘﻘﺒﻞ، دون أن ﻳﻨﻐﻠﻘﻮا ﻓﻲ اﻷﺣﻜﺎم اﳌﺴﺒﻘﺔ.
ﺗـــﺘـــﻴـــﺢ ﻟــــﻨــــﺎ اﻟــــﺮﺣــــﻠــــﺔ ﻣــــــﻦ ﻗــﻠــﺐ اﻟــﺘــﺎرﻳــﺦ اﻟــﻨــﺎﺑــﺾ »اﻟــﻔــﺎﺗــﻴــﻜــﺎن« إﻟـﻰ ﻣـــﺼـــﺮ »أم اﻟــــﺪﻧــــﻴــــﺎ« ﻛـــﻤـــﺎ أﺷـــــــﺎر ﻓـﻲ ﺧـﻄـﺎﺑـﻪ ﻓــﺮﺻــﺔ ذﻫـﺒـﻴـﺔ ﳌـﺴـﺢ اﻟـﻐـﺒـﺎر اﻟـــــﺬي ﻋــﻠــﻖ ﺑــﺎﻟــﺘــﺎرﻳــﺦ اﳌــﻌــﺎﺻــﺮ ﺑﲔ اﻟـــــﺸـــــﺮق واﻟـــــــﻐـــــــﺮب، وﻻ ﺳـــﻴـــﻤـــﺎ ﺑــﲔ اﻹﺳﻼم واﳌﺴﻴﺤﻴﺔ، ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻌﺪاوات اﻷﺻـﻮﻟـﻴـﺔ اﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮت ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻄﺢ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﺪﻳﻦ اﳌﺎﺿﻴﲔ، وﻫﺎ ﻫﻲ ﺗﻨﻤﻮ ﺑــﻘــﻮة وﺷــﺮاﺳــﺔ ﻟـﺘـﻬـﺪد أي ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻷﺑــﻨــﺎء اﻷدﻳـــــﺎن اﻹﺑــﺮاﻫــﻴــﻤــﻴــﺔ، ﺳــﻮاء ﺣﺪﺛﺖ اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻹرﻫﺎﺑﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻐﺮب أو اﻟﺸﺮق.
إن زﻳﺎرة اﻟﺒﺎﺑﺎ ﻓﺮﻧﺴﻴﺲ ﻟﻴﺴﺖ اﻟﻠﻘﺎء اﻷول ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻮد اﻷﺧـﻴـﺮة ﺑﲔ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ واﳌـﺴـﺠـﺪ، ﻓﻔﻲ ﻋــﺎم ٧٤٩١، وﺗـﺤـﺪﻳـﺪﴽ ﻓــﻲ ﺷﻬﺮ أﻛـﺘـﻮﺑـﺮ )ﺗﺸﺮﻳﻦ اﻷول( أﻗـــــﺎم اﻟـــﺒـــﺎﺑـــﺎ ﺑـــﻴـــﻮس اﻟــﺜــﺎﻧــﻲ ﻋﺸﺮ ﺑﺎﺑﺎ روﻣـﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻛﺄول ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ دوﻟﻴﺔ ﻣﻌﺘﺮف ﺑﻬﺎ ﻋﺎﳌﻴﴼ، ﻋﻼﻗﺎت دﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻴﺔ داﺋﻤﺔ ﻣﻊ أول دوﻟﺔ إﺳﻼﻣﻴﺔ وﻫﻲ ﻣﺼﺮ، وﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﻘﺮن ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ أي ﻓﻲ ﻋﺎم ٩٣٨١، ﻛــــﺎن واﻟـــــﻲ ﻣــﺼــﺮ وﺑـــﺎﻋـــﺚ ﻧﻬﻀﺘﻬﺎ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ، ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ، ﻗﺪ أرﺳﻞ وﻓﺪﴽ إﻟﻰ روﻣﺎ، ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﻌﻲ اﻟﻮزن اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﺒﺎﺑﻮﻳﺔ.
وﻓـــﻲ ﻋـــﺎم ١٥٩١ أﺟــــﺮى اﻟـﺒـﺎﺑـﺎ ﺑﻴﻮس اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺸﺮ ﻟﻘﺎء ﻣﻊ اﻷﻣﲔ اﻟﻌﺎم ﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﻗﺘﻬﺎ ﻋــﺒــﺪ اﻟـــﺮﺣـــﻤـــﻦ ﻋـــــــﺰام، ﺑـــﺎﺷـــﺎ، اﻟـــﺬي ﻟـــﺨـــﺺ اﳌـــﺸـــﻬـــﺪ ﻓـــــﻲ اﻟــــﻌــــﻼﻗــــﺔ ﺑــﲔ اﻟـﻌـﺎﻟـﻢ اﻟـﻌـﺮﺑـﻲ واﻟـﻔـﺎﺗـﻴـﻜـﺎن ﺑﻘﻮﻟﻪ: »إن اﻟﻌﺮب ﻳﺮون أن رﺋﻴﺲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ، واﻧﻄﻼﻗﴼ ﻣﻦ رﺳﺎﻟﺘﻪ اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ، ﻳﻌﺪ ﻣﻦ أﺑﺮز اﳌﺪاﻓﻌﲔ ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﺘﺮاث اﻟﺮوﺣﻲ اﻷﻋﻠﻰ واﻷﺛﻤﻦ، اﻟــﺬي ﺗﺘﺄﺳﺲ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻘﻴﺪة اﻹﺳـﻼم وﻋﻘﻴﺪة اﳌﺴﻴﺤﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺣـﺪ ﺳــﻮاء، ﻓـﺎﻟـﺘـﺸـﺎرك اﻟــﺮوﺣــﻲ ﺑــﲔ اﳌﺴﻴﺤﻴﺔ واﻹﺳـــﻼم ﺳﻴﻘﻮد إﻟــﻰ إﻗـﺎﻣـﺔ ﺟﺒﻬﺔ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﺗﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﺼﻒ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ«.
وﻟﻌﻞ ﺳﺎﺋﻞ ﻳﺘﺴﺎءل: »إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻘﻮد اﳌﺎﺿﻴﺔ ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ زﻣﻦ اﳌﺪ اﻟﺸﻴﻮﻋﻲ ﻗﺪ ﺷﻬﺪت ﺗﻘﺎرﺑﴼ واﺿﺤﴼ ﺑـــﲔ اﻟــﻌــﺎﳌــﲔ اﻹﺳـــﻼﻣـــﻲ واﳌـﺴـﻴـﺤـﻲ ﻟـﻠـﻮﻗـﻮف ﻓــﻲ وﺟــﻪ اﻹﻟــﺤــﺎد واﻣﺘﻬﺎن ﻛـــﺮاﻣـــﺔ اﻷدﻳـــــــــﺎن، ﻓــﻬــﻞ ﻧــﺤــﻦ ﻧـﻌـﻴـﺶ ﻓـﺘـﺮة ﺟـﺪﻳـﺪة ﻣـﻦ اﻟـﺘـﻌـﺎون اﻹﺳـﻼﻣـﻲ اﳌــﺴــﻴــﺤــﻲ اﻹﺳـــﻼﻣـــﻲ اﻟـــﻐـــﺮض ﻣﻨﻬﺎ ﺻــﺪ ﻫـﺠـﻤـﺎت اﻷﺻـﻮﻟـﻴـﲔ وﻣﺠﺎﺑﻬﺔ إرﺟـﺎﻓـﺎت اﳌﺮﺟﻔﲔ، اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻄﻠﻌﻮن ﻷن ﺗﻀﺤﻰ اﻟـﻜـﺮة اﻷرﺿــﻴــﺔ ﺟﺤﻴﻤﴼ ﻣﻘﻴﻤﴼ؟«.
ﻳﺒﺪو أن اﻟـﺠـﻮاب ﻗﺎﺋﻢ ﻓﻲ ﻋﻤﻖ اﳌــﻔــﻬــﻮم اﻟــﺜــﻘــﺎﻓــﻲ ﻟــــﻸدﻳــــﺎن، ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧـﻪ ﻟﻴﺲ اﳌﻄﻠﻮب ﻣﻦ رﺟــﺎﻻت اﻟﺪﻳﻦ ﻣـﻦ اﻷزﻫـــﺮ أو اﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎن اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺑﻠﻮرة ﺗﻮاﻓﻘﻴﺎت ﻓﻘﻬﻴﺔ أو ﻻﻫﻮﺗﻴﺔ، وﻟﻜﻦ اﳌﻄﻠﻮب اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺻﻮل ﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﺑــﺄن ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت اﳌﺨﺘﻠﻔﺔ، وﻋﻠﻰ اﻟﺤﻮار اﻟـﺪﻳـﻨـﻲ ﺑﻴﻨﻬﺎ، ﻓــﺎﻷﻣــﺮ ﻫــﻮ ﻛـﻤـﺎ ﻋﺒﺮ ﻋﻨﻪ اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟـﻼﻫـﻮﺗـﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﺗﻮﻣﺎ اﻷﻛـــﻮﻳـــﻨـــﻲ، ﺣــﻴــﻨــﻤــﺎ ﻗـــــﺎل: »إن ﺣــﻴــﺎة اﻟﺠﻨﺲ اﻟﺒﺸﺮي ﺗﺘﻜﻮن ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ، وإن ﻣـﺴـﺘـﻘـﺒـﻠـﻬـﺎ ﻛـــﺎﻣـــﻦ ﻓـــﻲ اﻟــﺜــﻘــﺎﻓــﺔ أﻳﻀﴼ«.
ﺗﺴﻌﻰ اﻷﺻﻮﻟﻴﺎت ﻋﺒﺮ أذرﻋﻬﺎ اﻹرﻫﺎﺑﻴﺔ ﺣﺘﻤﴼ إﻟﻰ ﺗﻔﺮﻳﻖ اﻟﺠﻤﻴﻊ؛ ﻣﺆﻣﻨﲔ وﻏﻴﺮ ﻣﺆﻣﻨﲔ، ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻤﻀﻲ اﻟــﺤــﻮار واﻟــﺠــﻮار ﻓــﻲ إﻃــﺎر اﻟﺘﺠﻤﻴﻊ ﻻ اﻟﺘﻔﺮﻳﻖ، وﻛــﻞ ﻣـﺮﺑـﻊ ﻳﺨﻠﻔﻪ أﺑﻨﺎء إﺑــﺮاﻫــﻴــﻢ ﻣـــﻦ وراﺋـــﻬـــﻢ ﺗــﻤــﻸه »اﻟــﻔــﺌــﺔ اﻟـﺒـﺎﻏـﻴـﺔ«، وﻻ ﺷــﻚ ﻓــﻲ ذﻟـــﻚ، وﻋﻠﻴﻪ؛ ﻓﺈن ﻓﺮﻧﺴﻴﺲ اﻷول ﻓﻲ زﻳﺎرﺗﻪ ﳌﺼﺮ واﻷزﻫــﺮ، ﻛﺎن ﻳﺴﺘﺬﻛﺮ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﺳﻠﻔﻪ اﻟﺒﺎﺑﺎ ﻳﻮﺣﻨﺎ ﺑﻮﻟﺲ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻲ أﺛﻨﺎء ﻟﻘﺎﺋﻪ ﺑﺎﳌﺪﻳﻨﺔ اﳌﻘﺪﺳﺔ »اﻟﻘﺪس« ﻓﻲ اﻟـﺜـﺎﻟـﺚ واﻟـﻌـﺸـﺮﻳـﻦ ﻣـﻦ ﻣــﺎرس )آذار( ﻣــﻦ ﻋــﺎم ٠٠٠٢، ﻓــﻲ ﺗﺠﻤﻊ ﻟﻠﻄﻮاﺋﻒ اﻟـﻴـﻬـﻮدﻳـﺔ واﳌـﺴـﻴـﺤـﻴـﺔ واﻹﺳــﻼﻣــﻴــﺔ، ﻣـــﺘـــﺄﺛـــﺮﴽ إﻟـــــﻰ درﺟـــــــﺔ دﻓـــﻌـــﺖ ﺑــــﻪ إﻟـــﻰ اﻟــﺘــﺄﻛــﻴــﺪ اﳌــﻠــﺢ ﻋــﻠــﻰ ﺑـــﺪء ﻋــﻬــﺪ زﻣـﻨـﻲ ﺟـــﺪﻳـــﺪ ﻟــﻠــﺤـــﻮار اﻟـــﺪﻳـــﻨـــﻲ، وﻋـــﺒـــﺮ ﻋـﻦ اﺳﺘﻨﺘﺎﺟﺎﺗﻪ ﻓـﻲ ﻫـﺬا اﻟﺴﻴﺎق ﻗﺎﺋﻼ: »ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ أن ﻳﺴﺘﻤﺪ اﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ ﻣﻦ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ دﻳﻨﻪ، ﺑﺤﻴﺚ ﻧﻠﺘﺰم ﺟﻤﻴﻌﴼ ﺑﻨﺸﺮ اﻟـﻮﻋـﻲ ﺣــﻮل ﻋــﺪم اﻟــﻘــﺪرة ﻋﻠﻰ ﺣــﻞ ﻣـﺸـﻜـﻼت اﻟــﺰﻣــﻦ اﻟـــﺮاﻫـــﻦ، إذا ﻣﺎ ﺑــﻘــﻴــﻨــﺎ ﻣــﻨــﻔــﺼــﻠــﲔ دون أن ﻳــﻌــﺮف ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺑﻌﻀﴼ«.
واﻟــﺸــﺎﻫــﺪ أن اﻟـﺠـﻤـﻴـﻊ ﻳـﻌـﻠـﻢ ﻣﺎ ﺣﺪث ﺳﺎﺑﻘﴼ ﻣﻦ ﺣﺎﻻت ﺳﻮء اﻟﺘﻔﺎﻫﻢ واﻷزﻣﺎت، اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜﻞ ﻋﺒﺌﴼ ﺣﺘﻰ اﻵن ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﲔ اﳌﻮﺣﺪﻳﻦ ﻣﻦ أﺗﺒﺎع إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم، وﻟﻬﺬا ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻜﻲ ﺗﻜﺘﺐ ﻟﻸﺻﻮﻟﻴﺎت اﳌﺮة ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻣﺒﻜﺮة، ﻳﺼﺒﺢ ﻋﻠﻰ رﺟـــﺎل اﻟــﺪﻳــﻦ ﻣﺴﺆوﻟﻴﺔ ﻛﺒﺮى، ﻣﻔﺎدﻫﺎ ﺗﺴﺨﻴﺮ ﻛﻞ ﻗﻮاﻫﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ اﻟﻮﻋﻲ ﺑﺈﻫﺎﻧﺎت وﺧــﻄــﺎﻳــﺎ اﳌــﺎﺿــﻲ، وﻣـــﻦ أﺟـــﻞ اﺗـﺨـﺎذ ﻗــﺮار راﺳــﺦ ﻟﺒﻨﺎء ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﺟﺪﻳﺪ، ﻻ ﻳﺴﻮد ﻓﻴﻪ ﺳﻮى ﺗﻌﺎون ﻣﺜﻤﺮ وﻣﺘﺴﻢ ﺑﺎﻻﺣﺘﺮام اﳌﺘﺒﺎدل.
واﳌﻘﻄﻮع ﺑﻪ أن اﻷزﻫـﺮ اﻟﺸﺮﻳﻒ ﺑـــﺪوره، ﻗــﺪ ﺷﻬﺪ ﻓــﻲ اﻵوﻧـــﺔ اﻷﺧـﻴـﺮة ﺛـــﻮرة ﻓـﻜـﺮﻳـﺔ ﻣـﺒـﺎرﻛـﺔ ﻟـﺘـﺤـﺮﻳـﻚ اﳌـﻴـﺎه اﻟــــﺮاﻛــــﺪة، ﻋــﺒــﺮ ﺳـﻠـﺴـﻠـﺔ ﻣـــﻦ اﻟــﻮﺛــﺎﺋــﻖ واﳌـــﺆﺗـــﻤـــﺮات اﻟــﺘــﻲ ﺗــﺪﻓــﻊ ﻓـــﻲ ﻃــﺮﻳــﻖ اﳌـــﻮاﻃـــﻨـــﺔ واﻟـــﺘـــﻌـــﺪدﻳـــﺔ، ﻣــﻤــﺎ ﻳـﻘـﻠـﺺ وﻳـﺤـﺠـﻢ ﻣــﻦ اﳌـﺴـﺎﺣـﺔ اﻟـﺘـﻲ ﺗﺸﻐﻠﻬﺎ اﻷﺻـــﻮﻟـــﻴـــﺎت اﻟــﻌــﺪاﺋــﻴــﺔ ﻓـــﻲ اﻟــﻌــﻘــﻮل واﻟﻘﻠﻮب.
ﻟـﻘـﺪ ﻃــﺮح اﻷزﻫـــﺮ اﻟـﺸـﺮﻳـﻒ ﻋﻠﻰ ﺑــــﺴــــﺎط اﻟـــﺒـــﺤـــﺚ اﻟـــﺪﻳـــﻨـــﻲ واﻟـــﻔـــﻜـــﺮي إﺷــــﻜــــﺎﻟــــﻴــــﺔ اﻷﺻــــــﻮﻟــــــﻴــــــﺎت اﻟـــﺪﻳـــﻨـــﻴـــﺔ واﻟﺘﻄﺮف ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺪﻳﻦ ذاك اﻟﺬي ﻳﻠﻐﻲ اﳌــﻮاﻃــﻨــﺔ، وﻳـﻔـﺘـﺢ ﻣــﺴــﺎرب ﻟــﻺرﻫــﺎب اﳌﺆﻟﻢ واﻷﺳـﻮد، ﻓﺒﺪءﴽ ﻣﻦ ﻋﺎم ٤١٠٢، أي ﻣﻊ ﻇﻬﻮر »داﻋــﺶ« ﺑﻨﻮع ﺧﺎص، واﻷزﻫﺮ اﻟﺸﺮﻳﻒ ﻳﺮﻓﺾ ﻫﺆﻻء اﻟﺬﻳﻦ ﻳـــﺪﻋـــﻮن اﻹﺳــــــﻼم وﻳـــﺴـــﻴـــﺮون ﺧـــﺎرج اﻟﻔﻜﺮة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺗﻤﺎﻣﴼ، وﻣـﺆﻛـﺪﴽ أن »اﳌﺴﻴﺤﻴﲔ« واﳌﺴﻠﻤﲔ ﻓـﻲ اﻟﺸﺮق اﻷوﺳـــــــﻂ ﻫــــﻢ إﺧـــــــﻮة، وﻛــــــﺎن اﻟــﺒــﻴــﺎن اﻟﺨﺘﺎﻣﻲ ﻟﻠﻤﺆﺗﻤﺮ اﻟﺬي ﻋﻘﺪ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟـﻮﻗـﺖ ﻳـﻘـﻮل: »إﻧــﻪ إذا رﻓﻀﻨﺎ أﺳﺲ اﻷﺧـــــــﻮة ﻫــــــﺬه، رﻓــﻀــﻨــﺎ اﻷدﻳــــــــﺎن ﻓـﻲ ﺗﻌﺪدﻳﺘﻬﺎ وﺑﻬﺬا ﺗﺘﻔﻜﻚ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ، وﻫــﺬا أﻣــﺮ ﻧﺤﻦ ﺑﻐﻨﻰ ﻋﻨﻪ، ﻻ ﺳﻴﻤﺎ أن اﻟـﺤـﺎل ﻳﻐﻨﻲ ﻋـﻦ اﻟــﺴــﺆال ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺳﻮرﻳﺎ واﻟﻌﺮاق«.
وﻟﻌﻞ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻳﺘﺬﻛﺮ أن اﻷزﻫــﺮ اﻟـﺸـﺮﻳـﻒ وﻓــﻲ وﺛﻴﻘﺔ اﻟـﺤـﺮﻳـﺎت اﻟﺘﻲ أﺻـــﺪرﻫـــﺎ ﻗــﺒــﻞ ﺑـﻀـﻌـﺔ أﻋـــــﻮام، ﻧـﺎﺷـﺪ اﳌــﺴــﻴــﺤــﻴــﲔ اﻟـــﺘـــﺠـــﺬر ﻓــــﻲ أوﻃــﺎﻧــﻬــﻢ وﻋـــﺪم اﻟـﻬـﺠـﺮة ﻣـﻨـﻬـﺎ، ﻓـﻬـﻢ ﻣـﻠـﺢ ﻫـﺬه اﻷرض اﻟـــﻌـــﺮﺑـــﻴـــﺔ، أﻣـــــﺎ اﻷﺻـــﻮﻟـــﻴـــﺎت اﻟﻘﺎﺗﻠﺔ واﻟﻔﺮق واﻟﺠﻤﺎﻋﺎت اﳌﺴﻠﺤﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺨﺪﻣﺖ اﻟﻌﻨﻒ ﺿﺪ اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟــﺪﻳــﻨــﻴــﺔ ﻓــﻬــﻲ ﺟــﻤــﺎﻋــﺎت آﺛـــﻤـــﺔ ﻓــﻜــﺮﴽ وﻋﺎﺻﻴﺔ ﺳﻠﻮﻛﴼ، وﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ اﻹﺳﻼم اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻓﻲ ﺷﻲء.
ﻟــــــﻘــــــﺎء اﻟـــــﺒـــــﺎﺑـــــﺎ واﻟـــــﺸـــــﻴـــــﺦ ﻓــﻲ اﻷزﻫــــــــﺮ اﻟـــﺸـــﺮﻳـــﻒ ﺻــــﺮﺧــــﺔ ﻣـــﺪوﻳـــﺔ ﺿــﺪ اﻟـﺘـﻌـﺼـﺐ واﻟــﺘــﺤــﺰب، ﻓـﺎﻟـﻠـﻘـﺎء ﻳﻄﺮد ﺧﺎرﺟﴼ ﻛﻞ أﺷﻜﺎل اﻻﻧﻌﺰاﻟﻴﺔ، ﻓﺠﻤﻴﻊ اﻟﺸﻌﻮب ﺗﺸﻜﻞ أﺻﻼ ﺟﻤﺎﻋﺔ واﺣﺪة، إذ إن ﻟﻬﺎ أﺻﻼ ﻣﺸﺘﺮﻛﴼ، ﻷن اﻟـﻠـﻪ ﺟﻌﻞ اﻟﺠﻨﺲ اﻟﺒﺸﺮي ﺑﻜﺎﻣﻠﻪ ﻳــﻌــﻤــﺮ اﻷرض، واﻟـــﺒـــﺸـــﺮ ﺟـﻤـﻴـﻌـﻬـﻢ أﻳـﻀـﴼ ﻟﻬﻢ ﻫــﺪف أﺧـﻴـﺮ واﺣـــﺪ، وﻫﻮ اﻟـــــﻠـــــﻪ، ﻓـــﻌـــﻨـــﺎﻳـــﺘـــﻪ واﻟـــــﺸـــــﻬـــــﺎدة ﻋــﻠــﻰ ﻟـﻄـﻔـﻪ وﻣﺸﻴﺌﺘﻪ ﺑــﺎﻟــﺨــﻼص ﺗﺸﻤﻞ ﻛـــﻞ اﻟـــﺒـــﺸـــﺮ... ﻫـــﻞ ﻟــﻬــﺬا ﻛـــﺎن اﻟــﺒــﺎﺑــﺎ ﻓﺮﻧﺴﻴﺲ ﻳﺨﺘﺘﻢ رﺳﺎﻟﺘﻪ ﻗﺒﻞ زﻳﺎرﺗﻪ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻟـﻸزﻫـﺮ اﻟﺸﺮﻳﻒ ﺑﻘﻮﻟﻪ: »اﻟــﻌــﺎﻟــﻢ ﻳــﺤــﺘــﺎج إﻟــــﻰ ﺑــﻨــﺎة ﺟـﺴـﻮر ﻟـﻠـﺴـﻼم واﻟــﺤــﻮار واﻷﺧــــﻮة واﻟــﻌــﺪل واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ؟ اﻟﺠﺴﻮر أﻓﻀﻞ ﻃﺮﻳﻖ ﳌﺤﺎرﺑﺔ أﺻﻮﻟﻴﺎت اﻟﺠﺪران«.
ﳝﻜﻦ اﻟﻘﻄﻊ ﺑﺄن ﻫﻨﺎك ﻓﺎرﻗﴼ ﺷﺎﺳﻌﴼ ﺑﲔ رؤﻳﺔ اﻟﺒﺎﺑﺎ اﻟﻘﺎدم ﻣﻦ اﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎن إﻟﻰ اﻷزﻫﺮ اﻟﻴﻮم ورؤى أﺳﻼﻓﻪ ﻗﺒﻞ ﻧﺤﻮ ٠٠٨ ﻋﺎم